- بقلم : د. علاء الديك
سألني أحد الأصدقاء من خارج فلسطين: لماذا هذا التهميش وعدم الإهتمام بقضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء رشيد الديك رحمهما الله!
وهذا ما دفعني للكتابة، فلا بد للصوت أن يبقى مرتفعاً لقول الحق حتى تحقيق العدل، وليعرف الناس الحقيقية، التي ستبقى على جبين ولسان كل حر ومناضل وشريف، والتي حاول البعض طمسها والتأمر عليها من أجل إنقاذ المقصرين، فالألم والحسرة على الفراق مازالت تخيم على العقول والقلوب، ولكن الموت "حق" ولا إعتراض على حكم الله. في المقابل، فإن جلد الضحية وتحميلها مسؤولية ما حدث، دون وجود أدلة تثبت ذلك، ومن ثم الإساءة لها ولذويهم بقصد التشهير ودفن الحقيقة، يعد "جريمة" يعاقب عليها القانون، وهذا يحتم علينا قول الحق بإستمرار دون خوف أو تردد ولو كره المنافقون، إرضاءاً لله ولكل الشرفاء، من أجل قضية إنسانية وأخلاقية ووطنية عادلة، "قضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء رشيد الديك" رحمهما الله.
في الرابع عشر من يونيو عام 2020، توفي الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك إختناقاً في بئر ماء داخل منزل العائلة، بعد أن قام الشهيد ضياء الديك بتنظيف بئر الماء ليكون صالحاً للإستعمال بماء شرب نظيف، فأغمي عليه قبل خروجه نتيجة نقص الأكسجين داخل البئر، وعلى الفور جاء أخاه الشهيد عمار الديك، وبرفقه الأصدقاء والجيران الذين هرعوا إلى المنزل، محاولاً إنقاذ أخيه، لكنه تعثر نتيجة نقص الأكسجين داخل البئر، وسقط مغمى عليه، فرحل الشقيقين شهيدين في عليين، الشهيد ضياء الديك، الذي حاول تأمين ماء شرب نظيف لعائلته، والشهيد عمار الديك، الذي حاول بكل شجاعة وعنفوان وتضحية، إنقاذ أخيه من الموت.
والجدير بالذكر، أن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني وصل منزل عائلة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك متأخراً، ولم يستطع إنقاذهما أو إنتشالهما من داخل بئر الماء، نتيجة ضعف الإمكانيات وعدم الجاهزية وعدم الإستجابة السريعة، حتى جاء شخص مدني من أقارب وأصدقاء الشهيدين الشقيقين، ولديه عتاد وخبرة إنقاذ، وقام بإنتشالهما في غضون بضعة دقائق.
وقبل طلوع شمس صباح الرابع عشر من يونيو عام 2020، خرجت بعض التصريحات من مسؤول، بإتهام الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك بمحاولة البحث عن أثار داخل بئر ماء قديم في ساعات متأخرة من الليل، وهو ما نفته العائلة، وأتهمت العائلة الجهات المسؤولة عن تلك التصريحات، بمحاولة الإساءة للشهيدين الشقيقين والتشهير بسمعتهم وسمعة ذويهم، والإلتفاف على الحقيقية وخلط الأوراق، وإبعاد الناس في الحديث عن مجريات الإنقاذ والتقصير الذي حدث، بهدف إنقاذ المقصرين، وعدم جعل القضية قضية رأي عام.
وفي الخامس عشر من يونيو عام 2020، بعد يوم من رحيل الشهيدين الشقيقين ومواراتهم الثرى، ورداً على التصريحات التي أساءت لسمعتهم وسمعة ذويهم، أصدرت قوى وفعاليات وعائلات وأهالي بلدة كفرالديك بياناً، حملت فيه الجهات المسؤولة عن تلك التصريحات، المسؤولية الكاملة عن الإساءة للشهيدين الشقيقين المناضلين عمار وضياء الديك والتشهير بذويهم، وأن هناك محاولة لحجب الأنظار عن مجريات التقصير في الإنقاذ، بهدف إنقاذ المقصرين وطمس حقيقة ما جرى، وطالب البيان الجهات المسؤولة بمحاسبة المقصرين في الإنقاذ بدلاُ من التستر عليهم وتشويه الحقائق، وهو التقصير الذي أودى بحياة الشهيدين الشقيقين رحمهما الله.
وفي السابع عشر من يونيو عام 2020، قام محافظ سلفيت، على أثر بيان "أهالي بلدة كفرالديك" الذي أثار الرأي العام، بتشكيل لجنة تحقيق في الحادثة، وكان أغلبية أعضاؤها من مدراء المؤسسة الأمنية، ولم تشمل خبير إنقاذ أو ممثل عن العائلة أو ممثل عن هيئة قانونية أو إنسانية حقوقية، وتم التنويه بإعلان نتائجها في غضون أسبوعين من تاريخه، وأصدرت اللجنة نتائجها بتاريخ 28 يوليو، وبذلك لم يتم الإلتزام بالموعد المحدد لإعلان النتائج، والتي جاء فيها أن الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك كان لديهم إصرار على العمل، رغم علمهم اليقين بوجود خطر على حياتهم، وعليه فإنهم يتحملون المسؤولية عما جرى.
والجدير بالذكر هنا، أن عائلة وذوي الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك، قد قبلت وسمحت للجنة بزيارة المنزل والبئر مكان وقوع الحاثة، بناءاً على طلب اللجنة، لإن العائلة إعتقدت أن اللجنة ستكون محايدة ومهنية وتعمل على إظهار الحقيقة كما هي، وإيماناً من العائلة بضرورة إعطاء المؤسسة فرصة للقيام بدورها كي نتعلم دروس وعبر تجاه ما حدث، من أجل ان لا يتكرر ذلك في منزل أخر، وكذلك من أجل محاسبة المقصرين والذين أساوا للشقيقين وذويهم، ومن ثم تحويلهم للعدالة، تحقيقاً لسيادة القانون على الجميع دون إستثناء، وبكل أسف لم يتحقق ذلك، وخرجت نتائج اللجنة لتجلد الضحية وتحملهم المسؤولية عما حدث.
رفضت عائلة الشهيدين الشقيقن عمار وضياء الديك نتائج لجنة التحقيق الرسمية في محافظة سلفيت، وقررت التوجه للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" في رام الله، بهدف تشكيل لجنة تقصي حقائق بالحادثة، وعليه قررت الهيئة تشكيل لجنة تقصي حقائق بالحادثة، وباشرت اللجنة عملها بزيارة منزل عائلة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك والإطلاع على تفاصيل ما جرى، بزيارة بئر الماء ولقاء الشهود والأهالي الذين تواجدوا بالمنزل أبان الحادثة، وبعد عدة شهور من العمل الجدي والمهني المتواصل للجنة، صدر تقرير تقصي حقائق عن الهيئة بحادثة وفاة الشهيدين الشقيقن بتاريخ الثاني والعشرون من نوفمبر عام 2020، والذي جاء فيه: أن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني يتحمل المسؤولية الكاملة عن الحادث من مجمل الأحداث التي تم توثيقها في الحادثة وإخفاقه في الإنقاذ، وقيام شخص مدني بإنتشال الأخوين الشقيقين"، وأيضاً هناك ضعف شديد في الإمكانيات لدى جهاز الدفاع المدني الفلسطيني، من ناحية التواصل، الأدوات، بروتوكولات التعامل، الجاهزية، والإستجابة الفورية"، وكذلك المطالبة بإعادة صياغة تقرير لجنة التحقيق التي شكلها محافظ سلفيت ونتائجه، بعيداً عن إتهام الأخوين الشقيقين بأنهما مصران على العمل رغم الخطورة على حياتهما ويتحملون مسؤولية ما حدث، والإشارة في التقرير بوضوح للإخفاق المؤسسي في الإنقاذ لدى جهاز الدفاع المدني، وما رافققه من خلل في العمل وحسن التصرف، وأخيراً ضرروة لقاء لجنة التحقيق بأشخاص من ذوي الخبرة في مجال الإنقاذ، قبل إصدار أي نتائج من شأنها الضرر بمهنية العمل".
وفي الثالث والعشرون من نوفمبر عام 2020، قام محافظ سلفيت بالرد الرسمي على تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، من خلال اللجنة القانونية للأجهزة الأمنية في محافظة سلفيت، وعضوية جهاز الدفاع المدني، وجاء فيه: على الرغم من المخاطر وطبيعة تشكل البئر، إلا أن طواقم جهاز الدفاع المدني لم تقصر أبداً، ويوجد لدى الأخوين الشقيقين قلة إحتراز، وإهمال، وتقصير شخصي بألية تنظيف البئر" وعليه، رفضت الجهات الرسمية في محافظة سلفيت نتائج وتوصيات تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، الخاص بحادثة وفاة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك. وهنا لا بد من التنويه، أن البئر داخل بيت المنزل وعمقه لا يزيد عن خمسة أمتار، وكان مجهزاً بالإنارة والسلالم التي تسمح للدخول والخروج منه كالمعتاد، والشهيد عمار الديك لم يكن يعمل مع أخاه الشهيد ضياء الديك بتنظيف البئر، فلماذا يتم الإشارة بتقريرهم أن الأخوين لديهم إصرار على العمل وقلة إحتراز وتقصير شخصي، بل كان جالساً مع الأصدقاء والأهل في حوش المنزل.
وبتاريخ السادس والعشرون من ديسمبر عام 2020، قامت عائلة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء رشيد الديك بزيارة رئيس الوزراء الفلسطيني د. محمد إشتيه، وأطلعته على تفاصيل الحادثة ونتائج وتوصيات تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" الخاص بحادثة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك، وبدوره رحب بالتقرير وما جاء فيه، وأوعد العائلة بزيارتهم خلال أسبوعين من تاريخه، من أجل تقديم واجب العزاء والإعلان عن إعتمادهم شهداء الحركة الوطنية كونهم أبناء فصيل وعائلة وطنية، وضحوا ومضوا من أجل القيام بالواجب الإجتماعي والإنساني تجاه ذويهم، ولكن للأسف لم تحصل الزيارة ومخرجاتها مطلقاً.
في السابع والعشرون من مايو عام 2021، قررت عائلة الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك، التوجه للقضاء الفلسطيني، من أجل محاسبة المقصرين في الإنقاذ الذي أودى بحياة الشهيدين الشقيقين، ومحاسبة المسؤولين عن الإساءة للشهيدين الشقيقين ولسمعة ذويهم بهدف التشهير، وكذلك محاسبة المقصرين في عدم تحمل مسؤولياتهم تجاه الحادثة وما نتج عنها من مجمل الأحداث والتطورات، بعد أن أغلقت كل الأبواب بوجه العائلة، وعليه رأت العائلة أن سيادة القانون يجب أن تطبق على كل هؤلاء المقصرين، وأنه لا يوجد أحد فوق القانون. فالقضية تنظر في محكمة بداية رام الله ليومنا هذا.
وأخيراً، نود لفت الإنتباه للقرار الصادر عن النائب العام المساعد في قضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك، بتاريخ الرابع من نوفمبر عام 2021، وتم تسليمه للعائلة بتاريخ 18 نوفمبر عام 2021، في مكتب وكيل النيابة العامة في محافظة سلفيت، والذي جاء فيه: تقرر حفظ الملف لعدم وجود أي فعل يعاقب عليه القانون". علماً أن نتائج ومخرجات تقرير تقصي الحقائق الصادر عن الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" تشير بكل وضوح بتحمل الدفاع المدني الفلسطيني المسؤولية الكاملة عن الحادثة وما رافقها من أحداث تجاه عملية التقصير في الإنقاذ، وكذلك عدم تحمل المسؤولية تجاه الحادثة وما نتج عنها من قبل أصحاب القرار ذات الصلة بالموضوع، حيث تم فقدان شقيقين نتيجة التقصير في الإنقاذ، وتمت الإساءة لهم ولسمعة ذويهم بهدف التشهير وطمس الحقائق، كلها أفعال يعاقب عليها القانون، وخاصة أن الهيئة مؤسسة رسمية دستورية أنشأت بقرار وبمرسوم رئاسي عام 1993، وباشرت عملها عام 1994.
بناءاً على ما سبق، فإن ذلك يأخذنا لنفكر عميقاً وأكثر وضوحاً، من أجل التعرف على الأسباب الحقيقية وراء التهميش والإهمال المتعمد من قبل البعض تجاه قضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء الديك وعائلتهم وذويهم، وخاصة أننا أصبحنا نشعر بأن المواطنة والهوية الوطنية والمساواة في الحقوق، أصبح لها معايير وسمات خاصة عند البعض، قد لا تنطبق علينا وعلى تاريخ أجدادنا وأباءنا وأبناءنا رحمهم الله. وعليه، سوف ننجز بعض هذه المحطات التاريخية، للتعريف بهويتنا الوطنية، والتي نعتز بها ولن نتخلى عنها مهما عظمت التضحيات:
فالشهيدين الشقيقين عمار وضياء رشيد الديك، أحفاد "الشهيد رشيد سليمان الديك" رحمه الله، الذي أستشهد على أرض المعركة وهو يحارب الإنجليز أبان الحرب على الدولة العثمانية، ودفن بمقبرة الشهداء في حلب السورية، ولا يزال ضريحه شاهداً على ذلك. وكذلك أحفاد "الشهيدة فرسخ الديك" رحمها الله، زوجة "الشهيد رشيد سليمان الديك" – التي أستشهدت نتيجة القصف البريطاني على بلدة ديربلوط أنذاك، ودفنت بمحراب مسجد ديربلوط القديم، ولا يزال ضريحها شاهداً على ذلك. وأيضاً أحفاد الشيخ "عبد رشيد الديك" رحمه الله، بن الشهيد "رشيد سليمان الديك"، و"الشهيدة فرسخ الديك"، والذي عرف بإستقامته الوطنية والإجتماعية، محافظاً على مسيرة أبويه الوطنية والإجتماعية والإنسانية من أجل فلسطين وقضيتها وشعبها. وأبناء المرحوم المناضل "الحاج رشيد عبد رشيد الديك" أبو نضال" رحمه الله، الذي عرف بإستقامته الوطنية والإجتماعية، وكان أحد المقربين والعاملين مع المرحوم المناضل "بسام الشكعة" رحمه الله، ضد روابط القرى، وعمل بالميدان ضد أعوان الإحتلال وأفشل العديد من مخططاتهم المشبوهة التي تضر بالسلم الأهلي والإجتماعي قبل وأبان الإنتفاضة الأولى، ومن المقربين لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية في عمان وتونس. وأبناء المناضلة "الحاجة ندى عبدالقادر حسين الساحلي" أم نضال" حفظها الله، إبنة المناضل المرحوم عبدالقادر حسين الساحلي، رحمه الله، الذي تعرض لعملية إغتيال من قبل قوات الإحتلال أبان النكبة، وهو يقدم المعونات العسكرية للمناضلين ضد الإحتلال، وقد أستشهد أبناؤه أطفالاً "الشهيد موسى عبدالقادر الساحلي" و"الشهيد باجس عبدالقادر الساحلي" رحمهما الله، حيث تم إصابته بالصدر والبطن وبيده اليمنى بسبعة طلقات، فتم بتر يده اليمنى على أثر ذلك، وتم هدم منزله وتم الإستيلاء على أرضه كاملة، فرحلت العائلة لبلدة ديربلوط، ومن ثم سكن مدينة سلفيت لمدة ثلاثة سنوات، ليستقر بعد ذلك بمخيم بلاطة في مدينة نابلس، ودفن هناك، فعائلة الساحلي عائلة مناضلة ونحن نعتز بها وبمسيرتها الوطنية والإجتماعية. وأبناء وكوادر الحركة الوطنية الفلسطينية، أعضاء وكوادر في جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، أحد فصائل العمل الوطني المناضلة في منظمة التحرير الفلسطينية. وأبناء عائلة أل الديك وأبناء أهالي بلدة كفرالديك بكافة فعالياتها التي نعتز بمواقفهم الوطنية والإجتماعية، المناضلين منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى ضد القوى الإستعمارية والإمبريالية الإحتلالية، وبلد الشهداء والحركة الوطنية والحركة الأسيرة منذ قرن من الزمن، وأبناء محافظة سلفيت "محافظة الزيتونة" محافظة الشهداء والأسرى والجرحى، وأبناء فلسطين التي ضحى ولا يزال يضحي من أجلها الكثيرون.
فالتهميش والإهمال تجاه قضية الشهيدين الشقيقين عمار وضياء رشيد الديك، هو إمعان بجلد الضحية بهدف إنقاذ وإرضاء المقصرين والمتأمرين، فإن كان لديكم قرأن جديد لنتعلم منه، ولا نعرف به، نرجو إرساله لنا، حتى نقوم بإتباعه بما يرضيكم، كي نصبح مواطنين لهم حقوق المساواة والمواطنة.
بقلم: الدكتور علاء الديك، شقيق الشهيدين الشقيقين عمار وضياء رشيد الديك.
18 فبراير 2023
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت