الزلزال المدمّر.. دولة فلسطين تكرّس مبدأ سيادة الإنسانية

بقلم: فادي أبو بكر

فادي أبوبكر
  • فادي أبوبكر

ارتفعت حصيلة ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا، فجر الاثنين الموافق 6 شباط/فبراير 2023، إلى أكثر من 46 ألفا وعشرات آلاف المصابين، في حصيلة غير نهائية، بينما ما تزال عمليات البحث والإنقاذ مستمرة رغم تراجع فرص العثور على ناجين مع مرور الوقت. وقد وصل عدد الضحايا من أبناء شعبنا في تركيا واللاجئين منهم في سوريا إلى 105 حتى تاريخ كتابة هذا المقال، في نكبة جديدة للمنكوبين الفلسطينيين في الشتات .

حوّلت كارثة الزلزال وما كشفته من ازدواجية في المعايير التي يتعامل بها العالم الغربي مع ضحايا الكارثة في كل من تركيا وسوريا، النداءات الداعية لرفع العقوبات وفك الحصار الى نداء إنساني عاجل، فرض حضوره على مواقف حكومات ودول العالم، وعلى المنظمات الأممية، وبالرغم من عدم ظهور تحوّلات بارزة في المواقف الدولية تتجاوز حدود الشعارات والتصريحات الإعلامية، إلا أن الصورة التي تشكّلت في المنطقة تقول إن مفاعيل قانون قيصر عاجزة عن تقييد حركة التضامن مع سوريا، وإن الإدارة الأميركية تلبس ثوب الإجرام بحق الإنسانية في تمسكها بقوانين العقوبات، أمام مشهد إنساني بالغ التأثير، وغير قابل للتجاهل.

أفقدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كما الإدارة السابقة، الولايات المتحدة أهم العوامل التي تُشكّل قوة الدولة العظمى، حيث أن هذه القوة لا تُقاس بالقوة العسكرية والاقتصادية فقط، وإنما بالقدرة على توفير السلع العامة والمنافع على المستوى الدولي، إلى جانب حشد وتنسيق الاستجابة العالمية للأزمات، ولعلّ كارثة الزلزال ، وأزمة كورونا، خير أمثلة على ذلك.

وإذا ما تحدّثنا عن مسألة توفّر كافة مقومات هذه الدولة، فأن فلسطين قد أثبتت منذ الاعتراف بها عضواً مراقباً في العام 2012، أنها دولة مسؤولة، فاعلة، وقادرة على العمل مع المجتمع الدولي، ما يدحض حجّة أي دولة أوروبية أو غير أوروبية ما زالت ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وقد كشفت نكبة الزلزال عن صور عظيمة متجددة لفلسطين في ميدان التعاون الانساني، حيث خرج فريق من دولة فلسطين للتدخل والاستجابة العاجلة إلى كل من سوريا وتركيا، ليظهر معدن الشعب الفلسطيني وانسانيته ونخوته، وليكشف عمّا تمتلكه فلسطين من ترسانة لا تنضب من القيم الانسانية ؛ ترسانة من شأنها أن تبقي حضور القضية الفلسطينية ووهجها متألقاً في بقاع الارض.

تواصل  فلسطين صناعة الإنسانية رغماً عن الحرب الإسرائيلية المفتوحة ضد شعبها وأرضها وممتلكاتها ومقدساتها، وروائح الموت التي تملأ شوارع مدنها وقراها ومخيماتها، لتؤكد بأنها حية لم تمت، ولم تنطفىء روحها. ولتعطي كافة القوى الفاعلة في الساحة الدولية درساً جديداً عنوانه "كيف يصبح للدولة سيادة؟"، تتحدى فيه مصداقية مبدأ سيادة الدولة، التي لا تكترث بآلام الإنسانية وبحقوق الإنسان.

فلسطين التي تقدّم كل قطرة دم في عروق أبناءها من أجل الحرية، تستحق أن تكون دولة ذات سيادة، وأن ينتصر العالم لها في وجه هذا الاحتلال الإستعماري الإستيطاني الذي يمارس الفصل العنصري والتطهير العرقي، ويستعدي بممارساته الإنسانية جمعاء.

ومع نكبة الزلزال المدمّر، تنتعش ذاكرة النكبة الفلسطينية الكُبرى عام 1948، التي هي من صنع الاحتلال الإسرائيلي، وليست كارثة طبيعية ولا ضربة ربانية، لنردّد القول بأن الانتصار لفلسطين هو انتصار للإنسانية جمعاء. ولعلّ اعتماد الأمم المتحدة قراراً بإحياء الذكرى 75 للنكبة في 15 أيار/ مايو 2023 في قاعة الجمعية العامة، لهو أقوى رد أممي على الرواية الصهيونية الزائفة، وتثبيت لحضور الرواية الفلسطينية في المشهد الدولي، ما يتطلّب تركيز كل الجهود نحو حصاد دبلوماسي متين تخليداً لذكرى النكبة الخامسة والسبعين.

 

سلاماً من فلسطين أرض السلام والمحبة لأرواح كل ضحايا الزلازل والنكبات ..  

سلاماً لكل من اُضطهد في الماضي و يُضطهد في الحاضر بإسم الاستعمار والفصل العنصري

سلاماً من فلسطين.. أرض الانبياء والمرسلين

 

فادي أبوبكر

كاتب وباحث فلسطيني

[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت