- إعداد: ديما عماد مطر
- مدرسة حمد بن خليفة
- مديرية شمال غزة
مقدمة
أنبأنا الله عزَّ وجلّ من أنباء اليهود ما يفضح مكائدهم، ويكشف طبائعهم، ويدحض رواياتهم، فقد أخبر ربّ العزّة عزّ وجلّ وهو أعلم بهم - أنهم أهل كيد وخديعة، وضلال، وإضلال، وصدٍعن سبيل الله، يكثرون الفتن، ويوقدون الحروب. كتموا الحق، وقتلوا الأنبياء وسًبوا الله - سبحانه وتعالى عم يصفون - وقد بلغ كذبهم الآفاق بزعمهم بوجود هيكل سليمان عليه السلام وتقديسه ومحاولة إقناع العالم بوجوده، وبحقهم في التنقيب عنه، وإعادة بناءه، واتخذوا من ذلك حجة لإزالة الأحياء السكنية حول المسجد الأقصى، وافترست جرافات حقدهم المقدسات الإسلامية ومارست بحقها أبشع أنواع التخريب والإرهاب والتدمير.
تعريف الهيكل:
الهيكل كلمة عربية يقابلها في العبرية "بيت همقداش"، أي البيت المقدس.
نبذة تاريخية:
سكن الكنعانيون ثم اليبوسيون القدس قبل حوالي 2600 عام قبل الميلاد.
هاجر نبي الله إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين قادماً من العراق في العام 2100 (ق.م).
يخبرنا القرآن الكريم عن نبيّ الله موسى وقومه بني إسرائيل و ظلم الفراعنة لهم، و فرارهم إلى فلسطين حيث تاهوا قرابة الأربعين عاما في صحراء سيناء، في الوقت الذي استكمل فيه موسى عليه السلام تعاليم الدين شاملاً الألواح التي كتبت فيها التوراة حيث كان يحتفظ بها في صندوق صغير أطلق عليه " تابوت العهد " و لم يدخل موسى فلسطين بل توفى في فترة التيه و دخلها بعده يوشع بن نون عن طريق أريحا , و قد أصبح التابوت ملازماً لبني إسرائيل في حلهم وترحالهم.
سيطر نبي الله داوود على مدينة القدس في العام 1100(ق.م)، واتخذّ منها عاصمة لملكه، وحسب الزعم الصهيوني فقد أمر داوود بن سليمان عليهما السلام ببناء معبد مقدس أسماه بيت الرب لحفظ تابوت العهد فوق حيل موريا المعروف باسم هضبة الحرم.
استغرقت مدة البناء سبع سنوات ، وشارك في البناء أكثر من 180 ألف رجل !!
دمر الهيكل للمرة الأولى على يد القائد البابلي بختنصر عام 586 ق. م.
بعد وفاة نبوخذ نصر سيطر قورش الفارسي على بابل وسمح لليهود بالعودة إلى فلسطين، وإعادة بناء الهيكل الثاني لمدة استمرت عشرين عاماً حيث أصبح جاهزاً للعبادة عام 516(ق.م)
في عهد الإغريق عين القائد هيرود ليكون مندوباً عن القصر في القدس و قام بتوسعةٍ كبيرةٍ للهيكل المزعوم و لذا سمي الهيكل الثاني هيكل هيرود . (طعيمة، 2007)
ظلّ الهيكل المزعوم قائماً حتى تم تدميره على يد القائد الروماني (تيتوس) في العام 70 م كرد فعلٍ على انتفاضة اليهود والتي تكررت عام 135م حيث تمّ تدمير القدس بالكامل وترحيل اليهود ومنعهم من دخولها.
مع بداية الحقبة البيزنطية بدأ اليهود بالعودة الى القدس وبدأ الحديث عن الهيكل المزعوم وإعادة بنائه إلا أنّ الأمر أخفق بسبب زلزالٍ شديدٍ ضرب المنطقة.
في عام 638م سلم الراهب (صفرونيوس) مفاتيح القدس للخليفة عمر بن الخطاب حيث بدأ إعمار المسجد الأقصى.
في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان بنى مسجد قبة الصخرة عام 635م.
في عام 1967م بعد احتلال القدس باشرت سلطات الاحتلال التنقيب في مدينة القدس والحرم الشريف للبحث عن أي آثار للهيكل المزعوم إلا أنّ كل محاولاتهم باءت بالفشل الذريع.
أوصاف الهيكل المزعوم ( حسب الرواية اليهودية )
1- الهيكل المزعوم الأول
تنبع أهمية وصف الهيكل لتحديد مدى التعارض في الرواية اليهودية حيث لا يوجد أيّ وصفٍ للهيكل الأول المزعوم بخلاف الرواية اليهودية.
في مدخل الهيكل كان رواق , و حوله تمّ بناء بعض المخازن و الغرف و قد تزيّن مدخله بعمودين من النحاس تعلو كل منها كرةّ على شكل رمانة.
في الجهة الجنوبية من الهيكل قام سليمان عليه السلام ببناء بيت القضاء وهو صالة كبيرة.
2- الهيكل الثاني (هيكل هيرود)
يتميز الهيكل الثاني بوجود شهاداتٍ لشهود عيان منهم العالم (اريستياس) الذي وصف في رسالةٍ إلى أخيه وصفاً لكل ما شاهده في رحلته الى القدس و من ضمن ذلك وصف لمبنى كبير سماه الهيكل.
الأماكن المفترضة للهيكل
أولًا: داخل الحرم القدسي الشريف
1- قبة الأرواح : تقع هذه القبة الصغيرة في الجهة الشمالية الغربية من مسجد قبة الصخرة بمسافة 100م و هي عبارة عن قبةٍ بثمانية أضلاع .
2- قبة الصخرة المشرفة :
بدأ هذا الاعتقاد عقب استيلاء الصليبين على القدس ففي العام 1169 قام المكتشف اليهودي (بنيامين كوديلا) بوضع نظرية أن مكان قبة الصخرة هو مكان الهيكل المزعوم و الغريب في الأمر أن علماء اليهود خالفوه الرأي.
في القرن السادس عشر أعلن العالم اليهودي (رابي اسحاق) أن الحائط الغربي للحرم الشريف هو بقايا الهيكل و من حينها بدأ اليهود بتقديسه.
3- نافورة المتوضأ (الكأس)
يقع هذا المتوضأ في أسفل الدرجات المؤدية من مسجد قبة الصخرة الى المسجد الأقصى المبارك.
4- المسجد الأقصى المبارك
ثانيا : نظريات تفترض مكان الهيكل المزعوم خارج أسوار مدينة القدس القديمة
1- جنوب ما اصبح يسمى مدينة داوود بالقرب من قرية سلوان العربية.
2- استنادا الى شهادات شهود العيان بوجود مصدر ماء مهم الى الجنوب من منبع مياه جيحون.
القران الكريم و الهيكل
القرآن الكريم قص علينا قصة داود وسليمان عليهما السلام في عدة مواضع ، وذكر قصة سليمان مع بلقيس والهدهد والنملة ومع الجن ، وبعض هذه الأحداث تبدو أقل أهمية من الهيكل! فلماذا لم يتكلم القرآن الكريم عن الهيكل ؟ إذا كان بهذه القدسية والجلالة التي يذكرها اليهود ؟!
دحض رواية الهيكل المزعوم
ليس هناك كتاب تاريخي ، أو مصدر موثوق به : يثبت لنا بناء سليمان عليه السلام للهيكل ، ولا يثبت لنا تاريخه ، ولكننا سنذكر تاريخا مختصرا للهيكل المزعوم ، كما ورد في كتب اليهود ، ثم نبين بعد ذلك أن هيكل سليمان ما هو إلا خرافة ، لا وجود لها في حقيقة الأمر!!
هناك أدلة عديدة كلها تدل على بطلان نسبة الهيكل لسليمان عليه السلام ، وأن بناء سليمان للهيكل هو مجرد أكذوبة من أكاذيب اليهود ، والأدلة على ذلك كثيرة ، بعضها يستفاد مما كتبه اليهود أنفسهم عن الهيكل !
من هذه الأدلة :
أولا: التناقض في مصدر وجود الهيكل
أنه لا وجود لهذا الهيكل إلا في كتب اليهود ، وهي كتب لا يوثق بما فيها ، حتى الكتاب المقدس نفسه – قد اعترف كثير من علماء اليهود والنصارى والمؤرخين أنه امتدت إليه أيدي التحريف والتلاعب والزيادة والنقصان ، مما يعني أنه لم يعد مصدرا تاريخيا موثوقا به . ولا يوجد له إسناد متصل إلى موسى عليه السلام ، ولا إلى الأنبياء الذين جاءوا بعده .
ثانيا : التناقض في عدد العمال المشاركين
ذلك لأنه سيقف أمام بناء عظيم جدا ، قد يكون من أعظم الأبنية التي عرفتها البشرية ، فالمواد المستخدمة في البناء وعدد العمال كان خياليا ، مبالغا فيه بما يتجاوز حدود المنطق . وعدد العمال المشاركين في البناء 180 ألف عامل ، منهم 30 ألف عامل أرسلهم سليمان إلى لبنان لقطع الأشجار من هنالك.
وعليهم رؤساء عددهم 3600 أو 3400 حسب اختلاف الأسفار في عددهم , وعلى الرغم من كل هذه المواد والعمال كم كان طول وعرض وارتفاع الهيكل ؟
ثالثا: التناقض في مكان الهيكل كما جاء في الأسفار اليهودبة.
و تختلف هذه المساحة في اسفاراليهود كما تختلف أماكنه فتارة تحت مسجد قبة الصخرة , و تارة تحت قبة الأرواح , وتارة أخرى تحت المسجد الأقصى وهكذا تختلف الروايات .
أن اليهود أنفسهم لا يتفقون على هيكل واحد ، ومكان واحد كما ذكرنا سابقا
رابعا : تناقض الرواية اليهودية مع الدلائل التاريخية
أن من ذكر هذه الهياكل أثبت أنها قد دمرت بالكامل ، فالقدس قد دمرت عام 70 م وأصبحت خرابا ا بما فيها الهيكل ، فالبحث عن بناء قد دمر نهائيا منذ ألفي سنة هو عبث في عبث .
الدلائل التاريخية تفيد أن الذي بنى المسجد الأقصى هو إبراهيم عليه السلام، وكان ذلك قبل سليمان بمئات السنين ، فليس من المعقول أن يقوم سليمان بهدم مكان بناه نبي .
لم يذكر أحد من المؤرخين أن المسلمين لما دخلوا القدس في عهد عمر بن الخطاب وجدوا بها معبدا من معابد اليهود وهدموه ، وأقاموا مكانه مسجدا .
روى البخاري (3366) ، ومسلم (520) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه ، قَالَ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ : أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ) ، قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ( الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى ) قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : ( أَرْبَعُونَ سَنَةً ".
المعروف عند اليهود أن "الكتاب المقدس" كتب في فترة الأسر البابلي ، وقد ذكرنا أن اليهود سُمح لهم بالعودة إلى فلسطين بعد سنوات من الأسر ، فلعل الكتبة قد زادوا بعض الأساطير حول الهيكل ، تشجيعا لليهود للرجوع إلى القدس . (طعيمة، 2007)
خامسا: التناقض في روايات اليهود وشهادة لجان التحقيق و شهود العيان
يزعم اليهود أن حائط البراق (الذي يسمونه حائط المبكى) هو جزء من هيكلهم المزعوم ، وهذا الزعم قد أبطلته وكشفت زيفه الدراسات العلمية الحديثة ، فقد أوفدت لجنة دولية للتحقيق في أحداث البراق التي وقعت سنة 1930 م ، وكان عمل اللجنة علميا تاريخيا ، وقد أثبتت اللجنة في تقريرها أن ملكية حائط البراق تعود للعرب (المسلمين) .
ذكر عالم الآثار اليهودي "إسرائيل فلنكشتاين" أن علماء الآثار لم يعثروا على أي شواهد أثرية تدل على أن الهيكل كان موجودا بالفعل ، واعتبر أن فكرة وجود الهيكل هي مجرد خرافة لا وجود لها ، وأن كَتَبَة التوراة في القرن الثالث : أضافوا قصصا لم تحدث .
كل هذه الأدلة والشواهد – وغيرها – تدل على أن قضية الهيكل هي مجرد أكاذيب ، كتبها كتبة "الكتاب المقدس" ، ونسبوها إلى الله ، لربط اليهود بتلك المدينة ، وحثهم على الرجوع إليها ، باعتبار أن ملكهم لن يتم إلا باستعادة ذلك الهيكل المزعوم .
وفي الختام أود ان أقول لقد آن للعرب والمسلمين أن يجعلوا من قضية القدس والأقصى فوق كل الخلافات والتجاذبات والمصالح المادية والسياسية، وأن يعيدوا لهذه القضية زخمها العقائدي الإسلامي، حتى يمكن مواجهة أطماع ومخططات الصهاينة اللامحدودة في هذا المجال، وحتى يمكن إعادة الأمل بعودة القدس والأقصى عربية إسلامية كما كانت.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت