- بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين الاعلامي د. رضوان عبد الله
المخترع السويدي فرانس فيلهلم ليندكفيست ، عام 1888م ، حيث تم اختراع بابور الجاز ( البريموس ) في السويد وقد اطلق عليه هذا الاسم نسبة الى اسم بلدة سويدية .اشتهرت بأنها اول وأشهر من قام بصنع بابور الجاز في العالم.عرف في الدول العربية في فترة الاربعينات وخاصة في المدن لكن القرى ظلت تستعمل الحطب لفترة طويلة .كان هدية رائعة يقدمها رب الأسرة لزوجته ليخفف عنها عناء إشعال النار يدويا .فقد كان ينظر اليه كجهاز تكنولوجي رائع ومتقدم جدا.قديماً كان ذا اهمية نفسية واجتماعية حيث ان جهاز العروس كان لا بد ان يحوي ضمنه بابور الجاز كقطعة هامة من اثاث البيت.
كنا وعدناكم منذ فترة ان نتحدث عن زمن غير اي زمن اﻻ و هو زمن البواببر؛ زمن لمن ﻻ زمان له ؛و سنعيد ذاكرة اهلنا الكبار الى الوراء قليلا حيث كانت البوابير(بوابير الكاز) مشهورة بعد خمسين او ستين عاما من اختراعها في السويد ، اي في عقود الاربعينيات و الخمسينيات و الستينيات وصوﻻ الى سبعينبات القرن الماضي وكانت الطنابير و الحناطير تعني الكثير حين تمر من الشوارع الضيقة لتتادي بعد اطﻻق عنان الزمور المشهور للطنبر او الحنطور(كاااز كاااااز معنا كاااز؛ اجا بياع الكاااز...).
والمتذكر من سكان مخيماتنا وقرى ومدن لبنان يدرك تماما انه في كل زواريبها ﻻ تمر بواحدة منها اﻻ و تسمع دك البوابير (اي اشغالها بعد اشعالها) ليل نهار ولغايات متعددة اما للطببخ او للغسيل او حتى للاستحمام حيث لم يكن هناك غازات و ﻻ غساﻻت واكيد لا يوجد قازانات للاستحمام اﻻ ما قل ودل ؛ و في ييوت قليلة للميسورين وفي فترة ما بعد حرب النكسة ، وهم قلة في المخيمات الفلسطينبة.
زمن البوابير كان فيه رحمة وتآلف و تزاور وتعاضد وتكاتف،زمن يحترم فيه الكبير و يحن فيه على الصغير و قل فيه الغش و الخداع و التزوير، زمن كانت ﻻ زالت زيتونة فلسطبن مؤثرة في منبتها و منتوجها.لم تكن هناك من مؤثرات جانبية و ﻻ تخريبية وﻻ اراتدادات خارجية ﻻ من قريب وﻻ من بعيد. ذلك الزمن يجعلنا نترحم على ايام اﻻجداد الذين ربوا اباءنا الذين بدورهم ربونا واخرجوا منا المناضلين والثوريبن ان كنا وقتها شبابا او اطفاﻻ او الذين كانوا قد اصبحوا في مقتبل عمر الرجولة او اﻻنسوية/النسوية.
ذلك الزمن الماضي الجميل الذي خرّج ؛ و بكل شرائح شعبنا ،اساتذة واطباء ومحامين وفنانين و مهندسبن و عمال وفﻻحين الخ...ثوريين بكل المعاني الصادقة الرجولية العريقة الاصيلة الجذور؛ رغم البؤس و الشقاء المتمثلُين بزمن النكبة و زمن النكسة العربيين ؛ ورغم وجود الفقر و الحرمان اﻻ ان شعبا اراد الحياة فعﻻ ﻻ قوﻻ فكانت له الحياة ؛ ولم تثنِ عزيمته ﻻ طائرات الفانتوم وﻻ تدمير المخيمات في اﻻردن و لبنان و لم ترهقه مؤامرات لتصفية قضيته بعد اجتياح لبنان الكبير عام 82 وصوﻻ الى الترحيل من جديد من ليببا و العراق وبﻻد الشام الى منافي وراء المتوسط والمحيط الاطلسي وصوﻻ الى اﻻمريكيتين الشمالية و الجنوببة.
ان زمن البوايير قد ولى بكل اسف و حزن كبيرين ؛ وحل محله زمن الزنابيروالشحابير؛ زمن الشحار و التعاسة والتعتير ؛ زمن اصبح الصادق منبوذا وتحولت الاطعمة الى وجبات سريعة فتحول المناضلون الى سعاة رزق او متسولين...فاين انت يا زمن البوابير..انه زمن لن يعود رغم ان التاريخ يعيد نفسه في كثير من اﻻحيان لكنه ﻻ يعود بذاته بل بنسخ مستنسخة وﻻ ندري ما هو اﻻستنساخ عن البوابير ؛ هل هو( بابوري رايح رايح بابوري جاي) اي يخت او باخرة لكل دبور ؛ ام انه سيكون مستنسخ جديد ﻻ علم لنا به ؛ لربما سيكون البابور
وكما قلنا فان اﻻجيال السابقة كانت بمعظمها تستعمل البوابير ان كانت على كاز او مازوت؛ و ذلك ﻻستعماﻻت منزلية كالغسيل و الطبخ و اﻻستحمام ؛ او للخبز على الفرن اذ لم يكن هناك افران منزلية اﻻ على التراب اﻻبيض كالطابون او التنور او الصاج ؛ او فرن مازوت يستعمل به بابور كبير يعمل على المازوت فهو مصنع كذلك و اوفر من الكاز طبعا....!!
موضوعنا طبعا ليس ذلك البابور ولا بابور الشحن و الذي هو سفينة على طراز قديم كان يتغنى بها الفنان الراحل فهد بﻻن حينما كان يقول بصوته الجهوري والعالي بطبيعة نبرته(((بابوري رايح رايح و يابوري جاي وبابوري نمنل سكر و شاي...))).
و كنت قد تناولت اعلاه قضية بابور الكاز او المازوت ومنافعه.اما اليوم فللحديث عن البابور طعم آخر...فعﻻ انه زمن البوايير...كيف...تعالوا نقرأ سويا.
كﻻمنا عن زمن البوابير اليوم سيكون متعدد الجوانب ﻻنه سيكون نوعا من التراث العريي اﻻصيل؛ كيف ﻻ و ربنا سبحانه و تعالى يقول (((خذ العفو و اامر بالعرف و اعرض عن الجاهلين)) ؛ وما اقصده هنا ان امة إقرأ لم تعد تقرأ: بمعنى آخر اصبحنا نتناقل القيل و القال واحد عن واحد او حتى مجموعة عن مجموعة ؛ او واحد عن مجموعة؛ او مجموعة عن واحد؛ حتى ضجت اﻻصوات فعلت عن صوت البوابير المزعحة .صار القاصي منا و الداني يقول لو تعلموا ماذا قال فﻻن او ماذا كتب فﻻن...طيب هلأ رايته او سمعته يقول او يكتب؟؟ ﻻ ولكن فﻻن قال انه كتب كذا و كذا...و هل تاكدت ان الكﻻم صحيح او ان المهم نتناقل اﻻقاويل و نتدحرجها ببن حناجرنا كما يتدحرح المازوت او الكاز بين حنجرة البابور التي تخرح الكاز ليولع النار اكثر من ولعها بالهشيم.
تركنا التثبت من اﻻمر جانبا ؛ و ابتعدنا عن التسامح و عن خذ العفو و اﻻمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اﻻعراض عن الجاهلين؛ وتحولت حناحرنا الى بوايير طنانة؛رنانة؛زنانة ؛ قليلا ما تقول كلمة حق بل و نسعى الى نقل اﻻباطيل.بل العكس فان للبوابير منفعتها ان كان في النفخ او في الغسيل او الطبخ ؛ حتى المكواة اليدوية كانت تحمى على البوابير كي تنجز اللياقة القماشية لثيابنا في كل مشوار....ربما اتدخل هنا في تفصيﻻت تراثية للعشرات بل المئات من العائﻻت الاي كانت تستعمل تلك اﻻداة المركزية اي انت لن يكن نن حل آخر لوجودها من جهة ؛و ربنا اتدخل في بعض التعابير في موجة الحر البابورية التي ﻻ تغني و ﻻ تذر و لكن على اﻻقل اردت وضع النقاط على الحروف؛ في هذا الزمان ؛ زمن الرويبضة؛ الذي يصدق فيه الكاذب و يكذب فيه الصادق...الى اخر الحديث النبوي الشريف...
ارادت بعض المؤسسات العاملة في المخيمات ان تعيدنا الى زمن البوابير اﻻوائل؛ حتى اصبح الواحد منا ينتظر ان ياتيه كل شيء لعند حضرته.. !!! وتحولنا الى متسولين بسبب ممولين هم باﻻساس مسولين ؛ اوقعونا في صنارة الاخذ؛ يعني دوما هات هات....و غاب عن تفكيرنا كل ابداع جميل ان نعطي و ان نبادر وان نضحي...وان نؤثر(من اﻻيثار)؛ فصرنا بابور كاز او مازوت ﻻ يشتغل اﻻ بالوقود الناري ؛ لماذا تحولت كل نضاﻻت شعبنا الى هات و ﻻ يوجد بقاموسنا خذ((خذ العفو))؛ حتى هذه ابتعد الكثيرون منا عنها و صارت حواراتنا وجدلياتنا و مشاكلنا ﻻ تحل اﻻ بالعصبية الجاهلية المتطورة اي بدل السيف و الرمح صرنا نستعمل السﻻح الرشاش المتطور كي نحل اي مشكلة حتى لو كانت بسيطة.... اليست هذه جاهلية ثانية ؛ اصعب و اخطر من الجاهلية اﻻولى...
الكﻻم يطول و الحديث ربما يزداد و يتشعب اكثر؛ و غاب كثير من ادبياتنا الجميلة عن ذهنيات الكثير منا؛ و صار هينا اكل لحوم البشر...على كثير من البشر...((ايحب احدكم ان ياكل لحم اخيه فكرهتموه))) كما وصف رب العزة اﻻستغابة وهذا قلناه في مقالة سابقة عن الوشاية... لكن ربنا سبحانه و تعالى خلق البعوضة و خلق عندها استشعارات ؛ فالله سبحانه و تعالى خلق لهذه الحشرة الصغيرة في جسمها معمل مخبري لها كي تحلل نوع الدم قبل ان تمتصه .
السنا بشر و نفكر ؛ و نستطيع ان نقرر أﻻ نمتص دماء بعضنا البعض بتاتا....كي ﻻ نكون اضعف من اي حشرة على اﻻطﻻق....تلك الحشرة التي ﻻ صوت لها نسمعه كما يكون للبوابير اصوات مزعجة........الى اللقاء....مع زمن آخر.....!!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت