- د. طلال الشريف
من المفارقات النظرية أن القضية الفلسطينية تظهر لها حلول مع الزمن وتتعدد تلك الحلول حسب ميزان القوى أحيانا في الصراع ، وأحيانا بتطور وتغيير طبيعة الواقع على الأرض، فكل ما طرح من اجتهادات أو سيطرح لن يحمل حلا للصراع إلا إذا كان عادلا لأهل وأرض فلسطين وأي حلول تفرض بالقوة والخداع او التدليس ستنفجر في اي حين، والأفضل للطرفين أن تكون الحلول عادلة إذا أرادوا إنهاء الصراع والمعاناة للشعبين وللمنطقة والعالم أجمع، وإلا ستبقى المنطقة كلها تتعرض لهزات سياسية وعسكرية وحتى ديمغرافية ارتدادية تعصف بمصير السلام والامن والأمان والتطوير فيها بسبب زلزال نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948.
موضوع الدولة الواحدة ثنائية القومية كانت مطروحة مبكرا عند عدد كبير من المثقفين والسياسين في المنطقة وخارجها بشكل نظري، ولكن بإحساس انكاري يائس لمن يطرحها، لمعرفته المسبقة بان الإسرائيليين لن يوافقوا على حل الدولة الواحدة لأسباب عدة اهمها، أن المجتمعين لا يقبلان ذلك وكل منهما يكن العداء للآخر ولا يقرآن بعمق أن هناك إمكانية لتغيير العداء والكراهية بعدالة الحلول وعد الإجحاف خاصة بحق الشعب المظلوم وهو الشعب الفلسطيني الذي يعيش حالة مضطربة منذ تلك النكبة من تشرد وفقدات سبل الحياة الكريمة.
حين طرحت فكرة الدولتين كانت تظهر اقرب للممكن وبدا التطبيق العملي لذلك باقتناص فرصة تحولات في المجتمعين قادها ياسر عرفات واسحق رابين عبر اتفاق أوسلو وتبني منظمة التحرير لحل الدولتين، وغابت فكرة او خيار الدولة الواحدة عن الواقع بتاتا، إلا من أحلام بعض اليساريين الذين كانوا يطرحونها كاداة تخويف للاسرائيليين على قاعدة دعم حل الدولتين او بمعنى آخر تخويف واجبار اسرائيل بمعنى اذا لم تطبقوا حل الدولتين أيها الإسرائيليون فستجبرون على حل الدولة الواحدة، وكان هذا الطرح فعلا يجعل الاسرائيليون يفضلون الانفصال عنا بحل الدولتين، وسار اسحق رابين في هذا الاتجاه ولكن اليمين الصهيوني كان لا يتبنى حل دولة ولا حل دولتين، ونجح هذا اليمين بقتل رابين وصعد نجم نتنياهو بفكره المتطرف وتصرف بفكرة "عدم قيام دولة فلسطينية" وازدادت قوة اليمين في العقدين الماضيين وخربوا حل الدولتين.
الآن تصاعدت قوة اليمين الديني المتطرف الذي استقوى بصفقة تراميب باعطائهم القدس كلها عاصمة وضم الغور، وأخذوا يطبقونها عمليا من جانب واحد رغم رفضها من الجانب الفلسطيني، وتوسع الاستيطان وأقرت الكينيست بيهودية الدولة، واستقوى المستوطنون بمساعدة الجيش للاستيلاء على الضفة كاملة، وبضم الغور، ولذلك أصبح الفلسطينيون في بطن اسرائيل لا تستطيع طردهم او إفناءهم وهذا هو واقع اليوم..
اليمين المتطرف أخطأ التقدير وأصبح لا خيار في الأفق إلا حل الدولة الواحدة حتى لو سارت الامور نحو حل الكانتونات والتمييز العنصري المشابه لجنوب افريقيا فإنه لن يعمر طويلا وسيضطر الاسرائيليون في زمن قادم لحل الدولة الواحدة إجباريا، أو، ان يعودوا لحل الدولتين، رغم عدم بقاء أرض تسمح لاقامة دولة فلسطينية مستقلة، ولذلك..
الشعبان في مازق الآن، هل يعيشان سويا أم ينفصلان؟ ولا حل ثالث لهما .. وتطور الاحداث وجشع اليمين الصهيوني أعمى بصيرتهم عن أنهم سيصلون لهذا المأزق وعليه عادت فكرة حل الدولة الواحدة للطرح والمحاولة رغم صعوبة تقبل الاسرائيليين لهذا الطرح او الخيار الذي لم يعد خيارا بل صار واقعا عمليا وملموسا على الأرض، والفلسطينيون يستجيبون لهذا الطرح، اي الدولة الواحدة من منطلق بحثهم عن حل لقضيتهم كطرف أضعف امكانياتا وقوة عسكرية من الاسرائيليين، ولذلك هم يوافقون على أي الحلين، واسرائيل تشعر بالقوة والتفوق ، ولذلك هي ترفض، وما سيدفعها إلى القبول هو السبب نفسه الذي دفع الفلسطينيين للقبول بأي الحلين، أي وصولهم لحالة الضعف بمرور الزمن وستصل اسرائيل لحالة الضعف على قاعدة، لا قوة ثابتة بل القوة نسبية، وتغيير موازين القوة هو الطبيعي، وعندها سيوافق الاسرائيليون على حل الدولة الواحدة، او حل الدولتين مهما وصل من متطرفين لسدة الحكم ما دام هناك على الأرض شعب فلسطيني لا يفنى ولا يهاجر .
الفلسطينيون يجب ان يضعوا في أفقهم ان الحل سيأتي مع الزمن بشرط عدم الهجرة او التهجير والتمسك دائما بإدارة شانهم بشكل افضل مما هم فيه الآن من انقسام يصب في مصلحة الإحتلال.
الدولة الواحدة هي:
أن يعيش كل من يسكن فلسطين كل فلسطين من كل الديانات والقوميات بحدود ما قبل ال٤٨ سويا في ارض فلسطين كما تنوع كل شعوب الدول الأخرى في نظام ديمقراطي في دولة واحدة.
مواطنو هذ الدولة التي دعا لها محمد دحلان متساوون في الحقوق والواجبات وامام القانون ودون تمييز عنصري او ديني او قومي ودستور متفق عليه من الجميع لا يجحف بحق أي جماعة ولا يميز بين أى مواطن وآخر ولا بين تنظيم وآخر وحل الاشكاليات والتحديات بطريقة ديمقراطية وبالتصويت الحر داخل برلمان الدولة الواحدة المنتخب من الجميع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت