- سري سمور
- كاتب ومدون فلسطيني
صادقت الهيئة العامة للكنيست، يوم الأربعاء الأول من آذار/مارس 2023، بالقراءة التمهيدية، على قانون يلزم المحاكم الإسرائيلية بفرض عقوبة الإعدام على أسرى فلسطينيين.
والمقصود هنا هم الأسرى الذين نفذوا عمليات مقاومة أدت إلى قتل إسرائيليين، وهو أمر لم يطبق منذ تأسيس هذا الكيان عام 1948.
إرث إنجليزي!
والمحاكم العسكرية الإسرائيلية -والتي يحاكم فيها المقاومون الفلسطينيون من الضفة وغزة- تستند في ديباجة أحكامها إلى قانون طوارئ فرضته سلطات الانتداب البريطاني عام 1945.
وكثير من الإجراءات القمعية الإسرائيلية -التي تمارس ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة- مأخوذة عن سياسات سلطات الانتداب البريطاني، التي امتازت بالقمع والتعسف والعقوبات الجماعية. فهدم بيوت المقاومين أخذته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الانتداب البريطاني، والاعتقال الإداري كذلك.
ولكن بخصوص عقوبة الإعدام امتنعت إسرائيل عن محاكاة الإنجليز بشأنها حتى الآن.
رفض وتخوف من القانون
هناك رفض واسع لتطبيق قانون إعدام الأسرى، والذي تقدم به عضو كنيست من حزب عوتسما يهوديت (قوة يهودية) والذي يرأسه في الحكومة الحالية وزير الأمن القومي المتطرف (إيتمار بن غفير).
فقد عارضت القانون غالي بهاراف ميارا، وهي المستشارة القضائية للحكومة، وكذلك ممثلون عن الشاباك (جهاز المخابرات الداخلي) نظرا لأن عقوبة الإعدام ليست رادعة، ويرون أنها ستمس بسمعة إسرائيل على الصعيد الدولي فيما يتعلق بحقوق الإنسان والقانون الدولي.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت تصريحات أدلى بها عضو الشاباك السابق عدي كارمي:
- عقوبة الإعدام لن تردع شخصا يريد تنفيذ عملية.
- عقوبة الإعدام ستتسبب فقط في مضاعفة العمليات.
- إقرار عقوبة الإعدام سيثير غضب الفلسطينيين وسنكون في مواجهة أناس سينضمون للمقاومة بدافع الانتقام (رغم أنهم) لم يفكروا يوما بالعمل المقاوم.
فلسطينيا، بالتأكيد هناك إدانة ورفض شعبي ورسمي وحقوقي لإقرار القانون، ولكن حتى الآن يميل المزاج الشعبي أنه لن يطبق فعليا.
حذر إسرائيلي من رمزية (سجن عكا)
كانت إسرائيل حريصة على عدم تكرار نموذج مشانق سجن عكا إبان الاحتلال البريطاني، حيث حفظت الأجيال الفلسطينية أسماء الثلاثة: فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير، رحمهم الله.
فقد خلدهم الشاعر الفلسطيني الشهير إبراهيم طوقان في (الثلاثاء الحمراء)، والمقصود هو يوم الثلاثاء 17-6-1930، وتم فيه شنق الثلاثة في سجن عكا بسبب دورهم في ثورة البراق التي اندلعت عام 1929، ومما جاء في القصيدة: الساعة الأولى لفؤاد حجازي وتقول:
أنا ساعة النفس الأبية الفضل لي بالأسبقية .. أنا بكر ساعات ثلاث كلها رمز الحمية
بنت القضية إن لي أثرا جليا في القضية .. أثر السيوف المشرفية والرماح الزاغبية
أودعت في مهج الشبيبة نفحة الروح الوفية .. لا بد من يوم لهم يسقي العدا كأس المنية
قسما بروح (فؤاد) تصعد من جوانحه زكية .. تأتي السواء حفية فتحل جنتها العلية
ما نال مرتبة الخلود بغير تضحية رضية .. عاشت نفوس في سبيل بلادها ذهبت ضحية
الساعة الثانية لمحمد جمجوم وتقول:
أنا ساعة الرجل العتيد أنا ساعة البأس الشديد .. أنا ساعة الموت المشرف كل ذي فعل مجيد
بطلي يحطم قيده رمزا لتحطيم القيود .. زاحمت من قبلي لأسبقها إلى شرف الخلود
وقدحت في مهج الشباب شرارة العزم الوطيد .. هيهات يخدع بالوعود أو يخدر بالعهود
قسما بروح (محمد) تلقى الردى حلو الورود .. قسما بأمك عند موتك وهي تهتف بالنشيد
وترى العزاء عن ابنها في صيته الحسن البعيد .. ما نال من خدم البلاد أجل من أجر الشهيد
الساعة الثالثة لعطاء الزير وتقول:
أنا ساعة الرجل الصبور أنا ساعة القلب الكبير .. رمز الثبات إلى النهاية في الخطير من الأمور
بطلي أشد على لقاء الموت من صم الصخور .. جذلان يرتقب الردى فأعجب لموت في سرور
يلقى الإله مخضب الكفين في يوم النشور .. صبر الشباب على المصاب وديعتي ملء الصدور
أنذرت أعداء البلاد بشر يوم مستطير .. قسما بروحك يا (عطاء) وجنة الملك القدير
وصغارك الأشبال تبكي الليث بالدمع الغزير .. ما أنقذ الوطن المفدى غير صبار جسور
ولاحقا أبدعت فرقة العاشقين في الأداء الملحمي الشعبي الذي كان محفوظا عن ظهر قلب.
وأتذكر الدكتور عبد الستار قاسم رحمه الله، حين سأل طلبة وطالبات المدرج، في بعض محاضراته في جامعة النجاح، عن أغنية فرقة العاشقين التي تمجد الثلاثة، فتبين أن الجميع يعرفها:
وقد لا تجد كامل ولا حتى نصف الطلبة والطالبات في ذات المدرج يعرفون أمورا أخرى مهمة في تاريخ القضية.. وهذه دلالة على عظمة ورمزية الحدث في الوعي الفلسطيني العام.
سابقة سعيد بدارنة.. والماكياج
ولا شك أن الكيان الإسرائيلي بارع في وضع الماكياج على وجه احتلاله البغيض، ويظهر بأنه لا يعلق الناس على المشانق، وهو ما قاله بعض مسؤوليه (منهم رابين) عند الحكم على سعيد بدارنة بالإعدام.
وبدارنة من بلدة يعبد قرب جنين، كان شابا يبلغ 22 عاما حينما اعتقل عام 1994 وقضت المحكمة العسكرية الإسرائيلية بالحكم عليه بالإعدام، في سابقة هي الأولى من نوعها، وقد رفض سعيد الاستئناف على الحكم وأبدى لا مبالاة، وقد تم تغيير الحكم إلى السجن المؤبد مضافا لها 15 سنة، وقد أفرج عنه ضمن صفقة شاليط عام 2011.
فهاجس نموذج سجن عكا وتحول المشنوق على يد سلطة الاحتلال (بريطانية كانت أم إسرائيلية) إلى رمز ملهم وأيقونة ثورية وطنية خالدة ظل يؤرق إسرائيل، وحرصت على ألا تكرره.
بعكس ما كان أيام الانتداب، فقد كرر الإنجليز فعلتهم مع كثير من العرب وأبرزهم وأشهرهم الشيخ فرحان السعدي عام 1937 مع أنه كان رجلا ثمانينيا صائما في رمضان!
الاغتيال والتصفية والموت البطيء
ظلت إسرائيل تقتل دون محاكمة، سواء قتلا صامتا عبر عمليات الموساد، أو صاخبا بالتصفية والاغتيال المباشر العلني، وهو أمر ما زالت تفعله حتى اللحظة.
أما من لا تقتله وتعتقله من المقاومين الذين نفذوا عمليات قتل فيها جنود أو مستوطنون، فهي تستخدم القتل البطيء، وتحكم عليهم بأحكام لأعمار لا توجد في زماننا على اعتبار وجودها في زمن ماض، فما معنى الحكم على إنسان بالسجن 400 أو 500 أو 1000 سنة بالسجن؟
وهي بذلك تجعل الأسير يموت ببطء جراء الأمراض التي ستنهشه بحكم ظروف السجن وطول المكوث فيه، وما يتخلله من إجراءات كالعزل والعقوبات المختلفة، وتعتقد أنه لن يتحول إلى أيقونة ما دام في مقابر الأحياء، ومع الزمن سينساه الجمهور الفلسطيني عدا ذويه وأصدقائه المباشرين، ولكن لو تم الحكم عليه بالإعدام ونفذ الحكم فالعواقب وخيمة ليس أقلها ما نقلناه على لسان مسؤول الشاباك السابق!
على كل لا نستطيع الرهان على رجاحة عقل المؤسسة الصهيونية في هذه المرحلة، وبات كل شيء واردا ومتوقعا، ويبدو أن ثمة مسؤولين وأعضاء كنيست في إسرائيل لم يتعلموا من درس الثلاثاء الحمراء!
المصدر: الجزيرة نت
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت