- بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين ، الكاتب والاديب العربي الفلسطيني ، الاعلامي د . رضوان عبد الله
في يوم المراة العالمي ، والذي يتم الاحتفال به في مثل هذا اليوم من كل عام ، نقف امام ظاهرة جد متطورة و متقدمة على جميع النساء في دول الشعوب المتحضرة منها والنامية او حتى العالم الفقير جدا الا وهي ظاهرة المرأة الفلسطينية المناضلة التي تذكرنا بالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب (ام عمارة ) رضي الله عنها والتي كانت بمثابة الجدار الاخير المدافع عن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم يوم أحد .
لقد تجسدت تلك الظاهرة العظيمة ، ظاهرة شقائق الرجال بمضمونها الكامل و الشامل ، بكونها مثال للتطور الاستراتيجي على صعيد العمل الفلسطيني المقاوم، حيثُ أثبتت المرأة الفلسطينية أنها ليست أقل قدرة من الرجل على تكبيد الاحتلال الخسائر الباهظة ، وشكلت حالة غير مسبوقة على الصعيدين العالمي والتاريخي ، فلم يعرف لا العالم ولا التاريخ شعباً تمكنت فيه المرأة من لعب دور فاعل ومحوري في المقاومة وعمليات التحرر كما هو الشعب الفلسطيني. كما تعتبر هذه الظاهرة شعلة النور التي تُضيء ظلام هذه الأمة التي خاضت حروباً عديدة مع عصابات الاحتلال الصهيوني دون أن تتمكن من تحقيق ما حققته أقل النتائج التي جنتها الاستشهاديات اللواتي نفذن عمليات ضد الاحتلال.
و لمشاهدتنا المثل الاول وهو حين ظهرت صورة الإرهابي الصهيوني ايهود باراك وهو يقلب جثة الشهيدة دلال المغربي ويشدها من شعرها بعد ان عمل الارهابي المذكور بنفسه على خردقة جسدها بالرصاص ولم يخجل من شدها من شعرها أمام عدسات المصورين وهي شهيدة ميتة لا حراك فيها تماما مثلما حصل مع الطالبة الفلسطينية ايمان الهمص ابنة الخمسة عشر ربيعا التي استشهدت اثر تمزق جسدها الطاهر بأكثر من عشرين رصاصة صهيونية حاقدة من جنرال صهيوني متأثر بتعليمات أسياده الصهاينة القدامى و كما حصل مع ايمان حجو ابنة الاشهر القليلة و التي وئدت من قبل هيرودوتس العصر الحديث و زبانيته مع فارق بالسبب والمبررات التي اعتمدها جنرالات القتل و جنود العدو لارتكاب الانتهاكات بحق الشهيدات الثلاثة .
و هذه الاسماء يمكن ان نضيف اليها سجل من العشرات بل المئات من مثيلاتهن امثال شادية ابو غزالة و لينا النابلسي و رجاء ابو عماشة وصولا الى وفاء ادريس و هنادي جرادات و من قبلهن هدى خريبي و هدى شعلان و هدى زيدان ودلال المغربي اللواتي قدمن انفسهن قرابين على درب التضحية و الوفاء لفلسطين .
و لم يبق شبر واحد من أرض فلسطين لم يشهد بشاعة الاحتلال التي لم تترك طفلاً أو شيخاً أو امرأة إلا وجرعته مرارة الألم والحرمان، ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى حد سلب حق الحياة ، وفي خضم هذه المعاناة تأتي معاناة المرأة الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني ، حيث زاد عدد الشهيدات الفلسطينيات منذ اندلاع انتفاضة الأقصى لوحدها عن الـ 250 شهيدة ، فيما زاد عدد الاسيرات عن المئة اسيرة و معتقلة من بينهن حوالي 25 أمّ ، منهن من ولدن اولادهن او بناتهن في ظلمات السجن الدامس .
عبر التاريخ الفلسطيني الحديث الحافل بالمجازر والحروب تدفع المرأة الفلسطينية الثمن المباشر وغير المباشر دائما فهي الأكثر تأثرا بين فئات المجتمع الفلسطيني الثائر في الوطن المحتل و خارجه ، فهي الام و الابنة و الاخت و الزوجة لاي شهيد او اسير و معتقل او جريح او معوق ، وهي التي تسدد فاتورة تفاصيل الحرب وتأثيرها على الحياة اليومية من دموعها وعرقها وحياتها ، و معاناتها النفسية و الجسدية كدليل واضح على العطاء والفهم والنضج لتبني وتشيد أعظم صرح لتاريخ البشرية، وقد برهنت المرأة الفلسطينية للعالم أجمع أنها أنجبت وربت وعلمت على النضال ومقاومة الاحتلال الأخ والابن والزوج في وقت واحد ، فقد ناضلت بجانب الرجل في معركة التحرير وتخليص الوطن من الاحتلال ، لتقبع أسيرة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي ، كنتيجة مباشرة لمقاومة الاحتلال .
هذا و لم ينته دور المرأة الفلسطينية في معركة الصراع مع المحتل باعتقال اوائل المناضلات الفلسطينيات العظيمات امثال فاطمة برناوي وامية الاغا و وداد خلف و نعمة الحلو و نهلة البايض ولمعة مراد و أنعام حجازي و كثيرات غيرهن ممن امضوا زينة عمرهن في عتمة زنازين المحتل الغاصب، ولم ينته نضال شعبنا الفلسطيني بمحاولة ايقاف صوت تلك الفتيات المكافحات اللواتي قبعن في زنازين انفرادية او قضين على درب النضال بل لم ينته النضال حين فشلت المحاولة الاولى لتجسيد دولة فلسطينية على يد المرأة الفلسطينية التي قادت مجموعة دير ياسين على الساحل الفلسطيني لتحرير فلسطين من الشمال الى الجنوب ، عملية الشهيد كمال عدوان بقيادة الشهيدة دلال المغربي بعد ان امسكت زمام المبادرة لنهار كامل على طول الساحل الشمالي لفلسطين المحتلة ، انما تواصل بزخم و عزم لا يلين من قبل جناحي النضال الفلسطيني المرأة جنبا الى جنب مع الرجل .
و تشير إلاحصائيات إلى أنه ، اضافة الى عشرات النساء الفلسطينيات اللواتي قتلن و استشهدن نتيجة صراعنا مع العدو ، دخل المعتقل منذ بداية الاحتلال حتى الآن ما يزيد عن (عشرة آلاف) امرأة فلسطينية حيث شمل الاعتقال الفتيات الصغيرات وكبار السن منهن ، وكثيراً ما كان من بين المعتقلات أمهات قضين فترات طويلة في السجون مثل أميمة الآغا و وداد خلف ونهلة البايض وعائشة الكحلوت ... وغيرهن الكثيرات ممن تعرضن لحملات التنكيل والتعذيب أثناء الاعتقال . وتفيد شهادات عديدة للأسيرات أنهن تعرضن للضرب والضغط النفسي والتهديد بالاغتصاب، وشهدت اكبر حملة اعتقال للنساء الفلسطينيات الفترة ما بين عامي (1968 - 1976) وفي فترة الانتفاضة الأولى و الثانية .
و ما تجربة الاخوات المناضلات فاطمة برناوي و نعمة الحلو و أمية الآغا الا نماذج من عشرات التجارب النسوية الفلسطينية في سجون الاحتلال ، فما اجلّ الاخت فاطمة البرناوي حين تتفوه بكلمات عظيمات قليل من الرجال يمكن ان يشعر بها حين تتحدث عن سعادتها في السجن ، ففاطمة ، الصبية في ريعان شبابها و التي قررت أن تترك منزلا و موقعا و ربما منصبا كان يهيأ لها ألت على نفسها الا ان تتحمل ما يتحمله ابناء و بنات شعبنا من معاناة وتفرح بأفراحهم الصغيرة و تحزن لاحزانهم الكبيرة ، فهي تبدي ، و بشجاعة و جرأة كاملين سعادتها حين سجنت بسبب نضالها ضد المحتل لارضها السليبة :" في آذار 1969م أتت أول مجموعة من الفدائيات الى السجن وكنت اسعد واحدة منهن ، لماذا؟لان المرأة الفلسطينية ورغم الأحكام التي صدرت بحقي لم تعكس ردة فعل سلبية عندها ، بل بالعكس انطلقت وكسرت كل القيود لان النضال لا يقتصر على الرجل بل والمرأة على حد سواء..".
و الاتجاه الاخر ، و بسبب ما عانته الاسيرات من ارهاب بحقهن والمتعدد الجوانب ، كما بينته الاخت نعمة الحلو في ندوة لها امام المجلس التشريعي الفلسطيني اذ عددت وسائل ارهاب الاسيرات الفلسطينيات من اجل الضغط عليهن للاعتراف او العقاب ، حيث قالت :" ...اتكلم عن الممارسات الإسرائيلية في السجن، عن موضوع تعرية المرأة في السجن ، والتي تواجهها المرأة كثيراً في السجن، أيضاً هناك الوقوف على الرأس ، وهذا أيضاً كان صعب لأنها يجب أن تكون لابسة بنطال في هذه الحالة. وأساليب أخرى مثل ربط المرأة من شعرها في الشبابيك التي في الزنازين ، وكذلك كان صعباً كثيراً على الفتاة الفلسطينية أن تمارس عليها الضغوط وخصوصاً "الاغتصاب" ، اما الاعتراف أو الاغتصاب ، ولكن كانت المرأة الفلسطينية قوية. وكان في سجن غزة 70 سجينة في غرفة واحدة وكانت السجينات يقضين حاجتهن في نفس الغرفة ، وكان الاستحمام لكل سجينة مسموح به مرة في الأسبوع ...".
و تأتي تجربة الاخت امية الآغا ، و التي كان مجموع فترات اعتقالها حوالي 13 سنة كنموذج للمرأة ـ الام ـ الفلسطينية حيث كانت احدى مرات اعتقالها حاملا و ولدت خلال فترة اعتقالها ، فلخصت جزء من معاناتها بالسجن بما يلي :" بالنسبة لي لقد تم اعتقالي في شهر نيسان سنة 1993 نتيجة للانتفاضة الأولى والأحداث ، ولقد كنت حامل بشهرين وأخذت إلى سجن المجدل وبقيت هناك لمدة 3 أشهر. ولم أكن أعرف أنني حامل إلا بعد ما حدث مع آلام وذهبت إلى المستشفى وقالوا لي هناك أنني حامل... ومن ثم و بعد ذلك عندما ذهبت للولادة بالسجن كنت مقيدة الأيدي والأرجل ولقد اعترضت الدكتورة على ذلك وقالت كيف ذلك وهي في حالة وضع وبعد جدل كبير بين الدكتور وإدارة السجن تم فك أرجلي وربط يداي بالسرير . وهذا كله بالإضافة إلى المعاناة النفسية لي إلا انه لا يوجد أحد من أهلي معي وحتى أن إدارة السجن رفضت أن تبلغ حتى الصليب الحمر ليعلموهم بذلك. ولقد أنجبت طفلة وقد كانت الأخت نعمة الحلو في ذلك الوقت معي . ولقد كانوا يأخذوا مني طفلتي كلما حاولوا يمارسوا علينا أساليب القمع والتعذيب ، بقيت طفلتي معي سنتين وثم أخذها الصليب الحمر في 1995 إلى أهلي...".
ايضا فقد عانت المراة الفلسطينية من عدوان قوات الاحتلال خلال الانتفاضة الاولى بين عامي 87 و 93 اذ لم تكن تكتف بالتسبب لهن بالتثكل اوبالترمل ولا بالارهاب المتعمد باطلاق النار على المتظاهرات منهن او حتى داخل البيوت بل تم اعتقال من يستطيعوا اعتقالهن ضمن حملات الاعتقال العشوائية التي كانت ترتكب بحق الفلسطينيات بشتى الاعمار و في فترات عديدة من عمر الاحتلال الغاشم لفلسطين المحتلة حيث كانت تعمد الى تسميم خزانات المياه في مدارس الفتيات ، في ظاهرة خطيرة تنتهك خصوصية المرأة الفلسطينية حتى و قبل ان تصبح زوجة او تصير اما ، و قد حصل ذلك كثيرا من خلال وضع سوائل لمنع الحمل في تلك الخزانات ، حيث نقل العشرات من الطالبات الى المشافي و العيادات المحلية بوضع يصعب التكهن عما كانت تعاني منه المرأة الفلسطينية المناضلة من شتى انواع التعذيب و التهديد الجسدي و الضغط و القهر النفسيين .
المشهد النسائي الفلسطيني الكبير هو المثل الآخر الذي ينطبق على عموم نساء فلسطين اللواتي توزعن ما بين امهات اواخوات اوزوجات او بنات او اقارب شهداء ان لم يكنّ يتميزن بنفس الخصوصية للاسرى او للمعتقلين او للجرحى او للمعوقين اوتلك اللواتي اخذن ادوارهن النضالية منضويات تحت شرائح شعبنا المتنوعة من عاملات في شتى حقول العمل الحرفي او الفلاحي او العمالي او ان يكنّ اما طالبات اواخصائيات في مجالات الطب او الهندسة او المحاماة او التدريس او الفن او المهن و الحرف الاخرى .... وصولا الى مراكز السياسة بمراتبها العليا من وزيرات و نواب ( ليست نائبات ) ، الى ان تتوج المرأة بأعلى مراتبها و ذلك حين تتوج على عرش التحرير لتصبح " ملكات للتحرير" كما وصف العلامة السيد محمد حسين فضل الله الاستشهاديات في احدى الندوات التي اقامها الاتحاد العام للمهندسين الفلسطينيين في مقر نقابة المهندسين اللبنانيين في بيروت منذ عدة سنوات ، و هذا مغاير تماما للمنهج المنقوص الذي تقوم بتطويره نسوة العالم ، فبينما يتحرك العالم ويتطور وينتج في كل يوم منهجاً جديداً للتربية و للتعليم، للطفولة، لحقوق الإنسان ولا تزال دول عديدة تفكر في آخر صرعات الموضة وفي آخر مساحيق التجميل وتفكر هنا وهناك كيف تنتج ملكات الجمال ، الا ان المرأة الفلسطينية كانت و لا زالت تبرع في ابداعاتها كي تتصدر أنتاجات ملكات جمال من نوع جديد ، الا و هي ملكات التحرير ، فالمرأة الفلسطينية التي لم يكن من اولى اهتماماتها ان تتعرف جيدا الى مساحيق التجميل وليس من اولوياتها ان تتعرف الى آخر صرعات الموضة ابدعت في انتاج الحس الوطني و العمل الثوري فأنتجت ملكات جمال التحرير ، وعشرات من الاستشهاديات ، الخنساوات العربية ، و هنا لا نستغرب ما شعرت به ملكة السويد حين ظنت مخطئة ان المرأة الفلسطينية تبعث بأبنائها الى الموت و هذا ما جعلنا ندرك تمام الادراك بأن ملكة السويد ، التي لا يهتم مجتمعها الغربي الا بالمرأة ذات الجسد الجميل الفتان المقولب للاعلانات الرخيصة و لمزارع النخاسة في بيوت الليل الدامسة رغم الانوار التي لا تنقطع عن مملكتها ، تكاد تكون بعيدة كل البعد عن عواطف و أحاسيس المرأة الفلسطينية و عن مشاعرها تجاه الوطن اذ لم تتشرف تلك الملكة ان تجد نفسها في موقع يخولها ان تكون اما لشهيد تزغرد له عند عودته مفديا بروحه ازاهير الوطن ، فلم تتوج تلك الملكة الا بقرار ملكي (اداري ـ بروتوكولي) خالٍ من أي انغماس او تشرب من ينابيع نهر التضحية الخالد المتجذر بالثوار .
و دعت المرأة الفلسطينية ، التي ساهمت الى حد كبير في تفجر الثورة الفلسطينية بعد نكبة عام 1948 ، الى ان ننتج ملكات جمال تغيير المجتمع إلى الأفضل حيث توزعن الى ملكات جمال التحرير، التحرير من التخلف ، التحرير من الجهل ، التحرير من الاحتلال ، التحرير من كل ما يثقل الإنسان من عواطف تهزه و تجعله مصدر بكاء و نواح ، فدعتنا ان تعالوا حتى نعيش معنى أن نكون إنساناً ، و هذا ما لمسناه في وصية الشهيدة دارين ابو عيشة اذ قالت :" ...إن دور المرأة الفلسطينية لم يعد مقتصراً على بكاء الزوج والأخ والأب ، بل أننا سنتحول بأجسادنا إلى قنابل بشرية تنتشر هنا وهناك ، لتدمر وهم الأمن للشعب (الإسرائيلي)، وفي الختام أتوجه إلى كل مسلم ومناضل عشق الحرية والشهادة أن يبقى على هذا الدرب المشرف، درب الشهادة والحرية."...
تلك الملكات لم تكن من الاميات او من فئات غير متعلمة ولا جاهلة بل غالبهن كن ممن انهين مرحلة ثانوية على الاقل عدا عن ان الكثيرات كن خريجات جامعيات ، وهذا ذروة العمل الكفاحي النسائي على المستوى الوطني الفلسطيني في جميع جوانبه ، الذي شكل مدخلا لتطوير العلاقة الإيجابية مع المرأة ، الزوجة ، والأخت والأم و الابنة ، بما يوفر سبل التوحد الوطني والاجتماعي لمقاومة العدوانية الصهيونية الهمجية ضد شعبنا في نضاله المتواصل ، و هذا ما ظهر جليا بمراحل الثورة الفلسطينية الممتدة منذ العام 1950 حتى يومنا هذا مرورا بانتفاضات الارض عام 1976 و الكبرى عام 1987 و النفق عام 1996 و الاقصى المتواصلة منذ عام 2000 .
واستطاعت المراة الفلسطينية ان تحافظ عل دورها في المجتمع الفلسطيني المنكوب ، في الشتات و تحت الاحتلال ، و لم تتخلّ عن دورها الاسري و لا عن ريحانتها كزوجة ولا عن حنيتها كأم او عن كلالتها كأخت بل انها تحدت العالم بأسره حين ربت اجيالا مناضلة ذات أصول متجذرة و فروع باسقة ، و على مر عقود ستة أو يزيد بقيت تبث روح التضحية والوفاء بين ابناء العائلة الكبرى فلسطين ، و لم تكل يديها و لم تلِن و هي تزرع شتلات الزيتون بين جذوع الصبار و ذلك من منطلق ايمانها بأن لحظات السلام التي ستغمر وطننا المحرر لا بد آتية ، و هذا ما جعلها أيضا منبع الغذاء للزهرات الفلسطينية التي تفتحت على روابي فلسطين المباركة و جعلها مصدر اعتزاز و تقدير من الهيئات الرسمية و من مؤسسات المجتمع المحلي الفلسطينية و العربية ، و ما الاخوات اللواتي كن ممن اخذن على عاتقهن النهوض بالثورة الفلسطينية الى الامام في احلك الظروف و امرّ المراحل امثال انتصار الوزير و المرحومة جميلة صيدم و سلوى ابو خضرا و ليلى خالد و المرحومة سميحة الخليل الا نماذج يعتز بها شعبنا ايما اعتزاز لمستوى نضالي متميز وصلت اليه المرأة الفلسطينية .
طبعا هذا لا يجعلنا ننسى المبدعات الفلسطينيات على المستويين الادبي و العلمي أمثال فدوى طوقان التي خاطبت رجال فلسطين بقولها :" على طُرقُاتكم أمضي ، وأزرع مثلكم قدميَّ في وطني ، وفي أرضي وأزرع مثلكم عينيَّ في درب السَّنى والشمسْ ". و سميرة عزام و اقبال بركة و لينا بدر و غيرهن العشرات بل المئات ممن لم يكن همهن البحث عن الشهرة ولا عن الوصول الى الكراسي او التربع على منابر الكذب والدجل والتملق والتسلق لنيل الالقاب الرنانة الفضفاضة ، بل كن شعلات مضيئات في اكثر من مكان و في غير زمان .
لا نستطيع ان نوفي المرأة الفلسطينية حقها ولا بعشرات المئات من المقالات او الدراسات و لا بعشرات من الشعارات التي غالت في مديحها و حاولت انصافها في المجتمع و اعلاء مكانتها ...فهي تتميز عن مثيلاتها من النساء على وجه الارض قاطبة بأنها هي ذاتها الارض الطيبة لكل زهرة متفتحة ، فاذا نظرنا اليها من ناحية علو الهمة النضالية الرفيعة المستوى فهي التي تدافع عن وطنها ارضا و شعبا و مقدسات مجتمعين. فما اعظم نضال نسوة فلسطين ، فتلك التي انتظرت ابنها و عاد مستشهدا و تلك التي حملته في بطنها جنينا وحملته في حضنها وليدا و على راسها شهيدا...وتلك التي دعت لشهيدها ، فلذة كبدها..... الله يرضى عليك يمَّا في جنة الخلد يمَّا.. دمك مهرٌ لفلسطين يمَّا. والاخرى التي ودعت ابنها و هو عريس تاركا عروس تسير خلفه وتنادي بالثأر لدمه لتعود فلسطين... وغيرها ممن تودع قطعة من كبدها تمشي على الأرض : نحن اولادنا فداء لفلسطين ولترابها الطاهر ولمقدساتها. و اخرى هنالك تزغرد للوطن : وكل الشباب اولادك ، و نحن جميعا نساءً ورجالا وبنات وأطفالا فداء للوطن.. للأرض ، للمقدسات .
تلك هي فلسطين الام الجريحة، و الاخت الاسيرة ، و الابنة التي تمنعها اعاقتها من الذهاب الى المدرسة لعدم قدرتها على شراء كرسي متحرك او عكاز ...يا نسوة فلسطين...نقف لنحييكن فليس باستطاعتنا ابدا ان نكافئكن ، و ليس بايدينا ان نقدر عطاءكن . نقف عاجزين ، بمجتمعنا الذكوري ، أمام تضحياتكن . نقف وقفة إجلالٍ وإكبارٍ لك..أنت ايتها الأم المناضلة ، والاخت المكافحة، والابنة المجاهدة ، والزوجة الفاضلة المرابطة في بيت المقدس و اكناف بيت المقدس ، و التي لم تكن يوما نائحة ....بل كانت ولا زالت " الفدائية التي تخيط بدلة الفدائي " لتحرير فلسطين كما قالها في جملة ماثوراته الخالدة الرئيس الشهيد ياسر عرفات رحمه الله .
وانت ايتها الشهيدة المحتسبة مع ام عمارة و مع صفية بنت عبد المطلب ، و مع اسماء بنت ابي بكر و خولة بنت الازور و رفيدة طبيبة رسول الله والخنساء رضي الله عنهن جميعا ، وانت ايتها الاخت الجريحة او الاسيرة التي لا بد ان يسمع معتصم عربيّ أبيّ مناداتك ملبيا بجيش يمتد من مضيق جبل طارق في المغرب العربي الى اكناف بيت المقدس ، انت يا زهرة الاقحوان التي أنارت طريق الحرية و اضاءت بدمائها الطاهرة درب النصر ، انت يا رسالة لم يحملها البريد بل حملتك نسائم الفجر الذي لا بد ان يطلع و معه بشائر التحرير ، كما ارادتك فتيات فلسطين انفسهن قبل ان يرد ذلك شباب و رجال فلسطين ، فهل تستحق المرأة الفلسطينية المناضلة منا الا كل احترام و تقدير وتبجيل ؟ اما اولئك الاربعمائة مليون عربي المتفرجين في غالبيتهم والذين يعتبر الكثير منهم المرأة " رياحين خلقن لهم ليشتهوا فقط شم الرياحين " فنقول لهم " ما كانت الحسناء لترفع سترها لو كان في هذي الجموع رجالا " ، و نرجو ان نكون مخطئين ....!!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت