رضوانيات الحلقة ال88 .... اما بعد .........فكيف حال المخيم....اااات؟؟؟!!

بقلم: رضوان عبد الله

رضوان عبد الله.jpg
  • بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين ، الكاتب والاديب العربي الفلسطيني ، الاعلامي د . رضوان عبد الله

        في لبنان تحديداً ، عندما نكتب عن المخيم ماذا يمكن ان نكتب ؟ عن التربية المتردية اوضاعها ولاسباب باتت بمتناول جميع العارفين ، ام نكتب عن الصحة المتعلعلة و بمعرفة الطبيب وغير الطبيب من الناس اجمعين ؟؟ ام نكتب عن الاعاقات التي بات كل من يريد ان يبكي علينا يقولون له عندنا في لبنان ما يربو عن الـ 5000 معوق او من ذوي الاحتباجات الخاصة او ذوي الهمة ، سمّهم ما شئت ان تسمّهم لكن ممنوع المتاجرة بهم ، هم موجودين في تجمعات و مخيمات بائسة فقيرة و نريد برامج تطوير و دمج و توعية و .... للدمج حكاية اخرى ... بالنهاية تكون الاموال هي المرمى و الهدف الاسمى ،  تجارة المؤسسات باتت تقوم على شرائح تنتقى من فئات شعبنا ولا من يطور ولا من يحزنون ، فالمعوق على قارعة الطريق لا معين له و لا صديق ، والطالب بالمدرسة يصبح أميا بعد ان يتركها بسنة حتى لو كان قد وصل الى صف التاسع بها ، لانه لا يعرف فن القراءة لا بالانكليزية ولا حتى بالعربية ، اما المريض فانه يموت على باب مستشفى لانه لا يملك حتى صوتا يعرّف عنه انه مريضا.

    اما الاحصاءات التي تتراوح سياسيا و اجتماعيا وباتت تراوح مكانها و لأمور لا علاقة لها بعدد ابناء المخيم بالقدر الذي بات فيه الامر واضحا يتعلق بالتوطين و فزاعته و بالتجنيس و مراوغته مع فارق بين الاثنين الاول لانه يعني وطنا بديلا اما الثاني فانه يعني مواطنا رديفا يخدم الانتخابات كلها من الاختيارية الى الرئاسة بتشعباتها .

   عندما نكتب عن المخيم ماذا يمكن ان نكتب ؟؟ عن الفصائل والتي تحضن لبعضها مؤسسات رديفة ام نتحدث عن القبائل التي هي امّ تحنّ الى خبز الفصائل وتخبزه لها ، او ترانا يجب ان نتناول عمل (الفتايل) التي يلفها اصحاب الورق الابيض المتوسط الحجم و بتنا نمتلك منظومة صاروخية و اوركسترا متطورة جدا يجعلنا نغني وبكل جرأة لم نعهد مثلها من قبل لنقول ( اصبح عندي الان صاروخا ) بدل ما كنا نغني اصبح عندي الان بندقية ....!!!

   فما الفرق بين ان امتلك صاروخا عن انني امتلك بندقية ؟؟ الفرق واضح فان البندقية هي رمز للتحرير و شعار للعزة و الدفاع عن الكرامة كما قال شاعرنا يومها من اجل فلسطين وتحرير فلسطين ( الى فلسطين خذوني معكم ) ، لانني ( عشرون عاما او حتى خمس و سبعون وانا ابحث عن ارض و عن هوية ) ، كما اكمل الشاعر وغنتها المطربة عينها ... ايام زمان ، وكانت البندقية تشرى مهما كان ثمنها ، ان لم يكن هناك ممول او متبرع او داعم . اما الان فان الصاروخ اشتريه بعد ان يتم التبرع بحشوة منه كنموذج لي ولمرة واحدة فقط ، و لكنني ساضطر ان اشتريه دوما رغم انه يدمرني ، وسأشتريه رغم علمي بانه يدمرني !!

   انه صاروخ النرجيلة ، وما ادراك ما النرجيلة وقد بتنا نراها في المنزل موضع اهتمام كل الاهل و قبل الخبز و قبل الاكل احيانا حتى لو كان صائمين . هذه النرجيلة ربما تكون مراقبة في المنازل و لكنها على قارعة الطرقات لا نعلم ماذا اُلبِسَ على طربوشها المعسل او الملبس او المزهزه او .... حتى بات احد الاصدقاء يقول ان فلانا في المخيم الفلاني يبيع ورق السيجار الابيض اكثر من اي زمن مضى ( ولم يعد يلحّق بيع ) من كثرة الطلب على تلك الدفاتر الورقية التي يلفون بها صواريخ التحشيش كي ينسوا الهمّ و يغفلوا عن الغم ، و باتت الاغنية الشهيرة اصبح عندي الان صاروخا اشهر من اي اغنية يتغنى بها اهل المشرق و المغرب . ذلك الصاروخ الذي يذهب بعقولنا الى ما فوق النجوم ، وفي عباب الفضاء ، و نحن قاعدون هنا على باب الزاروب الضيق او تحت سقف الزنكو المرقّع بقطع من النيلون الذي استحوذنا عليه مجانا من خيم البلاستيك منّة من مزارع كريم او من مواطن حنون ،  كما نرى تلك العروس الممشوقة القوام تباع على مداخل الاسواق بانواع احجام واطوال من متعددة والالوان المزهوة و الموديلات المتغنجة وبصناعات عربية و اجنبية .

   اذن ، بعد اكثر من خمس و سبعين عاما اصبح لدينا صاروخا نتغنى به و يأخذنا الى ابعد بكثير من فلسطين فباتت فلسطين قاب نفسيّ نرجيلة اوادنى ، كل ذلك بفضل الصاروخ و نعمة من تلك التكنولوجيا الهوائية التي تذهب بعقولنا و نفوسنا و تريحنا حتى من هم الحفاظ على حياتنا و فلوسنا ، ان كان معنا فلوس ، بعد عدة صواريخ ترتفع اسعارها حسب انواعها و حسب اطوالها و حسب احجام حشواتها .  

    عوتبت كثيرا ، وتنمقت لي كل انواع المنافقين حتّى بت اشعر بأنني اتعاطى المعيشة مع لفيف من المنافقين الموجودين هنا وهناك وهنالك ، وتمنيت ان اكون في زمن لا اعرف به احدا ، و بات كثير من همي ان انقي القمح من الزوان ، و قيل لي من أحد الأصدقاء خفّف وقيل لي من غيره خفّ عن التلميح لا فلان او فلانة تحت ابطهم مسلات و مسلات ، وقلّل من الضرب على السجّاد فالغبائر تعمي قلوبنا قبل عيوننا ، اترك الخلق للخالق و دع ما لله لله و ما لقيصر لقيصر ، فالدين لله والوطن للجميع ، والكون الخربان لا يصلحه أنبياء الدنيا كلها ، وقيل لي الكثير الكثير ليس لأني مدّعي ولا يمكن ان اصلح كونا لوحدي بل كنت اجرّب قليلا من الاصلاح ولكن كيف و بتّ أحسب نفسي بكل خطوة سأكون فيها غلطانا ، وكما قال احد الشعراء ( فما بالك ان كنت تبني و هم يهدمون ) ؟؟ لماذا ؟؟؟

   هل تعلمون لماذا ؟؟؟ لان المخيم بالاصل هو كيان سياسي مصغر و لجانه الوطنية بمجملها ، شعبية كانت او دينية و حتى تربوية او اجتماعية هي جزء من ذلك المكنون الذي يضم بين جدرانه المائلة ، و التي بكثير منها آيلا الى السقوط ، يضم الفقر والهم الحياتي والانساني والاغاثي لكل لاجيء القى مع بداية النكبة برحاله هربا من فقدان الامن حتى بات الامن كلّ همّه و مجمل طلبه ، فمن يعيد له الأمن الآن ؟؟ لا أعني بالامن هو السلامة من الحرب فقط ، إنما الامن هو كل شيء يسلم فيه اللاجئ ( الامن المعيشي ، الحياتي ، الاجتماعي ، السياسي ، الحقوقي ، الوظيفي الخ ) أي بمعنى الامن من الحرب و من الجوع و الفقر ، اما الجوع و الفقر فمقدور عليهما إن تأمَّن للاجيء فرصة العمل مهما كان علمه متدنيا او معرفته وسطى او حتى قليلة ، وليس الفقر عيب ، اما الامن من الحرب فهو متنوع لانها ربما تكون حربا اقتصادية او حربا اجتماعية او حربا سياسية او حربا متعددة الجوانب تغدو باللاجئ بحال و تصبح به حال اخرى ....لا يعلم مداها الا الله .

  من يطالب بحل مشكلة اللاجئ المتربع على حدود بيته مجرور مياه آسن لا حول له ولا قوة لا برحيل من جنب جارٍ مزعجٍ و لا قدرة له ان يغطي جاره و يستر عيبه و يزيل عنه رائحة و منظر بشعَيْن ؟؟. من يرمم منزل لاجئ يسقط طوبة طوبة فوق رأس عياله في مخيم او تجمع ؟؟؟ من يسعف لاجئ تعرض لصعقة كهرو- مائية لاختلاط المواسير بالمجارير و الاسلاك الكهربائية ؟؟؟ من ينقذ لاجئ اضطرته السنون ان يعيش على طرف المخيم او التجمع الذي تحيط به بساتين مليئة بما كثر و فاق من حشرات و قوارض و افاعي ، اذا ما تعرض لعضة افعى او لدغة عقرب؟؟؟ من و من و من ؟؟؟؟ من للاّجئ المتيَّم بحب وطنه يدله على الطريق الصحيح الى فلسطين ، يعلمه كيف يصطاد السمك ، او على الاقل كيف يستعمل الصنارة ؟؟؟ من لذلك اللاجئ المتيّم الى ان يتحوّل من متسول الى إنسان بكل معنى الكلمة له حق وعليه واجبات ؟؟؟ لقد حولونا الى لا مبالين بما يمكن ان يصيبنا من مصير محتوم و محسوم عليه بالعتمة و الظلام ، وبتنا متسولين على ابواب مؤسسات تحنّ علينا بفتات من الدراهم او الدولارات وبتنا كالايتام على مآدب اللئام بعد ان كنا لاجئين بل وكنا مناضلين .

     هل هذه هي مخيمات اللجوء و الشتات ؟؟؟ هل هي هذا الفتات ؟؟؟ هل هوذا الرقم الصعب ؟؟ ولا نستطيع ان ننسى ان مخيماتنا اكتظت اكثر بوجود مهجرين جدد من اهلنا من اللاجئين والذين كانوا موجودين في سوريا وهنا الطامة الكبرى حيث زادت المعاناة معاناة و زادت الهواجس من المخاوف السابقة الجمة ، وزادت النكبة نكبات .....!

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت