بين سوريا وقطر والعودة إلى الجامعة العربية

بقلم: طه خالد منصور

  • بقلم: طه خالد منصور

نعيش اليوم حالة استثنائية من إعادة تموضع للعلاقات بين الدول في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية ككل، والتي تشهد نشاطاً دبلوماسياً عالي التنسيق لم نعهد له نظير منذ عام 2011، والغاية واحدة وهي إعادة لملمة الشتات العربي بإعادة دمشق إلى الحضن العربي أملا في أن تعود قاطرة الدول العربية المشترك، كما كانت عليه سابقا.

ويمكن قراءة وفهم مجريات هذا التحول المهم في استراتيجيات العلاقات وإنهاء الخلافات في منطقة الشرق الأوسط في تراجع الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي، بعد قطيعة ومعركة اقتصادية وسياسية وإعلامية لم تجن من خلالها هذه الدول سوى المشاكل والخسائر، رأت بعدها هذه الدول أن المصالحة هي الحل الوحيد نحو منطقة آمنة وخالية من الخلافات، وهو ما يوضح التوجه نحو تقديم تصورات مهمة في اتجاهات عديدة منها المصالحة السعودية الإيرانية و محاولة إنهاء الأزمة السورية بعد سنوات طويلة من العزلة.

وتماشيا مع الأحداث والخطوات المتسارعة باتت عودة سوريا تحت جناح بشار الأسد أكثر ما يتصدر عناوين الأخبار ومانشيتات الصحف، والتطورات الخاصة بالملف السوري أصبحت الشغل الشاغل لمعظم متتبعي المشهد السياسي العربي، وما بين تحركات أكدتها السعودية رسميا، وأخرى ترجمتها دولة الإمارات لأكثر من مرة، وما بينهما من "مبادرة أردنية" وزيارة مصرية تطلق تساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه التحركات ستنجح أخيرا في تحقيق هدفها أم أنها ستفشل بالنظر إلى صعوبة المهمة.

الجهود العربية لإعادة سوريا لم تكن وليدة اللحظة، فالمحاولات السعودية –الاماراتية الجزائرية بدأت منذ سنة 2021، وتتم مناقشتها مع الدول الرافضة للتطبيع، والتي يبدو أنها تزحزحت عن مواقفها الرافضة، و يمكن النظر لمسار المصالحة منذ عامين تقريباً بشكل أوضخ خلال الفترة الأخيرة حيث تزايدت التحركات لاستكمال مبادرة المصالحة.

ومن منطلق أن الرياض تسعى لبرمجة عودة سوريا في أقرب وقت وذلك خلال في القمة العربية التي ترعاها، الا أن المهمة لن تكون بتلك البساطة، فلا تزال التكهنات تثار بشأن الموقف الخاص بقطر، وعما إذا كانت ستنضم إلى الركب العربي أم أنها ستغرد خارج السرب، خاصة أن الموقف القطري الداعم للشعب السوري ظل ثابتا طيلة هذه السنوات والعودة السورية لن تكون بالمجان، بل هي مرهونة بشروط، وهو ما ترجم في تصريح لرئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلة تلفزيونية والذي قال فيه إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية "مجرد تكهنات"، مشددا على أن "أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة" بالنسبة للدوحة.

الموقف القطري وإن بدا أكثر حزما إلا أن أكثر واقعية، فمنذ طرد سوريا من الجامعة العربية لم يتغير شيء ولم يقدم نظام بشار الأسد إي تنازلات أو حتى مبادرات للخروج من قوقعة العزلة وتصحيح أخطاء الماضي، فحتى اللحظة لا تزال شحنات المخدرات من الكابتاغون القادمة من سوريا والتي تفتك بالخليج تتوارد بين الفترة والأخرى، وهي إحدى أهم المشاكل العالقة؛ بالإضافة إلى مشاكل اللاجئين وعودتهم لسوريا وموضوع المعتقلين المعارضين للنظام السوري، ناهيك عن الارتباط الوثيق لنظام الأسد بإيران والتي تحاول التغلغل في المنطقة، وكلها قضايا تحتاج إلى طاولة حوار ومناقشة فعلية ووضع حلول جذرية قبل الحديث عن عودة سوريا للساحة العربية.

وتوافقا مع هذا يمكن القول أن قطر لا تعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بل ترفض العودة المجانية دون الخوض في الأسباب الحقيقية التي أدت إلى عزلها من الأساس، وعليه فإن محاولة السعودية لتليين مواقف قطر يرتبط بالأساس بما سيقدمه النظام السوري والمطالب المرجو تحقيقها، والتي يبدو أن السعودية قد سلمتها للنظام السوري، فالكرة الآن في ملعب النظام السوري، والمطلوب هنا أن يقدم الأسد مبادرات وأن يكون صادقا في حل الملف السوري إذا أراد فعلا إرجاع سوريا لسابق عهدها، فقد تسمح عودة سوريا للجامعة بالضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن بشار الأسد، وبالتالي تحسين تموضعها الإقليمي وربما قد يؤدي إلى المساعدة في إعادة إعمار البلاد المنهكة جراء الحرب والقصف والزلزال الأخير.

وبغض النظر عن الموقف القطري فهناك تحفظ في الموقف المصري والكويتي واليمني والمغربي، وكلها تتعلق بأسباب المذكورة سابقا، ما يرجح أن مهمة إرجاع سوريا إلى الحضن العربي لا تزال بعيدة نوعا ما في الوقت الحالي، وتحقيقها يتطلب المزيد من المشاورات والمناقشات التي تشترك فيها جميع الدول العربية دون استثناء وتتطلب مبادرات جدية من الجانب السوري ينهي من خلالها جميع المشاكل العالقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت