- علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب
ثلاثية التهجير من حيفا 22.4.1948 ( السيرة الذاتية ) اكريلك على قماش 160/110 (القياس للإطار الواحد). ثلاثية من اللوحات الإبداعية، التي صنعها وأبدَعَ فيها فنان الداخل الفلسطيني عبد عابدي، الفنان التشكيلي الأول في الداخل، الباقي على أرضها، وتحت سمائها، وعلى هدير بحرها.
الثلاثية، تروي سيرة ذاتية للفنان ولعائلة الفنان، التي غادرت حيفا في الثاني والعشرين من نيسان/ابريل 1948، لكن رصيدها الذهبي الأساسي الوالد قاسم ديب عابدي، بقي على أرض حيفا رافضاً المغادرة، حتى لو كان ثمن بقاءه الموت الزؤام.
في الثلاثية مشهد العائلة المنكوبة، كما غالبية شعب فلسطين. عائلة منكوبة تسيطر على وجوه شخوصها، خاصة من النسوة، ارتسامات البراءة، والحيرة، وضعف الحيلة، حيث سقطت المدينة بيد رجال العصابات الصهيونية، وبمعونة تامة واشراف من قوات الإنتداب البريطاني، التي كانت قد أعدّت الأمور باتجاه تسليم المساحة الكبرى من فلسطين التاريخية لكيان الإحتلال، وعلى طبقٍ من ذهب، مخالفة بذلك حتى القانون الدولي الذي منحها الإشراف على فلسطين، عبر عصبة الأمم وفق ماعُرِفَ بــــ "صك الإنتداب على فلسطين" عام 1921، بما يعني حماية ورعاية ابناءها.
في اللوحة الثانية من ثلاثية السيرة الذاتية، مشهد الخروج عبر البحر على متن السفن المتهالكة لجموع لاجئي فلسطين، حيث العائلة، والطفل عبد عابدي برعاية والدته، والذي سيصبح اسماً مرموقاً في الداخل الفلسطيني، وشقيقه ديب عابدي، وشقيقاته. وفي الصورة جدته فاطمة القلعاوي، التي تلبس لباس النسوة (الملاية وغطاء الرأس)..
اللوحتين الأولى والثانية، تفصحان عن عملية اللجوء باتجاه مدن لبنان، وصولاً الى اللاذقية، عدا عن الخروج من حيفا عبر المسارب البرية لمناطق مختلفة من الضفة الغربية والى سورية ولبنان. وفي هذا نقرأ، نعم نقرأ، نقرأ من اللوحة مشهد عائلة عبد عابدي التي ارتحلت في هجرة مؤقتة جداً عبر البحر، الى عكا، ومن ثم بيروت (تجمع لاجئي فلسطين في الكرنتينا والدكوانة بداية اللجوء الى لبنان)، وبعد ذلك الى مخيم (المية ومية) قرب مدينة صيدا، وانتقالاً لحي الشاغور الدمشقي.
في اللوحة الثالثة من السيرة الذاتية، عبر ابداع القلم والريشة، نرى الوالد قاسم ديب عابدي، ينظر للمغادرين من الميناء في رحلة المأساة الفلسطينية بعينين دامعتين، مغادرة اهله واقاربه ورفاق عمره، لكنه يُصّر ويعمل على إعادة عائلته كاملة الى حيفا وهو ما كان عام 1950، تاركين خلفهم شقيقتهم الكبرى وزوجها الحجة ام العبد التي لم يستطيعوا اعادتها الى حيفا... الحجة ام العبد التي عاشت عمرها المديد صابرة ومحتسبة، تحملت أعباء النكبة عندما حملت اطفالها من حيفا وعاشت ظروف اللجوء والتعتير والمأسي التي حلّت بشعبها، وأخرها مأساة ومحنة مخيم اليرموك حيث سقط في محنته الأخيرة خلال السنوات العشر نحو خمسة آلاف شهيد....
حقاً، سيرة ذاتية، تغني عن كتابة وتدوين أسطر طويلة من صفحات النكبة، التي اختصرها الفنان عبد عابدي بقلمه وريشته، بلوحاته الإبداعية، واستخدامه وتوظيفه للألوان، وابداعه في مهاراته.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت