هل يعي قيس أن تونس في ورطة؟

بقلم: فاضل المناصفة

فاضل المناصفة.jpg
  • فاضل المناصفة

لم تكن قراءة موقع “المونيتور” الأمريكي عن الوضع السياسي في تونس خاطئة عندما اعتبر أن البلاد تتجه الى الإفلاس بينما يتفرغ قيس سعيد لشتم خصومه وما هي الا أيام من نشر المقال حتى خرج حاكم قرطاج معلنا " حرب التحرير الوطني " التي دشنها باعتقال راشد الغنوشي زعيم حركة الاخوان في تونس واغلاق جميع مقرات الحركة، المشكلة الحقيقية ليست في قرارات الرئيس ولكنها في توقيت قراراته المتأخرة وانشغاله بالوضع السياسي على حساب الوضع الاقتصادي الذي ينذر بما لا يحمد عقباه.

قدم الربيع العربي خدمة جليلة للإخوان في تونس بأن منحهم السلطة على طبق من ذهب، في وقت كانت المؤشرات الاقتصادية للبلاد تسمح باستدراك الوضع وتطبيق النموذج التركي في البلاد، ولكنهم اختاروا المضي في مشروع " أخونة دواليب الحكم " على حساب مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي ناشده التونسيون منذ سقوط بن علي، ومع مرور السنوات تحولت مشاكل تونس الاقتصادية الى كرة ثلج في منحدر وضع حال البلاد على كف عفريت الى أن أتى اليوم الذي سمع فيه التونسيون مصطلح " افلاس الدولة " لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية، وليكون في كلامنا شيئ من الانصاف فانه من المجحف اعتبار قيس سعيد مسؤولا مباشرا على الوضع الذي آلت له البلاد ولكن هذا الرجل افتقد الحنكة السياسية منذ البداية وأجل المعركة مع الاخوان التي كان من المفترض أن يباشرها منذ اليوم الأول من توليه الحكم ليجد نفسه أمام معضلة سياسية واقتصادية في آن واحد .

قيس سعيد الذي وصل الى السلطة من دون مشروع اقتصادي ولا خارطة طريق إصلاحية ولا حلفاء أقوياء من الخارج أقحم نفسه في معارك سياسية أكلت من رصيده الشعبي وحملت تونس تبعات اقتصادية خطيرة خاصة وأن عجلة التنمية في هذه البلاد الصغيرة توقفت تماما عن العمل منذ أن سقطت البلاد في فخ الربيع العربي، هذا التوقف جعل بريق الإنجازات الديمقراطية تختفي بل أصبحت هذه الديمقراطية وبالا على التونسيين لأنها لم تجلب سوى المزيد من الفوضى والعبث والفقر والا أمن، الى درجة جعلت التونسيين يتحسرون على أيام الدولة البوليسية التي كانت تعرف كيف تدير المعارك مع المعارضة في الخارج من دون أن يؤثر ذلك على صورة واقتصاد البلد ومن دون أن تصل تونس الى مرحلة الابتزاز والمساومة .

قبل أيام تحركت الأصوات من مجلس الشيوخ الأمريكي داعية الى وقف الدعم لتونس حتى يتم تصحيح المسار الديمقراطي، ثم أطلق الاتحاد الأوروبي جرس الإنذار محذرا من انهيار الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد كما خرجت ميلوني الإيطالية من دبي تستجدي دعما ماليا لتونس لإنقاذها من الانهيار، ليس حبا في قيس أو طمعا في تونس وانما خشية من مآلات الانهيار على روما، واليوم يخرج أردوغان معلنا رفضه إجراءات قيس سعيد التي طالت حلفاءه تركيا في البلاد، هنا نطرح سؤالا بريئا : ما الذي بقي من سيادة تونس التي تتكالب عليها الدول والديون الخارجية حتى ترفض برنامج الإصلاح الذي طالب به صندوق النقد الدولي كشرط للحصول على قرض وهل يملك قيس حلفاء قادرين على تجنبيه هذا الخيار المر ؟ لم يتبقى لقيس سوى الجزائر التي راح خصومه ينتقدونها بسبب تدخلها في المشهد السياسي في تونس، فهل تستطيع الجارة الغربية تحمل فاتورة الأزمة الاقتصادية للبلد الجار وتحمل أخطاء قيس سعيد المتكررة؟ .

لا يملك قيس من أمره شيئا سوى تغليب منطق الحكمة والاصغاء الى مستشاريه الاقتصاديين بضرورة التراجع عن رفض مقترحات خطة الإصلاح الذي اشترطها صندوق النقد الدولي والمطالبة بإدخال تعديلات عليها تضمن الحفاظ على السلم الاجتماعي في البلاد والا فان المماطلة والتأخر في التحرك سيذهب بتونس الى خيار ألعن من خيار صندوق النقد الدولي أي " نادي باريس"، والذي تشكل إسرائيل " التي يرفض التطبيع معها " أحد أعضاءه.

من المؤسف أن وضع تونس شبيه الى حد ما بوضع لبنان قبل أن ينهار ومن غير المنطقي أن يستمر قيس سعيد في معاركه السياسية دون أن إدراك حجم الكارثة الاقتصادية التي ستحل بتونس سقط مجددا في خطأ سوء التوقيت ...على قيس أن يتعلم الاصغاء وأن يفهم أن عامل الزمن يلعب ضده ويجر تونس ومن فيها الى الاصطدام بالجدار فشبح الإفلاس على الأبواب.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت