- بقلم ندى الشبطي
- عضو قيادة اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني/أشد في بيروت.
لا يستقيم الحديث عن واقع الشّباب الفلسطينيين، وما يواجهونه من مشكلات إقتصادية وإجتماعية ونفسية وايضا سياسية، دون الرّجوع إلى حياة الشّباب الفلسطيني في مخيّمات الشّتات في ظلّ الحرمان والفقر والمنع من ممارسة عملهم ومن حقهم بالتـّملّك. هو شّباب فلسطيني يعيش كلّ يوم حكاية مختلفة عن اليوم الآخر، يعيش بواقع حكايات تتغذّى من عمر شبابنا ولا تشبع هذه الحكايات، بل وكلّ يوم تأكل قطعة من عمر أكبر من قطعة اليوم الذّي سبقته.
يا لقسوة الواقع الّذي خيّم على الشّباب في المخيّمات الفلسطينيّة! فتمرّ أيّام علينا مليئة بغبار اليأس والخيبات، يخوضون حروب نفسيّة تضغط عليهم بشدّة في هذه الأزمات، فربما يكونون ضحايا، عقول سلبت منهم الأفكار والإبداع من أجل المحاربة في سبيل الوصول إلى أعلى درجات التّقدم. بسبب قباحة الواقع الأليم الّذي سيطر على أيّامنا التي حولت أجسادهم إلى هياكل متعبة، سُلبت منهم كلّ الطّاقة والحيويّة الّتي يتمتع بها جميع الشّباب. ولكن هل هذه هي النهاية؟ هل ستبقى حالة شبابنا بهذا الحال الحزين؟ أم سيواجهون هذه الأحوال المحزنة ويستبدلونها بأحوال مفرحة؟
نعم، ومع تلك المعاناة القاسية الّتي يواجهها الشّباب في الشّتات فإنّهم يصارعون من أجل تغيير مصير هذا الواقع الأليم واستبداله بواقع أفضل يحاربون به الظّروف القاسية الّتي فُرضت عليهم. بالرّغم من عتمة الأيّام ومن الغيوم السّوداء الّتي تظلم طرقات مخيّماتنا، فهم لا يسمحون لغشاء منسوج بخيطان الخيبات واليأس أن يغلق نور أعينهم، بل يخرقون ذلك الغشاء بأسهم الأمل والتّفاؤل. يبحرون على أمواج الخيبات بسفن محملة بالأمل والطّموح، فيواجهون رياح الفشل بأشرعة التّفاؤل للوصول إلى برّ النّجاح بعزيم.
الشّباب الفلسطينيون يحملون دائمًا على أكتافهم أحلامهم. ومن بين ثنايا حيطان المخيم المتعبة والمليئة بالمأساة يزرعون الورد المفعم بالأمل والمتعطّر بالطّموحات، فأينما حُلّت خُطاهم يصرخون بصوت تملؤه الضّحكات المفرحة الّتي لا تعرف التشاؤم. إن الشّباب الفلسطينين من بين حطام الإنكسارات تبني بيوت من أعمدة الإيمان والصّبر والثّقة بأنّهم قادرون على تجاوز أصعب الأزمات، فتبقى المحاربة خيارًا في بعض الأحيان، كما أنّ المحاربة ليست بصفةٍ غريبة عن شبابنا، فدماؤهم مليئة بالنّشاط والمحاربة من أجل الحصول على عيشة كريمة تليق بهم.
تُهلك أنفس الشّباب من أجل المثابرة والنّهوض من مستنقع الإنكسارات الّتي تلقوها نتيجة الظّروف، ومع ذلك لا يدفنون أنفسهم بأوجاعهم بل من هذه الأوجاع يكتشفون ما هو الدّواء المناسب لهم ألا وهو المثابرة والسّعي دائمًا لتحقيق الأهداف من دون كلل وملل. يحفرون طريق مستقبلهم من دون شكوى من أيّ تعب يحتويهم، لا يتّخذون تعبهم كحجة للتّوقف بل كدافع قويّ كي يتلذذون بطعم النّجاح الممتع بعد تجاوز أشواط من التّعب. يحولون الأيّام الجرداء بحياتهم إلى بساتين مزهرة ورائعة تعكس مدى الجهد الذّي يبذلونه في هذه الأوضاع الرّاهنة.. دائمًا ما تسعى شبابنا إلى تقديم إنجازاتهم على طبق من ذهب، وعندما يقدمون العديد من الإنجازات العظيمة التّي صُنعت بأيادٍ جاهدة ينسون محور التّعب والآهات الّتي واجهوها في سبيل الحصول على تلك الإنجازات. في أقسى مراحل الصّعوبات يكسرون حواجز عديدة تقف قي طريق بناء مستقبلهم مثل حاجز الخوف من المجازفة والخوف من الخسارة، حيث أنّهم بجازفون بأسلحة الأمل وإن خسروا مرّة ينهضون وينجحون ألف مرّة، فالشباب الفلسطيني، ورغم كل ما يعيشه، بات رمزًا للنّجاح والتّقدير. يمشي على درب الأمل ولا يمل ويسّعي في هذا الطريق الذّي لا بدّ من وجود حفر تقف في طريق نجاحهم، مع كل حفرة يسقطون بها يضمدون جروحهم بثقتهم بأنفسهم بأنّهم سينهضون بقوّة مضاعفة عنواها الطّموح الذّي يؤدي إلى النّجاح دائمًا.
الشّباب هم الورود اليافعة الّتي تنضج من لحظات أليمة لتبقى مستقيمة تتحمّل عبء هذه الأيّام الثّقيلة. إنّهم يتجولون بوسام الطّموحات والأمل جاهدين وممكّدين لتحقيق أحلامهم بالرّغم من ظلام الظروف. الشّباب الفلسطينيون يتميّزون ببصمة التّطوّر والإزدهار ويحولون رماد بعض أحلامهم الّتي احترقت إلى قلم يكتب حلما جديدا دائم الصّلاحية.
في الختام، الشّباب الفلسطينيون هم رمزٌ للقوّة والمثابرة، هم أهل لتجاوز المحن الصّعبة. يجاهدون بقلوب مشتعلة بالطّموح من أجل بناء مستقبل زاهر يؤمن لهم عيشة راضية تليق بجمال قوّتهم وعيشة ثابتة تليق بصلابة قلوبهم. وإن تجمّدت ٱمالهم تارة تذوب من شرارة عزمهم وإصرارهم تارة أخرى ولا يستسلمون لعواصف الإنكسارات وينهضون من حفر الخيبات ليتسلقون جبال الآمال والأحلام من أجل تزيين مخيّماتنا بإنجازاتهم الرّائعة الّتي تستحق كلّ التّقدير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت