بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب
كما كان يتهمني ذاك "الأصفر بلا علة"، معاون "الباشا" ــــ عندما كان هناك "باشا"ــــ . لست ماضوياً بالمعنى الجامد الإستاتيكي، لكنني أعشق العودة للماضي، والماضي القريب. والعيش في أجواءٍ انقضت، بإيجابياتها وسلبياتها، بفرحها وترحها، بانجازاتها وإخفاقاتها. الماضي الذي عشته وعَبَرتُ سنواتي الطويلة في عراكه اليومي الذي لم يهدأ. بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، وكنت مُصاباً في حينها ولسنوات طولية، بـــ "فرط النشاط"، كما هو حال "فرط الموصلية" في النواقل ومنتجات وادي السليكون التي تؤشر لقفزة حضارية تكنولوجية ثالثة تنتظر البشرية.
لا أكتب عن العصر الحجري الديفوني، أو الكامبري (البرونزي)، والبريكامبري، بل عن الماضي الوطني والعام، والماضي القريب، الذي له حميميته، وله دروسه، ودائماً قريباً من قلبي، حينما تفيض بي هذه المشاعر، وتأخذني الذكريات بكل ما فيها من لحظات. إنه الحنين للماضي، للطفولة، والفتوة، وجمهرة جماعية التفاعل المدرسي وبراءة السلوك، ومقتبل الشباب، للجامعة، لميادين العمل المختلفة، للعشرة القديمة واحداث زمان، إنها (نوستالجيا) حُب وحنية زمان، اواجه بها إكتئاب يقع أو قد يقع. صحيح أن (النوستالجيا) تعتمد على المشاعر والحالة (الفيزيولوجية) للجسم، والمكان والحالة (السايكلوجية)، لكنها راسخة في حياتي كفرد في المجتمع، فهي مشاعر حنينيه ودافئه ومركزها في قشرة الدماغ، وكما هو معروف علمياً ان الحنين للماضي وتَذُّكر كل احداثه على الدوام سمة للطبيعة البيولوجية في الدماغ والتكوين البشري السليم، الدماغ البعيد عن عاهات مُتخلقة، أو الموروثة من بيئتها، أو عن حالة طفرية نتيجة خلل محدود أو أكثر من محدود، في الإكس والواي والــ (DNA) ناقل وحامل شيفرة الجينة الوراثية.
مشيت في مدارج الحياة في دروبٍ شتى غالبها فيه الكثير من الإلتواءات الطبيعية من حياة اللاجىء الفلسطيني، وارتكبت أخطاء كثيرة لكنها ليست خطايا، وكنت اعوضها، واتجاوز مثالبها بروحٍ نقدية قاسية، اصارح بها نفسي بكل صراحة وشجاعة واقتدار، وأعمل على ترجمة واحداث عملية تجاوزها بالسلوك والعمل، والشواهد واسعة في حياتي في هذا المضمار، فكنت متصالحاً مع ذاتي تماماً.
عشت ومازالت، بما قد يكتب لي من باقي العمر، أختار مسالك صعبة اعتقد بأنها الأفضل من كل الخيارات السهلة ـــ المسترخصة ــ والتي قد تكون مؤذية لي وللأخرين، وأصل إلى محطات لم تكن في خطة رحلتي اليومية ومسارات عملي. فالسهل لا أقُرُّبه الذي يسوغه البعض ولو على حساب الأخرين، لا اقبله، فالصعب أفضل، وهو مايجذبني. فمشيت في دروبي مُتمرداً ومعانداً، وحولي جوقة من الكائدين والمكيودين والمتصيدين والمتربصين، من الــ (...) الذي لاتنام عينيه يَعُدُ نبضات قلبي، الى المهووس "الأُمي" الذي يريد تهبيط الجدران على رأسي...الخ... تارة بداعي الخروج عن الخط السياسي والفكري وتبني الشطحات... وتارة عن الإنحياز لمواقف غير متبناه...
قيل لي من قبل بعض "الودودين الصامتين" : "انك تعلمل على إضاعة الفرص. ومع كل فرصة ضاعت تكون قد ارتكبت خطأَ، عليك أن تسايرهم، ولا أقول لك أن تسير بطرائقهم وبأمراضهم وعتههم... بل سايرهم فقط..!!!".
لن أعتذر للماضي فهو مدين لي بالكثير من أيام ابتهاجه وليالي فرحه وسعادته.لا أعتب على زماني، فأنا لم أسرف بشىء، بل كنت عجيب المرونة والإستيعاب بالرغم عنادي الحقيقي، وكنت خلوقاً، ودفعت اثمان تلك المرونة والصدقية والمصداقية والأخلاق ــــ وإن كان في هذا الكلام شيء من الذاتي كما قد يحلو القول لبعض المتسرعين ـــــ فأعطيت بكل طاقتي وابداعاتي العملية في مستويات مختلفة، كان على رأسها العمل التنظيمي عندما تفننت وأبدعت بقيادة كل هيئة كنت مسؤولاً عنها، ولسنوات طويلة. بل وجمعت بين المهمات معاً تنظيمية واعلامية والداخل ... ووو
أخيراً، كلما انطفأت الشموع، ضاقت بي الأمور، فأعود إلى الماضي أسحب من رصيدي المودع في خزائنه، مترافقاً مع الصورة التي تَشِعُّ من جديد في مشهد شعبنا العظيم على أرض فلسطين وأجياله الجديدة التي تتفتح عينيها كل يوم تحت شمس الوطن، وتعيد الألق لحاضر سيكون لنا طال الزمن أم قصر
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت