- أسامة خليفة
- باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
في ذكرى الأول من أيار عيد العمال العالمي، التحية كل التحية لنضالات الطبقة العاملة ضد الاستعمار والامبريالية وقوى الاستغلال، والهادف لتحقيق مطالب حياتية، ولتحسين ظروف العمل، ومستوى معيشة أفضل، ومن أجل مجتمع تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية، إن نضال الطبقة العاملة لتحقيق أهدافها هذه، يمثل حركة التاريخ في وجهته الإنسانية الصحيحة نحو التقدم ورقي البشرية، فالطبقة العاملة لا تناضل من أجل مصالحها الطبقية فقط بل تناضل من أجل الانسانية ومستقبل أفضل للبشرية.
أحيي نضالات الطبقة العاملة في كل مكان من هذه المعمورة ولاسيما فيما كان يسمى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، ضد الهيمنة والعولمة والقطب الأمريكي الأوحد، العدو الأول للشعوب، ولتحررها، وللطبقة العاملة وحقوقها، فقد استطاعت هذه الدول استنهاض قوى الطبقة العاملة والفقيرة لتحقق الانتصارات على الامبريالية الأمريكية وعملائها المحليين، وتحرز المكاسب لصالح الفئات المهمشة، وتحقق العدالة في توزيع الناتج الوطني.
أحيي نضالات الطبقة العاملة العربية، ضد الصهيونية المتحالفة مع الامبريالية العالمية واسرائيل ركيزتها وقاعدتها المتقدمة لنهب شعوب منطقتنا العربية، وأحيي تضحياتها وعطائها الدائم من أجل القضية الفلسطينية فما زالت القضية المركزية لهذا النضال رغم كل محاولات حرفها عن هدفها وخلق محاور صراع بعيدة عن فلسطين ومقدساتها.
التحية كل التحية لنضال الطبقة العاملة الفلسطينية وعطائها الدائم الذي مازال مستمراً منذ بدأ نشأتها وتكوينها، في تحالفها وهي ما زالت طبقة ناشئة مع الفئات الفلاحية لخوض الثورات المتتالية بشجاعة وارتباط بالأرض ضد الاستعمار والصهيونية، لقد جرى تحول كبير عام النكبة بعد أن فقد جزء كبير من شعبنا ممتلكاته وأرضه وسبل كسب معيشته، بفعل الارهاب الصهيوني والاستيلاء على البيوت والأراضي وتهجير سكانها، انتقلت فئات اجتماعية واسعة في سلم الترتيب الطبقي، حيث انضم أغلب اللاجئين الفلسطينيين في مناطق اللجوء والشتات إلى مصاف الطبقة التي لا تملك سوى قوة عملها تبيعها في سوق العمل لقاء أجر زهيد، تعتمد بشكل كبير على مساعدات الأونروا في معيشتها الصعبة.
وعلى معاناة وتضحيات ونضال جموع اللاجئين من شعبنا قامت ثورته الحديثة، ساعية طبقته العاملة إلى موقعها الضروري تاريخياً في قيادة حركة التحرر والمضي بها نحو بناء الدولة المستقلة ومجتمع الديمقراطية والعدالة، فهي صاحبة المصلحة الحقيقية في متابعة النضال لاسترجاع الحقوق الوطنية المسلوبة وهي صاحبة المصلحة الحقيقية في تحقيق الأهداف الوطنية كاملة دون مساومة ولا تفريط.
أحيي نضال الطبقة العاملة الفلسطينية في الضفة والقطاع و في أراضي الـ1948 حيث قاومت طبقتنا العاملة مع كافة فئات جماهير شعبنا السياسة الصهيونية في استلاب الهوية الوطنية وسلب الأرض، وسياسة إفقار الشعب الفلسطيني، حيث عانى العمال تحت الاحتلال من البطالة ومن اضطهاد عنصري صهيوني، واضطهاد طبقي، فمازال العامل الفلسطيني يعاني من التمييز في الأجر وفي الضمان الاجتماعي وفي ظروف العمل، ونتذكر اليوم مجزرة عيون قاره ( ريشون لتسيون) في 20/5/1990 حيث قام الجندي الصهيوني السفاح عامي بوبر بقتل ٧ عمال فلسطينيين وجرح العشرات منهم بدم بارد، مازالت هذه المجزرة رمزاً لهذا الاضطهاد العنصري الطبقي ورمزاً لشهداء لقمة العيش المغمسة بالدم والعرق.
ذكرى الأول من أيار تحدد واجباتنا الوطنية في استنهاض وتفعيل وتطوير برامج وأنشطة الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، والارتقاء بالمسؤولية في تنظيم عمالنا للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وقضاياهم الوطنية، في المناطق المحتلة، وفي الدول العربية المضيفة، وخاصة في لبنان للعمل على إصدار القوانين الكفيلة بتوفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية لعمالنا وأهلنا في لبنان، بما في ذلك حق التملك، تعزيزاً لصمودهم في مواجهة المشاريع البديلة لحق العودة إلى الديار والممتلكات.
والعمل على رفع العقوبات الجائرة بحق قطاع غزة بما يسهم في دعم صمود شعبنا المحاصر فيه، والمساهمة في بناء مناخات إيجابية تساعد على استئناف التحركات من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة المؤسساتية الإدارية للسلطة الفلسطينية، واستعادة دورها في تحمل مسؤولياتها نحو أهلنا في القطاع، ونحو الطبقة العاملة في همومها اليومية في تأمين لقمة العيش.
فقد كان للانقسام الفلسطيني آثار على البطالة، نلحظ ذلك من ارتفاع فجوة البطالة في قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية، وبارتفاع معدل البطالة 2006 مقارنة مع 2005، كما ظلت نسب البطالة في قطاع غزة آخذة في الارتفاع نتيجة السياسات الإسرائيلية والانقسام الفلسطيني، ونتيجة لهذا كانت معدلات الفقر في غزة أعلى منها في الضفة، تشير الفجوة في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى فوارق واضحة، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن اقتصاد الضفة أكثر استدامة من اقتصاد القطاع لجهة أن هناك قرابة 170 ألف عامل من الضفة يعملون في المستوطنات ومدن دولة الاحتلال، وفي حال إغلاق سوق العمل الإسرائيلي أمام العمالة الفلسطينية، فإنّ هناك احتمالاً لأن يتعرض اقتصاد الضفة لأزمة حقيقية تتمثل في ارتفاع معدلات البطالة بشكل كبير.
إن معدل البطالة الأعلى يتجلى في فئة الشباب سواء في الضفة أو غزة، وتتركز نسب البطالة المرتفعة في أوساط خريجي الجامعات، وبشكل أكبر بالنسبة للخريجات، وهي الفئات التي لا يمثل العمل في إسرائيل بالنسبة لها خياراً ممكناً، وتصل البطالة في صفوف خريجي الجامعات إلى72 % في قطاع غزة وهي الأعلى عربياً فمن المشكلات التي تواجه الطلاب بعد تخرجهم أن الفرص المتاحة أمام الخريج للعمل محدودة بسبب ضعف البناء الهيكلي الاقتصادي وسياسة تحجيم الاقتصاد الوطني وزيادة تبعيته.
أما بالنسبة للعمالة غير الماهرة، فإن انتقال جزء كبير منها للعمل في إسرائيل بدافع الفرق في الأجور، أدى إلى نقصها في السوق المحلي، وإلى ارتفاع الأجور في قطاعات معينة.
إن معدلات البطالة ستبقى المشكلة الأساسية في الاقتصاد الفلسطيني، ومن الصعوبة بمكان التخفيف من حدتها في ضوء الاحتلال والانقسام، الأصوات الوطنية التي ترتفع وتنادي بوقف العمالة في المستوطنات الإسرائيلية، لا تنفع ولا تفيد إذا لم يتم توفير بدائل كريمة لعمالنا تؤمن لقمة العيش وتصون كرامتهم الوطنية.
تعتبر سياسة الإغلاق والحصار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية العامل الحاسم والمؤثر في معدلات التشغيل والبطالة، حيث يتراجع حجم العمالة الفلسطينية في اسرائيل والمستوطنات في أوقات الإغلاق والحصار، ويرتفع حجم ومعدل البطالة بصورة حادة ومفاجئة، ففي الفترة 2001- 2004 ارتفع متوسط البطالة إلى ما نسبته 27،9% مقارنة مع 14،3% في 2009، وهذا يعود لبداية الانتفاضة الثانية التي انعكست على الاقتصاد الفلسطيني ومؤشراته سلباً من خلال الإجراءات الإسرائيلية التعسفية من إغلاق المعابر ومنع وصول العمال لأماكن عملهم، وتدمير البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني، والاجتياحات المتكررة للمدن والمحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
لقد بلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة 51% في العام 2018 مقابل 25% بين الرجال، وتصل معدلات البطالة بين النساء الحاصلات على 13 سنة دراسية فأكثر إلى 54%، ويلحظ أن معدلات البطالة مرتفعة بين النساء من هذه الفئة الاجتماعية.
وتتعمق فجوة المشاركة في القوى العاملة بين النساء والرجال من ذوي الإعاقة فقد أشارت بيانات مسح القوى العاملة في العام 2018 أن نسبة مشاركة النساء ذوات الإعاقة في القوى العاملة في فلسطين بلغت 4% فقط من إجمالي النساء ذوات الإعاقة، مقابل 21% للرجال من إجمالي الرجال ذوي الإعاقة.
رغم ارتفاع مشاركة النساء في القوى العاملة خلال السنوات السابقة، لكنها لا تزال منخفضة جداً بالمقارنة مع الرجال، فقد بلغت نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة 21% من مجمل النساء في سن العمل في العام 2018 مقابل 10% في العام 2001، وبلغت نسبة مشاركة الرجال 72% للعام 2018، مع وجود فجوة واضحة في معدل الأجر اليومي بين النساء والرجال إذ بلغ معدل الأجر اليومي للنساء 92 شيكل، مقابل 129 شيكل للرجل.
وعلى صعيد المشاركة في القطاع العام المدني، تشكل النساء 43% من موظفي القطاع العام المدني مقارنة مع 57% للرجال، وتتجسد الفجوة عند الحديث عن الحاصلين على درجة مدير عام فأعلى، فبلغت 12% للنساء مقابل 88% للرجال لنفس الفئة.
إن الأول من أيار يدعونا لتكريس العدالة الاجتماعية ووضع حد لسياسات الاستغلال التي يتعرض لها عمالنا في الأراضي المحتلة عام 1967، فلا بد من إصدار قانون الضمان الاجتماعي آخذين بالاعتبار مصالح الشرائح الدنيا من الطبقات الفقيرة والفئات الوسطى باعتبارها هي المستهدفة من سن هذا القانون، واتخاذ الخطوات والإجراءات ورسم السياسات والآليات من قبل السلطة الفلسطينية لفك الارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي، وتحريره من قيود السياسات النيوليبرالية لصالح سياسات توفر فرص وشروط تعزيز صمود شعبنا، وفئاته الكادحة في معركة الخلاص من الاحتلال والاستيطان، وفرض المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، وتشجيع الإنتاج المحلي لصناعة البدائل الوطنية، أو الاستعانة ببدائل عربية ومن دول صديقة.
في سوريا انعكست الأزمة الداخلية السورية على الحالة الفلسطينية بتجليات مختلفة، سياسية واجتماعية واقتصادية وإنسانية، وبينت الأزمة افتقار الحالة الفلسطينية إلى المؤسسات الأهلية في ميادين العمل الاجتماعي المختلفة، وهذا يتعدى الجانب القانوني في ظل عدم الإحساس بالحاجة إلى مثل هذه المؤسسات، إذ يتمتع اللاجئ الفلسطيني بذات الحقوق الاجتماعية والمدنية التي يتمتع بها المواطن السوري بما في ذلك الوظيفة في المؤسسات الرسمية وحق العمل والتملك، لكن كما أثرت الأزمة على العامل السوري، أثرت على العامل الفلسطيني في ارتفاع تكاليف الحياة اليومية في ظل بطالة واسعة منتشرة، إنها نكبة جديدة أدت إلى تهجير عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم ومصادر رزقهم، وكل ما له علاقة بحياة آمنة ومستقرة.
أما العامل الفلسطيني في لبنان فإنه يقع ضحية عدم وجود قوانين لبنانية تحدد طبيعة العلاقة بينه وبين السلطات، وقانون العمالة الأجنبية الوافدة، لا يمكن أن يطبق على العامل الفلسطيني الذي يطالب بتشريع وضعيته القانونية، وإن كان هناك عمالة فلسطينية غير شرعية لا تتمتع بأية حقوق أو حماية قانونية، فإن السلطات اللبنانية هي من يتحمل مسؤولية هذه الفوضى نتيجة عدم سن قوانين تتعاطى بموضوعية مع العمالة الفلسطينية، التي مهما قيل فيها من مدح وذم، إلا أن واقعها الراهن يختلف عن واقع العمالة الأجنبية، وبالتالي لا بد من تشريعات قانونية تراعي هذه الخصوصية.
ويتذرع المسؤولون اللبنانيون لتبرير إجراءاتهم التمييزية والإقصائية ضد العمال الفلسطينيين، بمنافسة اليد العاملة الفلسطينية لليد العاملة اللبنانية، ويبالغون في تضخيم عدد العمال الفلسطينيين في لبنان لإثبات مقولة المنافسة، تمهيداً لاتخاذ إجراءات قانونية لتقييدها، وتبرير سياسة الدولة اللبنانية بحرمان كل فئات الشعب الفلسطيني من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية، وبالتالي فإن المشكلة الرئيسية ليست تقنية، ولا تتعلق بحجم الطبقة العاملة الفلسطينية، بل هي مشكلة سياسية كما كل الملف الفلسطيني، والإصرار على فرض إجازة العمل على العمال الفلسطينيين يتقاطع موضوعياً مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي لتصفية قضية اللاجئين وحق العودة.
لقد مثلت إجراءات وزارة العمل اللبنانية بشأن ملاحقة العمال الفلسطينيين، وما وصل إليه حالهم من سوء على كل المستويات، الشرارة لخروج الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني إلى الميدان مدافعين عن حقهم بالحياة والعيش الكريم، ومع أن هذه التحركات الشعبية الضخمة كانت ردة فعل على واقع اقتصادي اجتماعي صعب، إلا أنها مؤشر للاستعداد العالي والجاهزية الجماهيرية لمواجهة المشاريع المشبوهة تحت اليافطات الإنسانية والتي تلحق الضرر بقضية اللاجئين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
- "عيد العمال" من كتاب في «مواجهة صفقة القرن» .
- "العمالة الفلسطينية في لبنان" من كتاب «اللاجئون.. المجلس المركزي».
- "الاقتصاد الفلسطيني في ظل الاحتلال والاستيطان والانقسام" من كتاب «جولة أفق».
- " اللاجئون الفلسطينيون في سوريا" من كتاب «انتفاضة الشباب».
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت