مقابل ساعات عمل طويلة، يتقاضى العمّال الفلسطينيون في قطاع غزة أجورا متدنية، لا تتناسب مع طبيعة وظروف العمل التي تحمل في بعض الأحيان نوعا من الخطورة.
كما يحرم عمال في غزة من حقوقهم التي أقرّها قانون العمل الفلسطيني لعام 2000، ومنها "وجود عقد للعمل والحد الأدنى للأجور، والإجازات، وساعات العمل والراحة، والتأمين عن الإصابات وغيرها من الحقوق الأساسية".
ويشكو العمّال من استغلال أرباب العمل لهم، بتكليفهم بمهام وأعباء جديدة أو ساعات عمل إضافية، متذرّعين بندرة توفر فرص العمل في القطاع، وزيادة أعداد العاطلين عن العمل الذين من الممكن أن يحلوا مكانهم.
وفي الوقت الذي يحتفي فيه عمال العالم بعيدهم الموافق الأول من مايو/أيار من كل عام، يصنف عمال غزة ضمن القابعين في فقر وفقر مدقع، جراء غياب الآليات والسياسات التي تحمي حقوقهم، بحسب تقارير حقوقية.
وتتزامن انتهاكات حقوق العمال مع واقع اقتصادي صعب يعيشه قطاع غزة، جرّاء استمرار الحصار الإسرائيلي للعام الـ 16 على التوالي وبفعل الانقسام السياسي الداخلي في الساحة الفلسطينية منذ عام 2007.
ووفق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، فإن نحو مليون ونصف مليون فرد من سكان غزة، البالغ عددهم مليونين و300 ألف نسمة، يعيشون حالة فقر، بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على القطاع المشددة منذ منتصف 2007.
فيما قال تقرير أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، في مايو/ أيار الماضي، أن نسبة البطالة في قطاع غزة بلغت 47 بالمئة.
واقع صعب
تقول الشابة روان محمد (26 عاما)، العاملة في مختبر للتحاليل الطبية، إنها تعمل لمدة 8 ساعات يوميا، فيما تتقاضى أجرا شهريا يصل إلى 138 دولارا فقط.
وتضيف محمد (رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها لأسباب مهنية) لوكالة الأناضول: "إن حوالي 70 دولارا من إجمالي الراتب، يتم صرفه بدل مواصلات، فيما لا يكفي المبلغ المتبقي لتلبية احتياجات أسرتها".
كما تُحرم محمد، كما تقول، من الإجازات في أوقات اضطرارية بحجة عدم وجود بديل لها فضلا عن عدم وجود عقد ينظم عملها في المكان.
وتشير إلى أن احتمالية "تركها للعمل ترادوها بشكل مستمر، بسبب انتهاك حقوقها، إلا أن ندرة فرص العمل في القطاع يدخلها في حالة من التردد ويدفعها لتحمّل هذا الظلم".
بدوره، يقول رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في غزة سامي العمصي، إن عمال القطاع يعيشون واقعا صعبا ومريرا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بالقطاع.
ويضيف للأناضول، إن "الأوضاع السيئة تضرب العمال في كافة قطاعات العمل، حيث يعانون من انتهاكات كثيرة أبرزها غياب الحد الأدنى للأجور، وساعات العمل الطويلة والأجور الزهيدة".
ويرجع العمصي تردي الأحوال الاقتصادية إلى الحصار الإسرائيلي، واستمرار الانقسام السياسي، اللذين يصبحان -للأسف- في كثير من الأوقات، وفق قوله، مبررا للتهرب من الالتزامات باتجاه العمال.
وأوضح أن عدم تطبيق قانون العمل الفلسطيني وغياب آلية تُلزم المنشآت بتنفيذه، يجعل حقوق العامل عرضة للانتهاك من أرباب العمل.
وبيّن أن بعض العمّال يتحملون ظروف عمل قاسية وبأجرة منخفضة تقدر بنحو 2 شيقل بالساعة (الدولار الواحد يعادل 3.6 شواقل)، فيما يعمل بعضهم بأجرة يومية لا تتجاوز الـ 20 شيقلا.
ويوضح أن هذه الانتهاكات، تحدث، جراء عدم "تطبيق أصحاب العمل لقانون العمل بحجة صعوبة أوضاعهم الاقتصادية المترتبة عن الحصار".
وفي السياق، يذكر العمصي أن غياب عوامل السلامة المهنية في ورش العمل بغزة، عرّضت عشرات العمّال لمخاطر الإصابة، مرجحا وقوع نحو 300 إصابة في صفوف العمّال بشكل سنوي.
ويقول: "90 بالمئة من إصابات العمل لا يتم حلّها وفق القانون، إنما بالعرف والعادات والتقاليد التي تهضم حق العامل".
وتدفع الظروف الصعبة، الكثير من العمال للبحث عن فرص عمل في الخارج، للتمكن من إعالة أسرهم، بحسب العمصي، معتبرا ذلك أحد حلول أزمة البطالة.
وزاد: "نحو 10-12 ألف خريج جامعي ينضمون سنويا إلى صفوف البطالة في غزة، جراء ندرة توفر فرص العمل".
"العائلة تصرف على أبنائها لمدة 4 سنوات مبالغ طائلة، وفي النهاية لا يجد هذا الخريج فرصة عمل، بل يتوجه لتعلم مهنة أو حرفة بمبالغ وأجور زهيدة".
الحد الأدنى للأجور
فيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، يقول العمصي إن الاتحاد خاض صراعا طويلا على مدار سنوات حتى تم تشكيل لجنة حكومية لتحديد قيمة أجور العمال قبل نحو شهر تقريبا.
وأضاف إن الجهات المشكّلة لهذه اللجنة (الحكومة وأرباب العمل وممثلي العمال) "ماضية بالضغط للوصول إلى رقم ينصف العامل الفلسطيني".
وبيّن أن الحد الأدنى للأجور سيأخذ بعين الاعتبار "الأوضاع الاقتصادية في القطاع وأوضاع أصحاب العمل والعمال أيضا".
وأشار إلى أن الحد الأدنى للأجور سيتم تطبيقه بشكل تدريجي في الشركات والمتاجر الكبيرة وصولا إلى الصغيرة، وبحسب القطاعات.
ولفت إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يمنع "حالة الاستغلال لظروف العمّال وتقليص أجورهم".
واستكمل مردفا: "هناك حالات استغلال للعمال، سواء أجور زهيدة أو طرد من العمل لأتفه الأسباب، وعدم وجود عقود عمل موقعة وغيرها من الحالات".
وختم حديثه قائلا، إن تطبيق الحد الأدنى من شأنه أن يترك أثرا إيجابيا على نحو 160 ألف عامل في غزة، أي 160 ألف أسرة.
دور الجهة الحكومية
من جانبه، قال مدير دائرة شروط العمل في وزارة العمل بغزة حسين حبوش، إن وزارته تهدف لتطبيق قانون العمل في المنشآت لحماية العمّال وأرباب العمل.
وأضاف لوكالة الأناضول، أن الوزارة تجري جولات تفتيش تستهدف بالدرجة الأولى منشآت العمل الكبيرة، للتأكد من تطبيق قانون العمل، والتأكد من عدم وجود مظالم تقع على العمال ولمعالجة أي خلل يحدث.
واستكمل: "نتأكد حينها من تطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية وطبيعة المكان وخطورة الأعمال على العمال وإجراءات الإسعافات الأولية، وإن كان الزي مناسبا للعمل أم لا، فضلا التأكد من أحوال العمال وحقوقهم من الإجازات وغيرها".
وعن الحد الأدنى للأجور، قال حبوش: "الرقم الذي سيتم وضعه من اللجنة، من شأنه أن يراعي الواقع الاقتصادي الذي نعيشه ومستوى غلاء المعيشة"، لافتا أن اللقاءات ما زالت مستمرة وموعد انتهاء عمل اللجنة غير معروف.