- بقلم الكاتب والاديب العربي الفلسطيني ، الاعلامي د. رضوان عبد الله
صديق تعرفت عليه من جديد خلال احدى الورش التدريبية و التي كانت تحت عنوان المواطنة الفاعلة ، ذلك الصديق صباح اليوم الثاني من الورشة كان ينظر صدفة الى اللوحة المعلق عليها التوقعات المرجوة من الورشة حيث لاحظ ورقة كتب عليها (التعرف اكثر على الاستاذ رضوان عبد الله ) ، و الحق يقال انني لم اكن منتبها الى تلك الوريقة رغم اهميتها بالنسبة لي كتساؤل كبير من احد او إحدى المشاركين او المشاركات ،و قمت من مكاني بعد ان نبهني الى مضمون تلك الوريقة للتاكد من الجملة و ضحكت من كل قلبي و انتبه الى ضحكتي مدير الجمعية الراعية للورشة متسائلا فاوضحت لما اشار الي به صديقي ،مبتسما اجابني حضرة المدير :عظيم و لم لا؟؟! ....
ذلك اليوم خطر على بالي ان اكتب ، رغم التعب و شقاوة النهار التدريبي الممتع المتعب بنفس الوقت ، فامتشقت سلاحي القديم الجديد و بدأت اصيغ و اخط و اجمع ما يمكن من شتات افكاري آملا العودة الى وطني المعنوي(الكتابة)...الكيان السياسي الثقافي او الدولة كمواطن فاعل، بعد ان عزت العودة الى الوطن في الوقت الحالي .
من الممكن ان تكون صدفةً ما حصل معي ، و من الممكن ان يحصل مع غيري ما حصل معي او اكثر منه نلكن من المفيد ان ياتي الجواب على قدرِ كافِ من المسؤولية للسائل المستفسر ،بل فان من حقه او حقها الاستفسار مع شكرنا و تقديرنا له او لها.
ماذا يمكن ان اقول ،وماذا من الممكن ان اجيب ؟؟! تعالوا نجب سويا على سائلنا ....او سائلتنا ؟؟!
لا اريد ان اقول بانني عربي ،في بداية التعريف عن نفسي ،رغم عروبتي و اعتزازي و تثبتي بالعروبة و معها الاسلام .
ولا استطيع ان ادّعي بانني مواطن ،اذ ان المواطنية سلخت عنا منذ سبعة عقود و يزيد ... فهل من الممكن ان اقول بانني غريب ؟ فانا ولدت في هذا البلد و عشت و ترعرعت فيه ، بين حقوله و وديانه ، وعلى سفوح جباله المتآخية مع جبال فلسطين ،و عشت تحت قذائف شتائه القارس و نيران صيفه الحارّ، وكان قد تهجر اهلي اليه ،املا به و قربه من وطننا الغالي السليب ،وتأملا بأهله الاطايب ،احبابنا و الاقارب،راجين العودة قبل طول الغياب.
من هنا نعلى سفوح هضاب مدينة جنوبية ،تذكرت العام 1982 و صيفه الحار المشبع بالنار والدم ، ،حين غزا الصهاينة ارض لبنان ،وطننا الثاني ،وتهجرنا من قرية الى مدينة بعد ان ذهب رعاتنا الى ما وراء القرى و المدن ، سمعت في احدى لمدن الساحلية هنا في الجنوب ،سمعت اطفالا... بناتا و اولادا...بعمر الورد يصرخون خائفين من هدير طائرات عدوة حاقدة ، و مع تضارب الاخبار و الانباء، ما سمعوه من الكبار دفعهم يترجون من والدهم الهرب بهم خارج المدينة الى مكان آمن ،خارج المنطقة شمالا،او الى اي مكان قائلين (خذنا يا بابا غير هون احسن ما نموت ) فما كان من الوالد الخائف ايضا على اولاده و عائلته و اهله معا الا ان صاح بهم ( لا هرب بعد اليوم )، واضاف قائلا(هل تريدون ان يصيبنا ما اصاب الفلسطينيين حين قالوا لهم اخرجوا و اسبوع واحد و من ثم تعودوا..... نريد ان نموت هنا و لا نترك بيوتنا ولا وطننا ....) .
صحيح نحن عرب ، ونحن فلسطينيون ،لسنا مواطني دولة بمعنى المواطنية ، و لسنا لاجئين فاعلين بمعنى الفاعلية ،بل اننا خسرنا وطننا و لم نعد نفكربفاعلية ....فهل نحن فاعلون ؟؟!
هل آثر احدنا ان يعيد حساباته الفردية و الاسرية و السلوكية و التربوية ؟؟؟ هل تجرا الشخص منا ان يقف مع نفسه و يتدبر كل امره ؟؟!
هل شعر الواحد منا بحسّ المسؤولية تجاه ارض الجدود ،قريبة كانت ام بعيدة عن الحدود ؟؟! الا من وقفة تخلي و تجلي و تحلي تحكم عقولنا و قلوبنا و تتدبر خطواتنا ؟؟! كيف ذلك ؟؟! كيف يمكن ان نكون لاجئين فاعلين ؟؟! تعالوا نفكر سويا بكنزنا المفقود ....
هل نستطيع ان نعبر من ذاتنا الى ذاتنا ؟ من ذاتنا الخاصة الى ذاتنا العامة الشاملة ؟هل نستطيع ان نتخلى عن امانيتنا و ندعم ذاتنا الكبرى ؟ هل نستطيع ان نتعاطف مع انفسنا و ندعم تفكيرنا و نهذب عقولنا و نجنب قلوبنا الوهن و العجز ؟؟؟
هل نستطيع ان نفكر ربعقلنا و قلبنا و اقدامنا معا؟؟! رب سائل ان كيف ذلك؟؟! بل هي هذه فلسفة جديدة ؟؟1 بالطبع لا ،بل ان تفكر بعقلك بموضوعية و عملية و بمنطق الاسباب و النتائج و السبل الصحيحة ، و ان تفكر بقلبك بعواطف محسوسة و بحدودها المرسومة غير المدسوسة ، و ان تفكر بالسير بخطى مدروسة مبينة الاسباب محسوبة النتائج لا ان تقدم على خطوات بعيدا عن العقل و القلب مما يضطر الانسان ان يخسر الكثير الكثير بانجراره و ركضه وراء سراب او وهم لا تفكير فيه ولا حسّن ولا خطوات ثابتة او واثقة!!!.
هذه ليست بفلسفة ، رغم فذلكة بعض المصطلحات ،لكن من الحق ان انصر اخي ان كان مظلوما و ان اردعه عن الظلم ان حاول الغوص في مظالم الناس .و من المفيد اعادة التماسك بالحس الثوري للنفس البشرية و ما ادراك ما الحسّ الثوري ،الجهادي النضالي الكفاحي، المتشعب لجابني الصراع ضد الشر ،جهادي النفس و العدو اذ ان صراع العدو لا يقل اهمية عن صراع النفس و العكس صحيح مع شرور النفس و ضغائنها....
ربما تشعبت قليلا في بعض الامور ،لكن ان اكون لاجئا فاعلا يعني ان ابحث عن هويتي و ثقافتي نانا اجاور بادب و احاور بعقلي و قلبي الأحب الأطيب . و ان اتواصل مع ذاتي لانقذها من وسوسات شياطينها الانسية منها و الجنية .
من المهم ان اعيد الاعتبار الى لجأتي لحين العودة الى مواطنتي ،فلا مواطنية لي الا بالحفاظ اولا و قبل اي شيء اخر على صفتي الملتصقة بي كلاجيء فاعل مرفوع الراس مناضل !
لا باحث عن ثقافة دون البحث عن الهوية الوطنية .وكيف ندخل في الوطنية و الوطن دون العودة الى اللجوء ،ليس حبا به بل لاننا لاجئين ،كنا قد تحولنا الى مناضيل بعد ان تمسكنا بهويتنا الوطنية و الثقافية معا. فحين نعود لاجئين نسترجع ثقافة اللجوء و الحرمان من البذخ و الترف و اللامكان ، ونسترجع رفض المهاترات و المهاترين و الاستهتارات و المستهترين ،رافضين الاستثمارات فينا و المستثمرين ، المغترّين فينا و كل من حاول ان يكون من المتاجرين . فكل من غامر بقدميه خسر علقه و قلبه ، و كل من قامر بعقله و قلبه سحبته ارجله الى حيث لا مستقر.
فلا فردوس مفقود قد يستعاد ن ولا ارض يباب قد نبت بها طحلب لا ان امطرت فوقها الرباب . ولكن كنزنا المفقود لا يوجد مثله في الالباب ليس لانه لا مثيل له بل لانه لم يكن موجودا في القدم فلنبحث عنه فلنجده فلنستعيده كي لا تذل بنا القدم .
ذلك الكنز المفقود الموجود داخلك اخي و رفيق دربي و زميلي في اللجوء ، ايها المناضل الابي الذي داهمتك سنوات التعب مع بدايات مشوارك و ارهقتك سنوات الغضب مع حماسات افكارك و وجدانك ،واغضبتك وصلات العتب مع افول شمس انوارك .
ايها اللاجيء ابحث عن كنزك المفقود ، ستجده بالتاكيد بين جنبات آمالك و ركائز حشرجات آلامك !! ولتعد الى ذاتك و لتصلح حالك و لتخرج مما التبس بداخلك او ظننت انه من محبذات نضالاتك ،او من دفاتر احلامك .
و لتسترجع كنزك المفقود ،استرجعه اولا من داخلك و من ذاتك و اعده الى حيث ممكن ان تدب الحياة فيه بين اصولك و فروعك ، وعزز وجوده ،فك قيوده ، اطلقه من قمقم التعفن الى ميادين حياتك ... فليشق لجوؤك الطريق من جديد و ليتبر ما علا من معشعشات الاوهام و المحبطات كالهزائم و النكسات من فوق رأسك و من الخلايا الجينية داخل عقلك و قلبك و من اخامص اقدامك ....
والى اللقاء........................
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت