- فاضل المناصفة
واقع مرير يعيشه العمال في قطاع غزة فمعظمهم بلا عمل، ومن يتحصل منهم على عمل فيتقاضى أجور متدنية، آملاً في إيجاد حلول عملية وسريعة ليكون مستقبلهم أفضل، وهناك ثغرة شاسعة بين المعاناة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال، وهي معاناة لا توصف من الصبر والكرامة، وبين الحياة الطبيعية التي يطمحون إليها. وينبغي ألا يغيب عن أذهاننا أنه في صميم حل هذا النزاع الطويل تقع طموحات النساء والرجال والأطفال والأهل والشيوخ بالعيش حياة عادية وتحقيق مهاراتهم وطاقاتهم من أجل تحسين ظروفهم المعيشية .
والمشكلة الآكبر في ارتفاع نسبة البطالة لنحو 50% والتي تعني أن نصف سكان القطاع يعيشون بلا دخل يومي، فضلا عن ارتفاع نسبة الفقر لقرابة 60% وتعطل نحو ربع مليون عامل، يعمق الكارثة الإنسانية في غزة، ويزيد من معاناة العمال
كما أظهرت القوى العاملة الفلسطينية بيانات مسح أن أكثر من 100 ألف يعملون داخل الأراضي المحتلة من قطاع غزة في عام 2022 وذلك في قطاعات البناء والتعدين والمحاجر والزراعة والصيد، في حين أشارت إلى أن 158 ألف عامل يحصلون على تصاريح عمل،
وانخفض عدد العاطلين عن العمل إلى 367 ألفا في عام 2022 مقارنة بـ 372 ألفا في عام 2021، كما انخفض معدل البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة في فلسطين في العام 2022 إلى حوالي 24% مقارنة مع حوالي 26% عام 2021".
واذا نظرنا الي الأجور المتدنية لعمال قطاع غزة والتي تتجاوز عددهم الـ200 ألف عامل، باتت ظاهرة ترهق كاهل العمال وتشكل انتهاكا واضحا لحقوقهم وامتهانا لإنسانيتهم، خاصة وان الأجور التي يتقاضونها لا تتناسب مع ساعات العمل والجهد المبذول، وأقل بكثير من الحد الأدنى للأجور والذي لم يُقر حتى الآن بغزة، حيث يصل أجر بعض العمال إلى 100 دولار شهريا .
وفق مركز الإحصاء ـ فقد بلغ معدل الأجر اليومي الحقيقي للمستخدمين بأجر في القطاع الخاص عام 2022 (سنة الأساس= 2018) حوالي 93 شيقلًا في فلسطين؛ بواقع 38 شيقلًا في قطاع غزة و117 شيقلًا في الضفة الغربية (لا يشمل العاملين في إسرائيل والمستعمرات فاع أسعار غالبية السلع بغزة
إن الباب ما زال مفتوحاً ليطرح تساؤلات كثيرة، أبرزها، أين حقوق عمالنا في غزة والتي تقدر بمليارات الشواكل؟، ولماذا تواصل السلطة الفلسطينية الصمت على ذلك؟، وأين دور المؤسسات الحكومية والاتحادات والنقابات العمالية في ملاحقة وفضح سماسرة تصاريح العمل داخل غزة والذي يقدر عددهم بنحو 75 ألفاً ويلحقون خسائر للعمال تقدر بـ143 مليون شيكل شهرياً، ومن المسؤول عن سياسة إغراق الأسواق بالسلع الرخيصة المستوردة دون ضوابط أو قيود، والسوق المحلية بالمنتجات الإسرائيلية رغم وجود بدائل لبعضها،
ومن المسؤول عن استمرار ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بنظيره الإسرائيلي دون التحرر من قيود بروتوكول باريس الاقتصادي، ولماذا لا نجري مراجعة لواقع مؤسساتنا الاقتصادية ودورها في رسم سياسات تشجيع الاستثمار وبحث أسباب هروب رأس المال الفلسطيني إلى الخارج؟.
أمام الواقع المرير الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني، بات مطلوباً إعادة قانون الضمان الاجتماعي، والأخذ بعين الاعتبار مصالح الفئات الدنيا من الطبقات الفقيرة والوسطى، من أجل العدالة الاجتماعية ووضع حد لسياسات الاستغلال والنهب التي يتعرض لها عمالنا وأبناء شعبنا الفلسطيني.
قوانين كثيرة أقرتها الحكومة الفلسطينية لم تجد طريقها نحو التنفيذ، كـ«قانون الحد الأدنى للأجور» والذي لم تضع خططاً لإلزام أرباب العمل لتطبيقه وخصوصاً في القطاع الخاص، فيما لم تُفعّل الصندوق الوطني للتشغيل والحماية الاجتماعية للمساهمة في الحد من معدلات الفقر والبطالة في صفوف العمال لمواصلة دورهم النضالي والاجتماعي، كما لم تُعدل «قانون العمل الفلسطيني» لضمان الحماية لحقوق العمال والعاملات في سوق العمل الفلسطيني، وإنشاء المحاكم العمالية المتخصصة لفض النزاعات العمالية وحلها بين العمال وأرباب العمل بعيداً عن التسويف والمماطلة.
وللأسف لم يترك أصحاب المصالح الضيقة من حركة حماس في غزة والضفة شيئاً لعمالنا وشبابنا ولأجيالنا القادمة إلا وأغلقوها في وجوههم دون ترك أي بصيص أمل لمستقبلهم. لذا بات على السلطة وصناع القرار في الضفة وغزة الاعتراف بخطورة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ورفض شروط المؤسسات المالية الدولية التي تزيد من إفقار الفئات الفقيرة وتعمق تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي،
وبهذا، يجد العديد من العمال الفلسطينيين أنفسهم أمام خيارات محدودة تتمثل فيما يلي: استخدامهم استخداما لمضمونة؛ المجازفة ببدء مشاريع في هذه البيئة المتقلبة والقاسية؛ اجتياز ًمنقوصاً في سوق العمل الفلسطينية غير ا الجدار الفاصل ونظام التصاريح الاسرائيلية للحصول على وظائف أفضل أجرا ً تعقيدات في إسرائيل والمستوطنات.
واقعنا مؤلم والانفجار قادم لا محالة، والحالة الفلسطينية تعيش حالة من التيه والضياع، فيما الانقسام باقٍ رغم ما ضيّع على الشعب الفلسطيني من فرصٍ كثيرة، فأصبحنا سلطة بلا سلطة وضحايا للتوحش الرأسمالي، وأصبحت الحركة العمالية والنقابية الفلسطينية تعيش تحت سطوة الهياكل البيروقراطية والمصالح الطبقية والاجتماعية الفئوية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت