التجريم التشريعي للاحتيال والنصب المستحدث

بقلم: أمجد نعيم الأغا

  • إعداد: أمجد نعيم الأغا
  • مدير عام الإدارة القانونية- المجلس التشريعي

    شهد المجتمع الفلسطيني في الآونة الأخيرة بروز ظواهر إجرامية مستحدثة، تمثلت في ممارسة أعمال نصب واحتيال تحت ستار شركات تجارية مرخصة، وبوسائل تقنية حديثة تعددت مسمياتها بين التسويق الهرمي والشبكي أو الاستثمار في العملات الرقمية، والرابط بين هذه الممارسات التي تنال من الأمن الاقتصادي وجود شخص طبيعي أو اعتباري يدعي الخبرة في تحقيق الأرباح وطرف مقابل يطمع في هذه الوعود، فيودع لديه مبالغ مالية كبيرة أملاً في استدرار الربح الوفير.

ويثار التساؤل: إلى أي مدى تصدى المُشرع الفلسطيني للاحتيال المستحدث؟

الأصل في التجريم والعقاب أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص عملاً بنص المادة (15) من القانون الأساسي، وبالنظر إلى الممارسات الاحتيالية المستحدثة نجدها تتجسد في إيهام أشخاص بأي وسيلة بتسليم أموال لتحقيق ربح بقصد النصب، وتتطلب جريمة النصب توفر أركان ثلاثة: أولاً الركن المادي في جريمة النصب يتحلل إلى عناصر ثلاثة وهي: السلوك الإجرامي أو النشاط الإجرامي، وينحصر في استعمال وسائل الغش والخداع والاحتيال والتدليس؛ الركن الثاني متمثل في النتيجة الإجرامية أي تسليم المجني عليه المال الذي يمتلكه للجاني، وأخيراً علاقة السببية التي تربط ما بين السلوك والنتيجة الإجرامية.

حيث قام المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 2014م بتغليظ عقوبة جريمة النصب المادة (1) تُعدّل المادة (301) من قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936م لتصبح على النحو التالي:

كل من حصل من شخص آخر على شيء قابل للسرقة أو حمل شخصاً على أن يسلم شيئاً قابلاً للسرقة إلى شخص آخر متوسلاً إلى ذلك بأية وسيلة من وسائل النصب والغش وبقصد الاحتيال، يعتبر أنه ارتكب جناية ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تزيد عن عشرين ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونا أو بكلتا العقوبتين معاً، وفي حالة العود تضاعف العقوبة.

أي أن المُشرع جعل الحد الأدنى للسجن 5 سنوات وفتح الحد الأقصى وفقا للسلطة التقديرية للمحكمة وفقا لوقائع كل جريمة وخطورتها.

والجدير ذكره أن المشرع استعمل عند حديثه عن الركن المادي للجريمة عبارة (بأي وسيلة من وسائل النصب والغش)، أي لم يحدد طبيعة الوسيلة التي يقع بسببها النصب وبالتالي يمكن استيعاب الوسائل الحديثة في النصب المُتمثلة في التقنيات والتكنولوجيا لأن ما جاء مطلقا يؤخذ على إطلاقه.

ومن جهة أخرى نصت المادة (143) من قانون العقوبات رقم (74) لسنة 1936م، على جريمة (مخالفة الأوامر) كل من خالف قراراً أو أمراً أو مذكرة أو تعليمات صدرت له حسب الأصول من إحدى المحاكم أو من موظف أو شخص يقوم بمهام وظيفة عمومية ومفوض بذلك تفويضاً قانونياً، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنتين، إلا إذا كانت هنالك عقوبة أخرى أو إجراءات مخصوصة مقررة صراحة بشأن تلك المخالفة.

ويمكن للجهات التنفيذية الاستناد إلى هذه المادة لإصدار قرارات تحظر ممارسات مستحدثة تهدد النسيج الاقتصادي وتنطوي على نصب واحتيال ويترتب على مخالفة هذه الأوامر والتعليمات ارتكاب جنحة مخالفة الأوامر المشروعة.

وتأسيسا على ما تقدم؛ يمكن القول بأن التجريم التشريعي للاحتيال والنصب المستحدث متحقق ضمن مظلة تشريعية جزائية قادرة على لجم هذه الممارسات إجرائياً وموضوعياً، إلا أن هذه المرجعيات القانونية لا تُغني عن التدخل التشريعي لتنظيم الإجرام الإلكتروني المستحدث بكل صوره ضمن إطار قانوني جامع يراعي الخصوصية الإجرائية من إجراءات تحقيق وخصوصية الأدلة والقرائن والمحرزات والأبعاد الموضوعية للنصوص التجريمية بما يحقق الردع العام والخاص لهذا النمط الإجرامي بعقوبات رادعة.

 

انتهى

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت