- جهاد حرب
أظهر العدوان الإسرائيلي الأخيرعلى قطاع غزة؛ الذي استهدف قادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي، نجاح سياسة الحكومات الإسرائيلية ترويض حركة حماس في قطاع غزة، وأثبت نجاح السياسة الاستعمارية "فرق تسد" التي تستخدمها حكومات الاحتلال للتفريق بين أبناء الشعب الفلسطيني، حيث استخدمتها في انتفاضة الأقصى للتفريق بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية عند اغتيالها لقيادات وازنة من حركة حماس دون ردٍ من السلطة الفلسطينية آنذاك، وفي السنوات الأربع الأخيرة مارست ذات الأسلوب ضد حركة الجهاد الإسلامي دون مشاركة في الرد على عمليات اغتيال قيادة وازنة في الجهاز العسكري لحركة الجهاد الإسلامي من قبل حماس السلطة القائمة في القطاع.
من نافل القول إنّ سياسة الحكومات الإسرائيلية تقضي بالحفاظ على السلطة القائمة في قطاع غزة لغايات إبقاء الانقسام الفلسطيني وبناء كيان في القطاع منفصل عن الضفة الغربية على أنْ يبقى مشلولاً؛ باستمرار إضعاف مقوماته الاقتصادية عبر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ العام 2006، وبتحكمه بمصادر الطاقة والموارد الطبيعية، وبإبقاء قدرته على معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ضعيفة، وبنزع الشرعية منه، وضمان عدم مشروعية وجوده السياسي بعدم قبوله من المجتمع الدولي.
كما مارست حكومات الاحتلال الإسرائيلي سياسة خلق الأزمات عبر العدوان العسكري المتكرر لإرهاق قوة فصائل المقاومة من جهة، والانشغال بإعادة الإعمار من جهة ثانية، ومحاولة تحميل حركة حماس السلطة القائمة في الحكم بقطاع غزة مسؤولية هذا الدمار وانفضاض المواطنين من حولها؛ كما فعلت في سبعينيات القرن الماضي مع قوى الثورة الفلسطينية في جنوب لبنان عند تدمير القرى اللبنانية لتحريض سكانها عليها.
تقضي سياسة الحكومة الإسرائيلية بإلحاق الاقتصاد الغزي بالاقتصاد الإسرائيلي عبر ربط أي تحسن بسيط في الوضع الاقتصادي لحركة حماس "السلطة القائمة بالحكم بقطاع غزة"؛ كإدخال بعض الأموال للمساعدات الاجتماعية، أو عبر منح تصاريح عمل لآلاف الغزيين للعمل في المدن الإسرائيلية، بمدى قدرة حركة حماس على ضبط الحدود واستتباب الوضع الأمني في البلديات والقرى المحاذية لقطاع غزة، وفقاً للمفهوم الأمني الإسرائيلي سواء كان ذلك بتنسيق مباشر أو غير مباشر. هذا بالإضافة إلى إضعاف شرعية حكم حركة حماس السلطة القائمة في القطاع باعتبارها سلطة غير منتخبة أو بمعنى أدق انتهى التفويض الشعبي الممنوح لها عبر الانتخابات التي جرت عام 2006 أي منذ أكثر من سبعة عشر عاماً، وهي في ذات الوقت عاجزة عن تقديم الخدمات العامة بجودة عالية.
هذا الترويض أفقد حركة حماس وسلطتها؛ أن يكون قطاع غزة "هانوي فلسطين" قاعدةً لانطلاق عملية التحرير من الاستعمار الإسرائيلي وللحفاظ على الشرعية الثورية، أو أنْ يكون "سنغافورة الشرق الأوسط" لبناء نظام اقتصادي متطور يحسن الأوضاع والاجتماعية للمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، أو يكون نموذجاً لدولة عصرية ديمقراطية تعزز قيم المواطنة، وتحظى بالشرعية الشعبية القائمة على الانتخابات، وتظهر قدرة الفلسطينيين وجدارتهم ببناء مؤسسات الدولة واستحقاقهم لها.
في المقابل، قد يتذرع البعض أنّ عدم مشاركة حركة حماس جاء للمصلحة العامة؛ أي للحفاظ على أرواح السكان وحمايتها، ومنع تدمير القطاع، وعدم الانجرار لمعركة يفرضها الاحتلال على المقاومة، وهو أمر في غاية الأهمية لعقنلة السلطة أو الحكام الذين يقدمون تبريراً منطقياً لتقدمهم أو تراجعهم؛ ذات الأمر ينبغي أنْ يكون في تفسير المصلحة الوطنية للخصوم عندما يكونون في الحكم وفي ذات الموقع السلطوي دون تجريمهم أو تخوينهم أو تكفيرهم. في ظني أنّ عدم المشاركة في صد العدوان جاءت للحفاظ على مصلحة حركة حماس باستمرار هيمنتها على الحكم في قطاع غزة؛ خاصة أنّها لم تبدأ أيّ معركة مع الاحتلال منذ عام 2008 إلى اليوم فيما عدا معركة سيف القدس عام 2021.
--
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت