القضية الفلسطينية .. انصرام الرد العربي الشعبي يعلّق جرس الإنذار

بقلم: فادي أبو بكر

فادي أبو بكر
  • فادي أبو بكر

لقد دفع الشعب العربي الأموال والدماء من أجل القضية الفلسطينية، على مر عقود من الزمن، وتقدّم آلاف الشباب من مختلف الأقطار العربية، ليكونوا فدائيين في ذروة الثورة الفلسطينية المعاصرة في ستينيات وسبعينيات وبداية ثمانينيات القرن المنصرم. واليوم، لا سيّما في ظل سطوة اليمين الإسرائيلي المتطرّف وسياساته المتمثلة في التصعيد غير المسبوق في عمليات القتل والإعتقال، واستمرار الاستيطان، و توظيف القضاء العنصري ضد الفلسطينيين، في مشهد هو الأكثر دموية وتنكيلاً في فلسطين منذ قرابة العقدين، يتراجع الاهتمام الشعبي في أغلب الدول العربية بالقضية الفلسطينية، في مشهد يثير التساؤلات، ويعلّق جرس الإنذار.  

مما لا شكّ فيه ان بداية العقد الماضي الذي مرّ علينا، منذ بدء ما سمّي بـ "الربيع العربي"، كان من أصعب المراحل وأدقّها على القضية الفلسطينية، فقد ساد شعور بانتهاء هذه القضية، ليحلّ محلّها اليوم مشهد التطبيع بكل ما يحمله من متغيّرات سياسية وثقافية واقتصادية. إذ رافق هذا المشهد عمليات كيّ وصهر وعي، قادتها بعض الأنظمة والأوساط السياسية العربية، التي تقول إن القضية الفلسطينية باتت ورقة سياسية بيد طهران، بسبب العلاقة الوثيقة لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك مع إيران، ثم تطرح خياراتها المشبوهة في الذهاب إلى التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.

إن غيبوبة النظام الرسمي العربي، وتعامله مع القضية الفلسطينية في إطار المجاملات القومية والعلاقات العامة في أفضل الحالات، أفضى إلى عدم وجود أية استراتيجية عربية حول الكيان الإسرائيلي، لا استراتيجية مواجهة ولا حتى استراتيجية سلام. ومن جهةٍ أخرى فإن الواقع العربي مثقل بالأعباء والتعقيدات السياسية والاقتصادية والأمنية، ويواجه الصراعات الداخلية والتحديات الاستثنائية، كما يحصل حالياً في السودان، بفعل ارهاصات ما يسمى بـ "الربيع العربي" والمؤامرات التي تديرها المنظومة الاستعمارية الغربية، التي جعلت الشعوب العربية تلهث خلف لقمة العيش، وجعلتها عاجزة عن دعم القضية الفلسطينية.

 

صحيح، أن الرأي العام العربي لا يزال يساند القضية الفلسطينية ويدعم كفاح الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه، بل ويعتبر أن هناك مسؤولية تاريخية وقومية تجاه القضية الفلسطينية، إلا أن هذا الدعم لا يترجم على أرض الواقع، باستثناء شبكات التواصل الاجتماعي، من إدانة الاحتلال الإسرائيلي ورفض إجرامه ووصمه بالكيان العنصري الإجرامي، فضلاً عن دعم المقاومة الفلسطينية، ورفع الاعلام الفلسطينية في مناسبات موسمية، كما جرى في مونديال قطر 2022.

وبرأيي، أن الاهم من كل ما سبق، الإشارة إلى أن غياب الشارع العربي وعدم غليانه بحجم الحدث يعود إلى ضياع الشارع الفلسطيني الذي يعاني من تجاذبات وتنافرات كبيرة بفعل الانقسام السياسي الفلسطيني ، وعليه فإنه لا يمكن انتظار حراك ودعم عربي شعبي بالمستوى المطلوب، إلا بإنهاء حالة الانقسام وتوحيد الصف الداخلي. حيث أن الوحدة الوطنية هي أهم عنصر من عناصر القوة الفلسطينية، وسيكون لتحقيقها وتجسيدها على الأرض حتماً انعكاسات ايجابية ليس فقط على الشارع العربي، وإنما على مستوى التضامن الدولي أيضاً ، كوننا نعيش في عالم  لا يعترف إلا بالقوة.

مهما كانت الصورة قاتمة، والمؤامرات الاستعمارية كبيرة وخبيثة، فإن القضية الفلسطينية ستبقى في قلب كل عربي، ولن تستطيع قوة على وجه الأرض أن تلغي هذه الحقيقة، ويسجّل للشعب الفلسطيني بأنه أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن وطنه، ويستحق هذا الشعب الذي يضحّي على مدار الساعة بالغالي والنفيس، أن يختفي الانقسام من أرضه وأن تُحرق هذه الصفحة السوداء من  تاريخه الناصع .. فانصتوا إلى همس الشهداء .. الصوت العالي .. الصوت الواضح .. أنصتوا لعلّكم تُرحمون..

 

فادي أبو بكر

كاتب وباحث فلسطيني

[email protected]

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت