- فاضل المناصفة
خلال الاحتفال السنوي بذكرى تأسيس حركة حماس في كانون الأول من السنة الماضية، أمهل يحيى السنوار قائد حركة "حماس" دولة الاحتلال موعدًا محددًا لإتمام صفقة تبادل الأسرى، مهددا بإغلاق الملف نهائيا في حال لم تستجب هذه الأخيرة للعرض المقدم بشروط من قبل حركة حماس، وبعد مرور 5 أشهر من تلك الدعوة المشروطة والمرفوقة بالتهديد نقرأ في موقع ايلاف مؤخرا أن السنوار قد رفض عرضا وصف ب " السخي " يتضمن الافراج عن فلسطينيين محكومين بالمؤبد، كانوا قد شاركوا في قتل إسرائيليين في عمليات تنسب الى المقاومة، بالإضافة الى نساء وأطفال وأسرى من الداخل الإسرائيلي، فهل نفذ السنوار تهديده ووعيده بإغلاق الملف أم ان للحركة الاسيرة والقيادات الأخرى في الحركة موقف آخر سيصل الى اقناع هذا الأخير بضرورة إعادة تقدير الموقف بغية عدم تفويت الفرصة لتبادل أسرى سيكون من مصلحة الحركة الأسيرة بالدرجة الأولى قبل أن يكون في مصلحة جنود الاحتلال الأربعة الموجودين في غزة ؟ وهل السنوار على حق برفضه التجاوب مع محاولة جس النبض الإسرائيلية التي تفتقد للمصداقية؟
حسب المسؤول العربي المطلع والذي نقلت على لسانه تفاصيل تلك المبادرة الإسرائيلية فان قيادات من حركة حماس قد تجاوبوا مع المقترح الأخير من باب تخفيف معاناة الأسرى الفلسطينيين، لكن كان للسنوار رأي مخالف دون أن يتم تحديد سبب رفض المبادرة، وللإشارة فان المقترح الإسرائيلي الأخير يأتي في شكل رد متأخر على المبادرة الإنسانية التي أطلقها السنوار نفسه في أبريل/ نيسان عام 2020 وقد يعزى ذلك ربما الى عدم الرغبة في تكرار نفس الخطأ الذي وقعت فيه الحركة في الصفقة السابقة حيث أقدمت إسرائيل على اعتقال جديد للأسرى المحررين في صفقة شاليط، أو أن الصفقة الجديدة لا تحمل ضمانات جدية بالإمكان البناء عليها وبالتالي فانه من الأصح أن يبقى الملف مجمدا الى اشعار آخر .
تبدي حماس اليوم نوعا من العقلانية في سياساتها بعد أن أصبحت أولوية المكاسب تسبق أولوية التصعيد وقد تكشف هذه الاستراتيجية عن فهم وإقرار بالواقع الذي تعيشه غزة والذي يتطلب الحصول على مكتسبات تخفف من وطأة الوضع، في نفس الوقت تجد حكومة الاحتلال نفسها امام تحديات أمنية جديدة لا تأتي فقط من غزة وانما من قلب الضفة، مع بزوغ تنظيمي "كتيبة جنين" و"عرين الأسود" في جنين ونابلس فضلا عن الضغوطات والانتقادات المتتالية لسياسة نتنياهو الأمنية الفاشلة من قلب حكومته ومن المتعاطفين مع عائلات الأسرى والذين يحملونه المسؤولية المباشرة عن فشل تقدم مسار صفقة التبادل، وبالتالي فان نية الاحتلال بتقديم تنازلات لغزة من ضمنها تحريك صفقة الأسرى وتقديم تسهيلات جديدة في حركة دخول وخروج السلع والأشخاص وتصاريح العمل قد تكون نابعة من فكرة شراء الهدوء والسلم و تحييد غزة من المعادلة الأمنية أطول قدر ممكن ليتم التركيز على جبهة الضفة، وقد ذهب الوسطاء المصريون في نفس الاتجاه حينما ربطوا بين تحريك صفقة تبادل الأسرى، واستقرار الأوضاع على مدى زمني طويل في القطاع.
لا شك أيضا في أن السنوار لا يملك خيارا آخر رغم التهديد بإغلاق ملف الأسرى، فالغاية في الأصل من عملية الأسر هي المقايضة وتحقيق المكاسب وإذا كانت إسرائيل مجبرة على الذهاب بعيدا في ملف الأسرى فانه من العقلاني أن يتم التفاوض معها بوساطة جادة تطرح شروطا لإتمام الصفقة تضمن الحقوق الفلسطينية، لا أن يتم الرفض لمجرد قرار شخصي لا يضع في الحسبان المعاناة التي تعيشها الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال وأن أي تعثر لصفقة تبادل الأسرى سينهي أمل الألاف من الفلسطينيين الذي يأملون بتحرك المياه الراكدة بعد 12 سنة من صفقة "وفاء الأحرار" والتي استفاد فيها يحي السنوار من الافراج، كما أن المسؤولية الأخلاقية تملي على قيادات حركة حماس أن تبقي الباب دائما أمام أي مبادرة وان تدرسها بإمعان بدل أن توافق قرارات السنوار الارتجالية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت