*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
الهدف: ألمانيا وخط نورد ستريم 2 وتصنيع الأزمات.
واشنطن وعسكرة المشاكل عبر التبصر الاستراتيجي.
في عمق هذا الاشتباك: ثمة حرب خفية، بين طويل العمر هنري كيسنجر والكارتيل المؤيد له، بصفته أي الكيسنجر هذا، المفكّر للجيل المؤسس لكارتيل النظام العالمي الجديد، وكارل شواب تبع دافوسنا في البحر الميت، بصفته المفكّر للجيل الثاني، من كارتيل النظام العالمي الجديد، وهنري كيسنجر، أكثر خبثاً ومكراً، ويؤمن بالعمل المرحلي، بينما شواب تبع دافوسنا، يؤمن بإحراق المراحل، ويمثل الجيل المتغطرس الثاني، من النظام الدولي الجديد، والمتسرّع لجني الثروة.
مدرسة كارل شواب الحمقاء، هي التي ستؤدي الى خساره كارتيل النظام العالمي الجديد لنفوذه، وعودة كارتيل النظام العالمي القديم وحلفائه، الذي يزدادون يوماً بعد يوم، الى السيطرة والتحكم من جديد، حيث المواجهة الروسية مع الأطلسي والأمريكي، لا أقول دخلت في استراتيجيات استنزاف متبادلة بين كافة الأطراف، لا بل في استراتيجيات التغوط والاستخراء الأمريكي، في ساحات ومساحات أوروبا، ونحن أمام عالم ما بعد أمريكا، كما بشّر ومنذ أكثر من عقد فريد زكريّا، في كتابه: عالم ما بعد أميركا، بتحوّل كبير يجري اليوم في العالم، ويكشف عن نهوض أمم، مقابل الانحسار الأميركي، وأروع ما في كتاب زكريا: أنّه يبشّر القوى الصاعدة، أو ما يسميها: نهوض البقية، بأنّها: ربما تتسيّد العالم خلال عقدين قادمين.
والولايات المتحدة الأمريكية، بكارتيلاتها الحاكمة والناظمة، مارست بنهم وبشراهة وتبنت، استراتيجيات متعددة، لسياستها الخارجية، وأدوار مجلس الأمن القومي الأمريكي في صناعتها، حيث لعبت فيها القوّة العسكرية، دوراً محورياً وما زالت، ونجحت في جوانب كثيرة في تحقيق أهدافها، من خلال الاستناد والاعتماد، إلى وعلى عنصر القوة النارية الماحقة، والاستخبارات القذرة، ومفاعيلها وتفاعلاتها وأفعالها، لكنها مؤخراً، وفي ظل تغير البيئة الجيوسياسية، وتعقيدات الوضع الراهن، صارت تواجه المشاكل تلو المشاكل، والتعقيدات والعراقيل، ولم تعد تستطيع تحقيق النجاحات هنا وهناك بكل سهولة مفرطة، كما في الماضي البعيد والماضي القريب كما الحال والمسألة برمتها حاضرة في الحاضر الحالي وقد تستمر في المستقبل.
وحتّى حديثاً: اعتبرت مؤسسة، الأمن السيبراني الأمريكي، في عقيدتها واستراتيجيتها، أنّ الفدرالية الروسية خطر خطير وكبير وعميق، والصين خطر متسارع، وكوريا الشمالية وايران خطر مستمر، وبالتالي صار التعليم الاستراتيجي في أمريكا، ربما أصبح ببساطة مطلقة، طقسا من طقوس الاجتياز لمرحلة أكاديمية، بدلاً من أن يكون شيئاً، يتم وضعه موضع التنفيذ، حيث الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، ولكن بالمقابل: يجب على الاستراتيجيين، والسياسيين، والقادة العسكريين، أن يدركوا نوع الحرب التي يخوضونها ولا يخطئون فيها، ولا يحاولون تحويلها إلى شيء، لا يمكن أن يكون، بسبب طبيعة الظروف.
الاستراتيجية الامريكية، فشلت في أفغانستان والعراق، والتي بلغت تكلفتها 6 تريليونات دولار، وقادت بنتائجها الى المزيد من تغيير النظام في ليبيا، مما أغرق ذلك البلد في حرب أهلية (وحرب لاحقة بالوكالة)لا تزال مستعرة حتى يومنا هذا، وكما فشلت ذات الاستراتيجية الأمريكية في سورية، وأحبطت المحاولات الغربية المختلفة، والمتعدد بالتعاون مع جلّ العرب، للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بسبب الصمود السوري، والدعم الروسي والإيراني، مما ضمن ويضمن بقاء الأسد ونسقه السياسي وجيشه العربي، مسيطراً بقوة، حيث الجوهر قوّة المنطق والفعل، لا منطق القوّة الذي يمارسه الغرب بإسهال مائي شديد.
وفشلت الاستراتيجية الأمريكية، في ردع ومنع روسيا، عن عمليتها العسكرية الضرورية والمستحقّة، في جورجيا في عام 2008 أو في استعادة القرم انتخابياً وعسكرياً في عام 2014 م، ومرة أخرى في عام 2022 م العملية العسكرية الروسية الخاصة المشروعة في الداخل الأوكراني، وأخيراً وليس آخراً، الفشل الأمريكي مع جلّ الموضوع الصين، فإن الإجماع المتشدد الناشئ في واشنطن، على أن الصراع مع الصين مرجح بشكل متزايد، إن لم يكن حتمياً، يخاطر بإضفاء الطابع الأمني المفرط، على كل جانب من جوانب العلاقة بين الولايات المتحدة والصين.
والسؤال الجوهري: كيف وصلت واشنطن الى سلّة الفشل الاستراتيجي هذه؟ والجواب: لقد كسبت الولايات المتحدة على الأقل منذ التحول الصناعي، حروبها(عندما فازت بها)من خلال الاستخدام الساحق للقوّة والقوّة النارية، ولقد أنتجت أمريكا، عبر المجمّع الصناعي الحربي، وبشكل مستمر وأساسي، كميات مذهلة من المواد الحربية، التي تم جلبها مباشرة، للتأثير على خصوم محددين بوضوح، وتقليديين لم يتمكنوا من مضاهاتها أو الصمود أمامها، وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يكن جميلا بالضرورة، إلا أنه كان فعّالا، وأصبح هذا النهج الخطي للغاية للحرب، هو دليل اللعب الاستراتيجي الافتراضي لدى منظومات الحكم الأمريكي والكارتيلات المسيطرة.
ولسوء حظ أمريكا، غالبا ما يكون مثل هذا النهج الخطي للحرب، غير كاف في بيئات شديدة التعقيد ومترابطة، وتعد التحديات في عالم اليوم متعددة الأبعاد، ولا تمثل في كثير من الأحيان، مركز ثقل عسكري يمكن تحديده بوضوح، ناهيك عن مركز، يمكن ترجمة أضراره أو دماره، بسهولة إلى أهداف سياسية.
وقد يعالج هذا المسار والرتم الاستراتيجي، المشكلة الأساسية، فبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ الإجابة النموذجية هي: عسكرة المشاكل، التي قد تستعصي على الحلول العسكرية البحتة، ويبدو أن قيادة الأمن القومي هناك غير قادرة، حتى بعد كميات هائلة مما يسمى بالتعليم الاستراتيجي لكثير من الطلاب والاستراتيجيين، على النظر إلى تحد استراتيجي ناشئ، وتسأل نفسها بنفسها، عن ما هي خصائصه ومتطلباته الفريدة؟.
وهل لدى واشنطن بالفعل، الأدوات والقدرات والإمكانيات، لتحقيق النتائج السياسية المرجوة؟... وبسبب افتقارها إلى هذه القدرة، فإنّها غالبا ما تعتمد، بشكل غير فعّال في أحسن الأحوال وبشكل كارثي في أسوأ الأحوال، للاعتقاد السام بأنه إذا استخدمنا القوّة الكافية، فيمكننا تحقيق أي هدف نرغب فيه... وهي لم تعد تدرك: أنّه ليس كلّ شيء متاح أو ممكن.
أمريكا في العمق وبدلاً، من التعلم من أخطائها السابقة، فإنّها تضاعف من الأساليب الاستراتيجية الفاشلة، وبشكل هيستيري متفاقم ومتعدد الأوجه، بحيث نفس الأصوات التي سيّرت وقادت أمريكا، إلى الفشل الاستراتيجي في العشرين سنة الماضية، لا تزال تلوح في الأفق الأمريكي المؤسساتي بشكل كبير، في كواليس ومنحنيات، المناقشات الأمنية الحالية والمعاصرة.
حسناً: يتساءل اليانكي الأمريكي: ما هو العمل لتثقيف قادة الأمن القومي؟... ويجيب: إنّ البيئة الاستراتيجية الأمريكية، المعقدة في نهاية المطاف، تتطلب اليوم مجموعة مختلفة، اختلافاً جوهرياً من المهارات، ويتعين عليه أيضا – على اليانكي، أن يعترف وبعمق: بأنّ التحديات الاستراتيجية مفرطة الترابط اليوم، ليست قابلة للحل، بقدر ما هي قابلة للإدارة فحسب، ويمكن أن يساعد التبصر الاستراتيجي، الذي يتضمن ممارسة تصور مستقبل بديل، من أجل تحسين الشعور بالتغيير، وتشكيله والتكيف معه.
ويستعرض عقل اليانكي التالي: وبينما تنتقل أمريكا، إلى بناء منصات وحلول بيانات قائمة على الذكاء الاصطناعي، يجب علينا أيضاً، يقول: لا بدّ من تطوير رأس المال الفكري بشكل متعمد، ويتطلب الارتقاء إلى مكانة عالية في الأمن القومي أكثر من مجرد شراء الأشياء أو تطوير أنظمة الأسلحة أو متابعة التقنيات التخريبية، ويتطلب من المتخصصين في مجال الأمن القومي، أن تكون لديهم القدرة المعرفية للاستفادة منها، والعمل على عسكرتها لهذه القدرة المعرفية.
جلسات العصف الذهني المخابراتي والتفكيري، لجلّ الورش التي يعقدها اليانكي الأمريكي، تتموقع وتتموضع: في أنّهم بحاجة إلى نهج جديد، للتعليم الاستراتيجي، ينتج قادة متواضعين، وغير مصابين بالجمود، أو ما هو أسوأ من ذلك، غير مدفوعين إلى سلوكيات افتراضية عفا عليها الزمن، بسبب عدم اليقين، الذي لا مفر منه في عالم اليوم المعقد – عالم الفوكا، هم بحاجة إلى المزيد من القادة(كما يتحدثون)الذين يمكنهم، عند الاقتضاء، قول: لا، ربما لا يمكننا تحقيق ذلك من خلال الوسائل العسكرية، لكننا قد نكون قادرين على القيام بذلك، باستخدام مجموعة الأدوات المتاحة لدينا.
والابداع الأمريكي الخلاّق، يكمن فقط: في التخريب، واستراتيجيات التغوط والأستخراء، في أوكرانيا وأوروبا، خدمة لمصالحها الضيقة، واليكم التفاصيل، وكيف ترقص الشياطين على رؤوسها هنا:
المصلحة الأساسية للولايات المتحدة، والتي من أجلها تخوض الحروب، على مدى قرون من الزمن، بما في ذلك الحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة، والان الحرب مع روسيا، بصورة غير مباشرة، عبر الأطلسي من خلال البيادق الأوكرانية النازية الفاشية، كانت وما زالت: موضوع العلاقة بين ألمانيا وروسيا، لأن اتحاد البلدين معاً، يشكل القوة الوحيدة، التي يمكن أن تهدد أمريكا والغرب، ويجب العمل وبقوّة، على أن لا يحصل هذا الاتحاد، بأي صورة من الصور.
الى حد ما، لا علاقة للأزمة الأوكرانية الحالية بأوكرانيا، إنما الأمر يتعلق بألمانيا، وعلى وجه الخصوص، بخط الأنابيب الذي يربط ألمانيا بروسيا(نورد ستريم- 2 )، والذي تم تفجيره ضمن مخطط محكم ومعقد وقادح، من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، من خلال مجاميع أوكرانية نازية فاشية، والشيء الوحيد المؤكد في هذه الفترة الحرجة، هو أنّ كل ما تقرره برلين، سيؤثر على أمريكا وأوروبا، حيث المستفيد الأول والأخير، من تعطيل هذا الخط نورد ستريم – 2 : هي واشنطن وكارتيلات الطاقة فيها.
ومن هنا يمكننا أن نفهم لماذا وكيف أنّ واشنطن، تعتبر خط الأنابيب نورد ستريم- 2 هذا، تهديداً لمصالحها وأولوياتها في أوروبا، وهي لم تهمل مناسبة إلاّ وحاولت فيها وعبرها، عرقلة سير المشروع، ومع ذلك، استمر نورد ستريم- 2، وبات جاهزاً للانطلاق، وبمجرد أن يقدم المنظمون الألمان المصادقة النهائية(طبعاً هذا كلّه قبل المواجهة الروسية الأطلسية الحالية - نحن نشرح لنفهم المزيد من الأسباب للمسألة الأوكرانية) وستبدأ عمليات توصيل إمدادات الغاز الروسي إلى كل أوروبا، وسيكون للمنازل والشركات في ألمانيا، مصدر موثوق للطاقة النظيفة وغير مُكلفة، بينما ستشهد روسيا زيادة كبيرة في عائدات الغاز، إنه وضعٌ مربحٌ للطرفين ليس مجرد خط أنابيب بالطبع(هكذا الحال قبل المواجهة الحالية مع روسيا).
انّ إدارة السياسة الخارجية الأميركية، ليست سعيدة بهذه التطورات، ولما يوفره ويتيحه، هذا الخط الغازي من امتيازات هائلة للطرفين الروسي والألماني، وبالتالي الأوروبي، إنّهم لا يريدون، أن تصبح ألمانيا أكثر اعتماداً على الغاز الروسي، لأنّ التجارة تبني الثقة، والثقة تؤدي إلى توسيع الأعمال التجارية وغير التجارية، وكلما ازداد دفء العلاقات، يتم رفع المزيد من الحواجز التجارية بين البلدين، ومعها يتم تخفيف اللوائح والشروط، وينتعش قطاعا السفر والسياحة، وتنشأ بنية أمنية جديدة بين البلدين.
عندها فقط: تكون ألمانيا وروسيا، دولتين صديقتين وشريكين تجاريين، ليست هناك حاجة لقواعد عسكرية أميركية، ولا حاجة لأنظمة صواريخ وأسلحة أميركية باهظة الثمن، ولا حتى لوجود حلف شمال الأطلسي، ليست هناك حاجة أيضاً إلى التعامل، مع صفقات الطاقة بالدولار الأميركي، وعمليات الدولارة، حيث المعركة معركة الدولار، أو تخزين سندات الخزانة الأميركية، لموازنة الحسابات المختلفة والمتعددة، ويصبح بالإمكان والمتاح الممكن، إتمام المعاملات بين شركاء الأعمال مباشرة، وبعملاتهم الوطنية الخاصة، وهذا يساهم في خفض قيمة الدولار بشكل كبير، وإحداث تحول كبير في القوة الاقتصادية.
خلاصة الفكرة: هذا هو السبب الرئيسي لمعارضة إدارة جو بايدن مشروع نورد ستريم-2، إنّه ليس مجرد خط أنابيب، إنه نافذة على المستقبل، مستقبل تتقارب فيه أوروبا وآسيا معاً، في منطقة تجارة حرة وضخمة، تزيد من قوتهما المتبادلة، وازدهارهما المشترك، مستقبل تصبح فيه الولايات المتحدة مستبعدة ومحبطة.
لذلك رأت الدولة العميقة في واشنطن، وقبل بدء الحرب الأوكرانية الحالية، أنّ علاقات أكثر دفئاً بين ألمانيا وروسيا، ستكون بمثابة مؤشر إلى نهاية النظام العالمي الأحادي القطب، الذي استفردت الولايات المتحدة بقيادته على مدار السنوات الطويلة الماضية، كون التحالف الألماني - الروسي من شأنه، أن يُسرّع انحدار القوة العُظمى، التي تقترب حالياً من الهاوية، هذا هو السبب في أن واشنطن، مصممة على بذل كل ما في وسعها لتدمير نورد ستريم - 2، وإبقاء ألمانيا في مدارها، إنّها مسألة بقاء مبدأ فرّق تَسُد، هنا يكمن موقع أوكرانيا في الصورة العامة للوضع الراهن، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية، بدفع الناتو وأوروبا في المواجهة الروسية الأطلسية الحالية، عبر نظام كييف النازي الفاشي، من خلال الدمية فلاديميرو زيلنسكي، فكانت أوكرانيا وجغرافيتها المتقيحة بالإرهاب البيولوجي والمختبرات والنازيين والفاشيين الجدد وجلّ مسألتها أيضاً: هي السلاح المفضّل لأمريكا: لنسف نورد ستريم -2، ووضع إسفين عميق بين ألمانيا وروسيا.
وهنا لا بد من الإشارة التالية: انّ نشر الولايات المتحدة وألمانيا، نتائج تحقيقات متطابقة، في قضية تفجيرات نورد ستريم - 2 في الوقت نفسه، دليل على وجود تلاعب متعمد، في نشر معلومات بهذا الصدد، لحرف التحقيقات، عن الدور الأمريكي الواضح، والذي يقف بقوة تخطيطاً وتنفيذاً، خلف نسف هذا الخط الغازي الهام.
إنّ العملية كانت مقنّعة: تحت غطاء تمرين حلف شمال الأطلسي، الذي تم الإعلان عنه على نطاق واسع، في منتصف صيف عام 2022 م، والمعروف باسم عمليات البلطيق 22، الذي أُجري في شهر حزيران الماضي، وبحسب المعلومات المتوفرة: فإنّ الغواصين الأميركيين في أعماق البحار، استخدموا تدريبات عسكرية للناتو كغطاء، وزرعوا ألغاماً على طول خطوط الأنابيب التي تم تفجيرها لاحقاً عن بُعد، بالتعاون مع مجاميع إرهابية من الاستخبارات الأوكرانية.
وقد أطلقت الاستخبارات الأمريكية، على هذه العملية في بحر البلطيق وبحر الشمال اسم: العملية السوداء، التي أمر بها الرئيس جو بايدن، والهجوم نفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بالتعاون مع النرويج وكييف واستخباراتهما.
كون البيت الأبيض، كان يخشى من أن تتوقف ألمانيا وأوروبا الغربية، عن تزويد الأسلحة التي تريدها أوكرانيا، وأنّ ألمانيا قد تعيد تشغيل خط الأنابيب ذاته، وهذا كان مصدر قلق كبير في واشنطن، مع الإشارة إلى أنّ رئيس الولايات المتحدة، يفضّل أن يرى ألمانيا تتجمد، بدلاً من أن تتوقف برلين عن دعمها لأوكرانيا، وهذا بالنسبة اليه، أمر مدمّر للبيت الأبيض.
وما لم يُقَل بعد وحتّى هذه اللحظة: هو أنّ روسيا لم تغزُ أي دولة منذ تفكك الإتحاد السوفييتي، وأنّ الولايات المتحدة هي التي غزت، وأطاحت بأنظمة في أكثر من 50 دولة في نفس الفترة الزمنية، وهي من يحتفظ بأكثر من 800 قاعدة عسكرية في مختلف أنحاء العالم، حيث وسائل الإعلام، لا تتحدث أبداً عن هذه الوقائع والحقائق والمسلّمات، لكنها توظف كل إمكاناتها وتركيزها على(بوتين الشرير)الذي حشد نحو أكثر 100 ألف جندي روسي، على طول الحدود الأوكرانية، و ويهدّد بإغراق أوروبا بأكملها، في حرب دموية أخرى، انّ الاعلام الغربي والامريكي، هو اعلام رأي لا اعلام خبر، ومعه بعض اعلام التسلية، في بعض الساحات والمساحات والزنقات العربية.
كل هذه الدعاية الحربية الهستيرية الغربية الأمريكية، تتم بهدف تصنيع أزمة، يمكن استخدامها لعزل روسيا وشيطنتها، وفي النهاية تقسيمها إلى مجموعات صغيرة، ومع ذلك، فإنّ الهدف الحقيقي ليس روسيا، بل ألمانيا.
لقد كان الخيار الوحيد، المتبقي أمام الدبلوماسيين الأميركيين، لمنع عمليات الشراء الأوروبية(قبل المواجهة الروسية الأطلسية الحالية)هي جرّ روسيا للقيام بعمل عسكري، ثم الادعاء بأنّ الانتقام من هذا الفعل، يفوق أي مصلحة اقتصادية وطنية بحتة، وعلى ما أذكر كمتابع: هذا ما أوضحته وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية المتشددة، فيكتوريا نولاند، عندما قالت في إيجاز صحفي لوزارة الخارجية في 27 يناير من عام 2022 م: إذا غزت روسيّا أوكرانيا بطريقة أو بأخرى، فإن نورد ستريم- 2 لن يمضي قدماً.
الموضوع بالأبيض والأسود هو: فريق بايدن أراد حثّ روسيا على ارتكاب عمل عسكري، من أجل تخريب نورد ستريم -2، وهذا يعني أنه سيكون هناك نوعاً من الاستفزاز، يهدف إلى حث بوتين على إرسال قواته، عبر الحدود للدفاع عن الروس في الجزء الشرقي من البلاد، وإذا بلع بوتين الطُعم، فسيكون الرد سريعاً وقاسياً، سوف تنتقد وسائل الإعلام هذا العمل، باعتباره تهديداً لأوروبا بأكملها، بينما سينتقد القادة في جميع أنحاء العالم بوتين باعتباره(هتلر الجديد)، هكذا كان الخبث الأمريكي فقط وفقط: في استراتيجيات التغوط أو الاستخراء في الحمّام الأوكراني، حيث اخراج فضلات الطعام.
والروس كانوا يعلمون كل ذلك وأكثر، واستعدوا له جيداً: مالياً وعسكرياً ومخابراتياً ودبلوماسياً واعلامياً، لذلك هم دخلوا في عملية عسكرية خاصة ومشروعة، في الداخل الأوكراني، انّه القتال على عتبة البيت الروسي، انّه دخول وتدخل الضرورة، وكل الخيارات على الطاولة مطروحة، بما فيها الخيار النووي.
هذه هي باختصار: إستراتيجية التغوط الأمريكية في الداخل الأوكراني، لا بل لشطب أوروبا كونها ساحة تنافس لأمريكا، انّها استراتيجية الأستخراء في الحمّام - ليس فقط الحمّام الأوكراني، بل الأوروبي الافرنجي، والإنتاج بأكمله، يتم تنسيقه بهدف واحد، لجعل من المستحيل سياسياً: على المستشار الألماني أولاف شولز أن يلوّح بـورقة نورد ستريم – 2، لذلك: ها هو يخطط للتواصل، مع الرئيس فلادمير بوتين من جديد.... والناتو غبار بشهادة طويل العمر كيسنجر، ان انتصرت روسيا وهي تنتصر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت