التحالف الديمقراطي حاجة موضوعية

بقلم: أسامة خليفة

  •    أسامة خليفة
  • باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

أهم ما يميز قوى اليسار كتيار فكري وسياسي عن غيره من القوى الموازية ( يمين، وسط..) هو الموقف الأيديولوجي من  مسألة التغيير الاجتماعي، والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، والمساواة بين أفراد المجتمع، وفي الحالة الفلسطينية تتشارك القوى اليسارية الفلسطينية مجموعة قناعات وأهداف وسياسات، من أهمها: قناعتها بوجود ترابط بين النضال الوطني والنضال الاجتماعي، وطموحها إلى التعبير عن مصالح فئات الشعب الفلسطيني الكادحة والمحرومة، ونضالها الحازم من أجل ضمان وحدة منظمة التحرير الفلسطينية والتمسك بها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، ورفض وإحباط أية محاولات لاصطناع البدائل أو القيادات الموازية لها، والتجديد الديمقراطي لمؤسساتها واستعادة اللحمة بينها وبين جماهير الشعب عبر انتخابات عامة وفق نظام التمثيل النسبي الكامل تشارك فيها جميع القوى الفلسطينية بما يعزز الوحدة الوطنية على أساس احترام قواعد الائتلاف والتوافق الوطني والتعددية والشراكة في صنع القرار، والنهوض بدور «م.ت.ف» إزاء جماهير شعبنا في بلدان اللجوء والشتات بضمان مشاركتهم الفاعلة في عملية صنع القرار الوطني، ورعاية حقوقهم المدنية في بلدان اللجوء على أساس المساواة مع سائر المواطنين في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمدنية، وإعادة إعمار المخيمات المدمرة في سوريا ولبنان (اليرموك، ونهر البارد، حندرات، درعا..) وعودة سكانها إليها انطلاقاً من أن الحفاظ على المكانة السياسية- القانونية للاجئ والمخيم هو الضمان لاستمرار إعلاء حق العودة.

كما تتشارك قوى اليسار في سعيها الدؤوب للحفاظ على استقلالية الحركة الوطنية الفلسطينية في مواجهة كل أشكال الوصاية العربية، ورفضها انخراط منظمة التحرير الفلسطينية في سياسة المحاور العربية، وإدراكها أهمية الترابط بين النضال الوطني الفلسطيني وبين النضال العربي من أجل التحرر والتقدم والوحدة، وبين النضال الوطني الفلسطيني والنضال التحرري والتقدمي على مستوى العالم.

 هذه الأهداف المشتركة بين قوى اليسار تؤهلها للتقارب والتحالف في إطار سياسي وتنظيمي يسعى بفعالية أوفر لأجل الأهداف الوطنية وعلى رأسها إنهاء الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني.

خبرت الجماهير الفلسطينية تجارب لتوحيد القوى التي تعارض مركز القرار السياسي، جبهة الرفض، جبهة الإنقاذ، والتحالف الوطني، والفصائل الفلسطينية العشر، والقيادة المشتركة بين الجبهتين الديمقراطية والشعبية الخ... تجارب أثارت الجدل حول جدواها واستمراريتها وما حققته من تأثير في العمل السياسي الفلسطيني، لاسيما في منع اليمين الفلسطيني من التقدم في مسار التسوية، وتقديم المزيد من التنازلات وعقد الاتفاقات التي وصفت بأنها مذلة، وأضرت بالقضية الوطنية ضرراً بالغاً، ومنها التحالف الديمقراطي الفلسطيني التجربة الأهم لقوى اليسار التي عرفتها الساحة الفلسطينية عقب الانقسام الذي وقع في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية عام 1983، الاستفادة من هذه التجارب، والوقوف أمام عوامل وأسباب نجاحها أو فشلها، واستخلاص الدروس والعبر، من متطلبات قيام تحالف يضطلع بالمهام الملقاة على عاتقه بنجاح، ولاسيما التحالف بين القوى اليسارية الفلسطينية، حيث شهدت تجربة التحالف الديمقراطي في ثمانينيات القرن العشرين نجاحاً في وقت كان اليسار الفلسطيني في حالة مد، وأثمرت جهوده في مهمة العمل على استعادة وحدة منظمة التحرير الفلسطينية وعقد دورة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في نيسان/أبريل 1987.

في كانون الثاني/ يناير 2018 تم الإعلان عن تشكيل «التجمع الديمقراطي الفلسطيني» الذي يضم 5 فصائل (الجبهة الديمقراطية+ الجبهة الشعبية + حزب الشعب+ فدا+ المبادرة الوطنية) أثار تشكيله ردود فعل واسعة ومتباينة ما بين الترحيب به والتعويل عليه لتصويب الخريطة السياسية والحزبية الفلسطينية التي يتقاسم قطبيها الحركتين المتنازعتين فتح وحماس، وما بين وجهات نظر قللت من أهمية تشكيل التجمع على خلفية لا تخلو من الإحباط التي لا ترى مخرجاً مرئياً من النفق الذي دخلته الحالة الفلسطينية على يد الانقسام والسياسات الخاطئة وفي مقدمتها مواصلة الرهان على بقايا أوسلو.

إلى جانب المنظمات الخمس يضم التجمع مؤسسات أهلية وحراكات شعبية منها: ( شبكة المنظمات الأهلية، والحراك الوطني الديمقراطي، وحراك وطنيون لإنهاء الانقسام، وشخصيات وطنية ديمقراطية مستقلة)، ما يعني أن مكونات هذا التجمع تشمل العشرات من الأطر والأفراد التي تعكس تمثيل مختلف القطاعات في المجتمع الفلسطيني: شباب ، امرأة، عمال، فلاحين، مهنيين... والتي تتمثل بشكل واسع في الهيئات واللجان التي دأب التجمع على تشكيلها منذ الاتفاق عليه وإعلان قيامه.

إن أهمية المضمون الديمقراطي للتجمع في عضويته وفي أهدافه باعتباره يسعى إلى تشكيل تيار عريض مناهض للسياسات التي أدت إلى الانقسام وتسعى إلى إدامته، جنباً إلى جنب مع تصعيد الضغط السياسي والشعبي من أجل إنهائه وتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي، بالتحرر من التزامات المرحلة الانتقالية بموجب اتفاقات أوسلو، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني، والانفكاك من علاقات التبعية الاقتصادية التي يكرسها بروتوكول باريس بحظر إدخال البضائع الإسرائيلية ذات البديل المحلي إلى السوق الفلسطينية، والتطبيق الحازم لقانون مقاطعة المستوطنات، وإعادة صياغة ضريبة القيمة المضافة والتعرفة الجمركية بما يضمن حماية  وتشجيع الإنتاج الوطني، وإلغاء الإجراءات التي اتخذتها السلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة. إن التحالف الديمقراطي بات حاجة موضوعية، فالبرنامج الكفاحي الذي تتطلبه طبيعة المرحلة يحتاج إلى رافعة تحمله وتناضل من أجل جعله استراتيجية يلتف حولها الشعب. 

جرى حوار مبكر بين مكونات اليسار الفلسطيني حول الأسباب السياسية والنضالية الموجبة لتأسيس وإطلاق «التجمع الديمقراطي»، ليس الانقسام الفلسطيني وحده من دواعي هذا التحالف، بل مجمل الممارسات التي أدت إلى استفحال الأزمة التي يعاني منها المشروع الوطني في ضوء الطريق المسدود الذي انتهى إليه مسار أوسلو، مما يتطلب استراتيجية وطنية جديدة تحرر القضية الوطنية من مأزقها وتفتح الطريق لاستئناف النهوض الوطني، ويضع حداً لعملية الارتداد عن المسيرة الديمقراطية في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء، حيث يستفحل تغول السلطة التنفيذية في ظل تعطيل السلطة التشريعية والتنصل من استحقاق الانتخابات والتطاول على استقلال القضاء والتأسيس لنظم استبدادية تحكم بالمراسيم الرئاسية من ناحية، أو بالقرارات الفئوية المفروضة للقوة المسلحة من ناحية أخرى.

وما زالت محاولات إحياء وترميم المؤسسات تصطدم بأساليب التسويف والمماطلة والإصرار على منطق الهيمنة والتفرد والتنكر لمبادئ القيادة الجماعية والشراكة الوطنية، ويتم إلحاق الشلل المتعمد بهيئات منظمة التحرير الفلسطينية، وتعطيل قرارات مؤسساتها التشريعية وبخاصة ما يتعلق بالخروج من مسار أوسلو والتحرر من قيوده المجحفة.

إن لجم هذا التدهور وإنقاذ القضية الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية من تداعياته المدمرة بات يتطلب وحدة عمل جميع القوى والمؤسسات والشخصيات الديمقراطية الحريصة على المشروع الوطني الديمقراطي، لبناء كتلة شعبية متنامية ضاغطة على قطبي الصراع على السلطة، واستنهاض المعارضة الجماهيرية لسياستهما من أجل إنهاء الانقسام، والتصدي لمجموعات المصالح التي تصر على تعميقه، ومن أجل التحرر من قيود أوسلو، ومواجهة ممارسات التفرد والاستبداد دفاعاً عن الديمقراطية والشراكة الوطنية.

استجابة لهذه الحاجة تلاقت القوى والمؤسسات والشخصيات على ضرورة إقامة «التجمع الديمقراطي الفلسطيني» كصيغة ائتلافية تعمل داخل إطار منظمة التحرير الفلسطينية وعلى المستوى الشعبي وتبقى مفتوحة لسائر القوى والفعاليات التي توافق على العمل المشترك وفق برنامج عمل وطني، يتصدر النضال ضد الاحتلال رأس أولويات البرنامج النضالي للتحالف، وتوظف لأجله كل الطاقات الكفاحية، ويتحقق معه الربط الجدلي بين النضال الوطني والنضال الاجتماعي من خلال تبني قضايا ومطالب الفئات الاجتماعية الكادحة والمحرومة التي تطمح إلى تمثيلها، وبلورة سياسات تنموية بديلة تكون في صالح هذه الفئات، وأن تعيد الاعتبار للمنظمات النقابية والمهنية التي طغت عليها وهمشت دورها المنظمات غير الحكومية المعتمدة على التمويل الخارجي، والتي نجحت في استقطاب العديد من كوادر القوى اليسارية، مما يتطلب أولاً تجاوز البلبلة الفكرية التي أصابت القوى اليسارية، بإعادة تعظيم قيم اليسار التي آمنت بها وناضلت من أجلها على مر تاريخها الطويل، وأن تعمل على ضمان الوجه المستقل لليسار إزاء القطبين الرئيسيين في الساحة الفلسطينية، وهو ما لم يتحقق إلا من خلال الالتزام الدقيق بمبدأ وحدة- صراع- وحدة، الذي يحكم تحالفات قوى اليسار في مرحلة التحرر الوطني، فضرورات التحالف مع حركة فتح في إطار النضال الوطني ضد الاحتلال لا تعني تمرير كل التوجهات السياسية لهذه الحركة في الميدان الوطني، ولا تنطبق على السلطة الفلسطينية التي تنتهج على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وعلى صعيد الحريات الديمقراطية نهجاً ينبغي على القوى اليسارية مقاومته، كما أن ضرورات التحالف مع حركة حماس في مقاومة الاحتلال والتصدي لاعتداءاته، لا يجب أن يحول دون وقوف قوى اليسار موقفاً حازماً من برنامج هذه الحركة الاجتماعي والتربوي والثقافي المتخلف، الذي يسعى إلى فرضه على المجتمع، ولا بد لقوى اليسار من أن تواجه بحزم السياسات الرامية إلى إدامة الانقسام داخل الحركة الوطنية الفلسطينية وتكريس الفصل بين الضفة وقطاع غزة.  

 وينبغي أن تدافع بحزم عن الطابع العلماني والديمقراطي للدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، وتعلي من شأن النضال من أجل تحرر المرأة ومساواتها والوقوف في وجه كل الممارسات الاجتماعية المتخلفة التي تستهدف الحط من مكانتها في المجتمع، ومن أجل تمكين الفئات الشابة من الاضطلاع بدورها في النضال الوطني والاجتماعي وفي قيادته.  

شهد مطلع العام 2017 حواراً مبكراً بين مكونات اليسار الفلسطيني، وفي كانون الثاني/ يناير 2019 تم الإعلان عن اللائحة الداخلية للتجمع الديمقراطي الفلسطيني حيث برنامج العمل المشترك وبيان التجمع الديمقراطي يشكلان المرجعية السياسية، وفي التسلسل الهيكلي من الأدنى إلى الأعلى للجان تتكون قاعدة الهرم من اللجان التوجيهية للقطاعات، يليها اللجان التوجيهية للمحافظات، ثم اللجنة التوجيهية المركزية العامة التي حلت محل اللجنة التحضيرية، وهي الهيئة التنفيذية، والهيئة العليا، تتشكل من ممثلي القوى الديمقراطية الخمس والمؤسسات الأهلية والحراكات الشعبية والشخصيات الديمقراطية المستقلة، تحدد بالتوافق منسقاً دورياً بالتناوب كل شهرين يرأس أعمال أمانة السر المركزية ويدير أعمال اللجنة التوجيهية المركزية العامة.

وفي حال انعقاد المجلس العام على مستوى الضفة أو القطاع أو معاً، فهو المرجعية للتجمع، وضمت هيكلية التجمع العديد من اللجان في مختلف القطاعات العمالية والنسوية والشبابية والطلابية والثقافية والتنموية والنضالية والإعلامية والبحثية والمهنية المتنوعة وعلى كل المستويات.

على مدى عامين تم دراسة وصياغة اللائحة الداخلية بحرص وتأنٍ وبذلت الجهود المشتركة على الحوارات وإعداد الأوراق والوثائق، وهذا أمر هام لكن لابد من المضي والسعي نحو إطلاق مبادرات توحيدية في أتون النضالات الوطنية والمطلبية والديمقراطية وإعطاء مساحة أوسع للقواعد الجماهيرية والكوادر الحزبية الوسيطة في بناء هذا التحالف، التزاماً بتعبئة الأطر للانخراط في المشروع الكبير وتوفير المستلزمات الضرورية لمأسسته، وبالتالي يجب توفير الإرادة السياسية الحازمة انطلاقاً من قناعة بأن قضية الوحدة باتت خياراً مباشراً وأساسياً للمنخرطين في التجمع، وبالتالي يفترض تحمُّل المسؤولية الوطنية عدم الإفلات من التحالف عند أول فرصة في الحصول على مكسب حزبي في إطار آخر على حساب المصلحة التحالفية.

عقب تكليف د. محمد اشتية بتشكيل الحكومة الفلسطينية التي أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس الفلسطيني، في 13 أبريل 2019، رفضت الجبهتين الديمقراطية والشعبية والمبادرة الوطنية المشاركة في هذه الحكومة، بينما وافق الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني «فدا»، وحزب الشعب، على المشاركة بوزير لكل منهما، في موقف يتعاكس مع برنامج التجمع وموقفه من المشاركة، على ذلك عقدت اللجنة التوجيهية للتجمع الديمقراطي الفلسطيني اجتماعاً في 9/4/2019 أعادت فيه التأكيد على ما جاء في إعلان التجمع بشأن الحكومة من أن الأزمة السياسية أعمق من أن تجد حلها بمجرد تشكيل الحكومة، وأن علاجها ومواجهة التحديات المحدقة بقضيتنا الوطنية يتطلب إجراء حوار وطني شامل يفتح الطريق أمام انتخابات عامة للرئاسة وللمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني، وبحثت اللجنة في قرار حزب الشعب و«فدا» المشاركة في الحكومة، وأصدرت في 13/4/2019 بياناً أكدت فيه مجدداً على موقف التجمع الرافض للمشاركة في حكومة أشتية، لأن صيغة الحكومة وشروط تشكلها لا تلبي متطلبات المرحلة، وأن قرار حزب الشعب الفلسطيني والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني «فدا» يتعارض مع موقف التجمع ومع ما ورد في برنامج عمله المشترك، ومع احترام الاستقلالية السياسية والتنظيمية لجميع أطرافه يأمل التجمع أن تقوم الهيئات القيادية لكلا الحزبين بمراجعة موقفهما خلال الفترة القادمة بما ينسجم مع برنامج العمل المشترك للتجمع، تعثرت تجربة بناء التجمع الديمقراطي الفلسطيني، بعد أشهر من تشكلها.

تحالف قوى المعارضة كان خياراً توافقيّاً، وجد أمامه تحدّيات كبيرة، كان يمكن تذليلها إن توافرت الإرادة والمسؤوليّة الوطنيّة، في عمره القصير لم تتح للتجمع فرصة لتحقيق إنجازات، وهذا يحتاج إلى وقت، في توطيد العلاقات النضالية مع الجماهير، وإتاحة الفرصة للشباب الواعي، ليكونوا شركاء في صنع القرار، والاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية للجماهير، والدفاع عن حقوق العمال والموظفين وسائر الكادحين والفئات الوسطى بما فيها حق العمل والأجر اللائق والعيش الكريم والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي الشامل.

فلن يفرض التحالف نفسه كضرورة إلا حين تؤيده قوى اجتماعية وشعبية، تلمس الوضوح في الأهداف والجدية في الممارسة نحو ما طرح من توجهات وأولويات الدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية للمواطنين والتصدي لأي انتهاكات أو تجاوزات لها، سواء في الضفة الغربية أو في غزة، والنجاح في إحراز بعض التقدم في تحريم الاعتقال السياسي وضمان حرية الرأي والتعبير والصحافة والنشر، ووقف التعديات على حرية الاجتماع والتظاهر وكف يد الأجهزة الأمنية عن التطاول على حقوق وكرامة المواطنين، والتصدي لمحاولات فرض القيود والهيمنة السلطوية على مؤسسات العمل الأهلي والنقابات والمنظمات غير الحكومية واحترام استقلالها وفقاً لمعايير المواثيق الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين، كل هذا يجب ألا يبقى شعارات وبيانات وحملات انتخابية تستبق الذهاب إلى صندوق الاقتراع، حيث مازال طرفا الانقسام يتمتعان بالشعبية الأكبر.

قبل انتخابات الحكومة المحلية الفلسطينية 2017؛ التي تقرر إجراؤها ببداية تشرين الثاني/أكتوبر 2016، ولخوض الانتخابات تم تشكيل التحالف الديمقراطي مكوناً من خمسة فصائل يسارية فلسطينية: الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حزب الشعب الفلسطيني، الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني، المبادرة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب العديد من المستقلين غير المنتسبين، تم تقديم التحالف الديمقراطي في مؤتمر صحفي في رام الله في 10 أغسطس 2016، شددت خلاله المناضلة خالدة جرار على أن التحالف سيعمل كقوة ثالثة، تسعى للتغلب على الانقسام بين فتح وحماس، في الانتخابات، التي جرت في 13 أيار/مايو 2017، فاز التحالف بخمسة مقاعد من أصل 3253 مقعدًا، وحصل على 0.32٪ من الأصوات.

تعددت وجهات النظر في إخفاق التجمع وعدم قدرته على إثبات نفسه قوةً ثالثة على الساحة الفلسطينية، تكسر هيمنة حماس وفتح على الساحة السياسية الفلسطينية، رأى البعض أن كافة إمكانيات القوة متمركزة في أيدي فتح وحماس، من أجهزة أمن ومال وعلاقات خارجية، على عكس فصائل التجمع، في لقاء صحفي لموقع حفريات، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية، د. عبد الستار قاسم، أنّه من الصعب نجاح أيّ تجمّع أو حزب سياسي جديد على الساحة الفلسطينية، دون وجود دعم مالي وأجندة سياسية واضحة، معللاً ذلك بأنّ المال أساس وجود التنظيمات في قطاع غزة والضفة الغربية والمحرك الأساسي لها، "فضعف تمويل الأحزاب الخمسة التي أسست "التحالف الديمقراطي الفلسطيني" من أسباب عدم نجاح هذا التجمّع".

في اللقاء الصحفي لذات الموقع السابق، مع عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وعضو اللجنة التأسيسية للتحالف، طلال أبو ظريفة، قال: إنّ "إيجاد قوّة فلسطينيّة ثالثة إلى جانب حركتي فتح وحماس، يهدف إلى النهوض بالقضيّة الفلسطينيّة بعد حالة التراجع الكبيرة، التي حدثت نتيجة السياسات الإسرائيليّة والأمريكية المعادية للشعب الفلسطيني، والانقسام الداخلي بين فتح وحماس".

وربما من أهم أسباب الإخفاق في تشكيل قوة ثالثة في الساحة الفلسطينية تلعب دوراً وطنياً أصيلاً ودوراً وحدوياً فعالاً، برأيي: هو أزمة قوى اليسار الفلسطيني، هذه الأزمة التي لا تقتصر على قوى اليسار الفلسطيني والعربي، بل هي تشمل قوى اليسار على الصعيد العالمي متأثراً بانهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  • في مواجهة صفقة القرن، الكتاب رقم 35 من سلسلة الطريق إلى الاستقلال التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».
  • صفقة القرن في الميدان، الكتاب رقم 39، من ذات السلسلة السابقة.
  • صفقة القرن في الميزان، الكتاب  رقم 37، من ذات السلسلة السابقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت