موسم الأضاحي.. والحاجة لمضاعفة الدعم لفقراء فلسطين

بقلم: عصام يوسف

عصام يوسف رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم فلسطين.jpg
  • بقلم: الدكتور عصام يوسف
  • رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم فلسطين

يعود موسم الاضاحي من جديد ليفتح أبواباً من الرحمة والتكافل، والأجر العظيم، تتيح للمسلم فرصاً يصل جزاءها حد مرضاة الرحمن-جل وعلا- فالعِنان مطلق للمؤمن، لنيل الجوائز الربانية، وأنهار الإحسان تجري لمنتهاها، تنتظر من يقتنص الفرصة وينهل منها بما يفيض عليه وعلى أخوة الإيمان والإنسانية بالخير والبركة.

يحدث ذلك كون موسم الأضاحي يمثل حالةً متكاملة لنيل الثواب، تبدأ من بذل المسلم لمختلف أشكال العبادات والطاعات، كأداء فريضة الحج لمن استطاع لذلك سبيلاً، مروراً بتأدية شعيرة الأضاحي، المتاحة للحجيج ولغيرهم، ووصولاً لكسوة العيد، التي توفر الملبس للأطفال الفقراء، فضلاً عن بعثها للسعادة في نفوسهم البريئة، لذا فإن لهذا الموسم الخصوصية، من بين العديد من الخصوصيات، باعتباره المشروع الخيري المتكامل الذي يتضمن جزئيات عظيمة، تفتح الأبواب للمؤمنين للتنافس في تحصيلها كيفما رغبوا، وكيفما استطاعوا.

وتتعاظم مردودات موسم الأضاحي الروحانية بتعاظم أثرها في المجتمعات، أي بين الأفراد أنفسهم، وبلغة أخرى فإن عظمتها تتجلى في السماء وفي الأرض، بما لا يمكن للمؤمن من تصورها، إذا ما علم بأن بذله للأضحية على سبيل المثال، فيه صلاح للمجتمع المسلم، فإطعام الفقير والجائع، أو على الأقل تزويده بالمادة الغذائية الضرورية للجسم، بينما يتعذر عليه الحصول عليها في الأحوال العادية، يبعث في الفئات المجتمعية الضعيفة الأمل، بأنهم لن يُتركوا وحيدين فريسة للجوع، طالما هنالك أخ محسن كريم مفعم بروح المؤاخاة، وتملؤه القناعات بأنه يتشارك معه في الحياة على نفس الأرض، ويتنفس معه الهواء ذاته، وبالتالي ليس له أن يتركه جائعاً، بينما يملأ معدته بما لذ وطاب من الطعام، حينها تتحقق مفاهيم التكافل المجتمعي في أبسط صورها، ما من شأنه أن يكون سبباً في تقوية الفرد والمجتمع المسلم على حد سواء.

وللتسابق في عمل الخير، اتباعاً لقوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم "وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، (البقرة: 148)، دعوة صريحة، لأبناء المجتمع المسلم ببذل كل ما هو مستطاع، بما في ذلك أداء الموجبات من الفرائض، وكذلك الإكثار من السنن، حيث أن من أعمال الخير تلك العمل على تحسين معيشة الفقراء والمحتاجين، بدعم مشاريع توفر لهم أبسط مقومات الحياة الكريمة، لعلها تكون سبباً في نيل خير الجزاء، والمغفرة، تبعاً لقوله جل وعلا في سورة الحديد، الأية 21: "سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"، وكذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة الواقعة، الآيات 10 و11: "وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُون* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ".

وليس من الممكن حصر فوائد الشعيرة على المجتمع الإسلامي بكل فئاته، حيث يفتح موسم الأضاحي الآفاق أمام قطاعات واسعة للعمل والبذل، بالدرجة التي تنفتح معها نوافذ للفرح لدى الفقراء الذين ينتظر غالبيتهم المناسبة من عام إلى آخر، وللأمل في أهل الخير والمحسنين الذين يضعون لبنات المجتمع المتكافل والمرصوص البنيان، وفي ثوابها يقول سبحانه وتعالى: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"، سورة الحج، الآية 37.

ولا بد من التأكيد على أن من أفضال شعيرة الأضاحي، انعاش الأسواق والمؤسسات، وإنشاء أخرى خصيصاً لهذه الغايات، لتكون رديفاً للمشاريع المستدامة، تغذي عناصرها، وعوامل الإنتاج فيها، فتقوم بتحريك الاقتصاديات، وإنعاش حركة الأسواق، بل وتنشيط التجارة بين البلدان، من خلال زيادة معدلات الاستيراد والتصدير، وتشغيل وسائط النقل، وكل ما له علاقة بأعمال ذبح الأضاحي، والمشتغلين في هذا المجال، ناهيك عن الاستفادة القصوى من كل ما تحتويه الأضحية كمنتج من لحوم وجلود وأصواف وعظام وأظلاف، وغيرها.

ومن الإنصاف التطرق لجوانب أخرى تدخل ضمن فضائل موسم الأضاحي، كإحداث حالة من التفاعل التنموي للعمل الخيري، إن جاز التعبير، خلال فترة الموسم، يرافقها تكثيف لجهود الأفراد والمؤسسات والجمعيات، ويوازي ذلك تخصيص البرامج والخطط الاستثنائية للمشاريع الخيرية، بما فيه من نفع وفائدة أشمل وأعم لصالح الأسر الفقيرة، حيث يدعم طبيعة عمل المؤسسات والجمعيات، ومنهجيتها، وآليات عملها، القدرة على تلمس ومعرفة طبيعة مستحقي الأضاحي، كما تتيح لها خبراتها إمكانية العمل على جمع الأضاحي وتوزيعها على الأسر المستحقة في مختلف أماكن تواجدها.

ولعل ذلك يقودنا إلى تناول الجزئية الأهم لأحد عناصر موسم الأضاحي، ونقصد بها المستحقين لها، فالمنطلقات الشرعية تشير إلى أن مستحقي الأضحية لا بد أن يكونوا من المحتاجين والفقراء، والأيتام، والأرامل، وغيرهم من ذوي الحاجة، من باب سد الحاجات، وللأقارب من باب صلة الرحم، وللجيران والأصدقاء من باب تقوية روابط الأخوة، ولعل حاجات أخرى تفرضها روابط معينة تحدد مواضع ومساحات أكثر شمولية للمستحقين في موسم الأضاحي، ومما يتم بذله من جانب المسلمين على مستوى الأمة وبما يتعدى حدود أوطانهم الجغرافية.

تطرح تلك الروابط استحقاقات شعوب تعاني نتيجة الكوارث الطبيعية أو الاحتلالات، لتقفز أحقية الفقراء من أبناء الشعب الفلسطيني على رأس القائمة، حيث تقتضي العلاقة الخاصة وذات التمايز الكبير مع الشعب الفلسطيني بتداخلاتها وترابطاتها هذا الأمر، فهم الأشقاء الذين تربطنا بهم علاقة وحدة الدم والدين والثقافة، والتاريخ المشترك، والمصير..وغير ذلك، إلى جانب كونهم الدرع الحامي للأمة من طمع الطامعين، وحملة راية كرامتها، وعنوان صمودها.

وعلى أساس ذلك، فإن الأمر ذاته يقتضي وجوب اعطائهم شيئاً من الأولويات، كما ذهب إلى ذلك الكثير من علماء الأمة، وبأن ذلك لا يعد ترفاً يجري الحديث عنه في كل موسم من مواسم الشعيرة، بل حالة متكرسة لا تخفى على كل صاحب بصيرة، ولربما نلمس في الحديث النبوي الشريف الدافع للبذل من أجل أن تصل الأضاحي لمستحقيها في قوله (صلى الله عليه وسلم): "من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلاّنا"، - رواه أحمد والحاكم.

فمعاناة الفلسطيني تتفاقم تحت حراب الاحتلال، من قتل، واعتقال، وحصار، وتجويع، وتهجير، وتشريد، وتضييق وقطع للأرزاق، وللأواصر الأسرية، إلى جانب مصادرة الأرض، وتهويد المدن، والمقدسات، وغير ذلك من أشكال المعاناة اليومية التي يبتدئ فيها الفلسطيني يومه، ولا تنتهي، ككابوس يلازمه في منامه وفي يقظته.

ويزيد من تفاقم الوضع الإنساني الفلسطيني، قرار برنامج الأغذية العالمي إيقاف مساعداته الغذائية عن 200 ألف فرد في الأراضي الفلسطينية جراء نقص التمويل، اعتباراً من شهر يونيو/ حزيران الجاري، فيما سيضطر البرنامج إلى تعليق عملياته بشكل كامل مع حلول أغسطس/ آب القادم؛ بحسب بيان صدر عنه في مايو/ أيار الماضي.

ويعد توجيه الأضاحي لفائدة المجتمع الفلسطيني إسهاماً من أبناء الأمة في سد حاجات الفقراء والمحتاجين من أبناء الشعب الفلسطيني، فضلاً عن إسهامها في تمتين روابطه الإجتماعية، وتقوية وشائج التكافل الإجتماعي بين أبناء الأمة، دون إغفال كونها إحدى وسائل التعبير عن التضامن مع الفلسطينيين في محنتهم، وشكلاً من أشكال توفير أسباب دعم صمودهم، وتثبيتهم على أرضهم.  

كما أن للأضحية انعكاساتها الإيجابية، في مجمل تفاصيل الحياة في الأراضي الفلسطينية، فعلى الصعيد الاقتصادي تعمل على تنشيط حركة الأسواق، فضلاً عن تشغيلها لأيدٍ عاملة في هذا المجال، إلى جانب توفيرها مادة غذائية يحتاجها جسم الإنسان، وبلا شك فإن رقعة الحرمان منها بين أوساط الفقراء واللاجئين، مع كثير من الأصناف الغذائية الأساسية أدى لارتفاع نسب سوء التغذية، التي تقدر في قطاع غزة وحده بما يفوق 70% بين أبنائه.

ويتخلل العلاقة القائمة على التنسيق والتشبيك بين المؤسسات الخيرية في البلدان العربية والإسلامية، ونظيراتها العاملة في فلسطين، التوسع في معرفة احتياجات المجتمع الفلسطيني، وبالتالي إدراك أهمية توسيع قطاعات الدعم بما ينعكس إيجاباً على الجانب الإغاثي، فضلاً عن إطلاق مشاريع متقدمة تهدف لإحداث نوع من التنمية المستدامة في المجتمع الفلسطيني من خلال توفير البنى والأدوات اللازمة للتشغيل وخلق فرص العمل، وتهيئة البنى التحتية لهذا الغرض.

وبلا شك فإن الحاجات تتضاعف، سيما وأن مؤشرات الغلاء الذي بات يستشري بقوة في اقتصادات دولنا الإسلامية، وشراهة غول ارتفاع الأسعار المنفلت من عقاله، والذي وصل إلى لقمة عيش الفقراء المجردة، يفاقم ذلك ما يمر به العالم من أوبئة وحروب واضطرابات أمنية وسياسية، تؤكد الأحداث وحركة التاريخ بأن الفقراء غالباً ما يكونون وقوداً لها، وضحيتها الأولى.

وبعيداً عن حسابات الاحتياجات وما يقابلها من منافع، فبطبيعة الحال ما من شيء يضاهي رؤية الابتسامة حين ترتسم على وجوه الأطفال، فرحاً بالأضحية، يلمس ذلك بشكل مباشر المضحي الكريم، ومانح الأضحية، والعاملين عليها الواقفين على خطوط التماس في ميادين العطاء، حيث يستشرفون في ابتسامة الأطفال عملاً جزلاً يعود على الأفراد والمجتمعات بالخير والبركة، ويحقق المقاصد الشرعية، والقيم والمبادئ والأخلاق التي ترتقي بإنسانية المسلم، المستمدة من سماحة دينه.

--

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت