المرواني وليلى والحقيقة الغائبة

بقلم: أسامه الفرا

د. أسامه الفرا.jpg
  •   د. أسامه الفرا 

جاء في إمتحان مبحث اللغة العربية لطلبة الثانوية العامة لهذا العام سؤال: لماذا رفضت ليلى حب الشاعر حسن المرواني؟، وعلى الطالب أن يختار إجابته من بين أربع إجابات وإذا ما وقع إختياره على غير عسر الحال تسربت علامة السؤال من بين يديه، وعليه حينها أن يندب حظه المتعثر بين ليلى والمرواني، وليلى التي يقصدها المرواني في قصيدته لا تقبل التورية بمعنى الوطن كما دأب على فعله الكثير من الشعراء من خلال إستحضار الوطن في صورة فتاة، رغم أن الوطن يميل أكثر لصفة المذكر سيما في مجتمعاتنا الشرقية التي ما زالت تطغى فيها الثقافة الذكورية، ولو جعل الشاعر في ليلى تورية للوطن لبات الوطن طارداً لمن وقع في حبه من أبنائه بسبب عسر حاله، وحينها يفقد الوطن معناه ويتحول إلى عزبة يملكها الأغنياء ومن سطوا على مقدراته من أصحاب النفوذ والسلطان، لكن ليلى التي يقصدها المرواني في قصيدته هي تلك الفتاة التي أحبها بشحمها ولحمها وعقلها ومفاتنها الأنثوية، ولا يحق لأحد أن يأخذنا إلى جادة تفسير غير تلك التي أرادها الشاعر، ولم يكن من حق المعارضة العراقية أن تستعين بأحد أبيات قصيدته "أنا وليلى": 

نفيتُ وإستوطن الأغراب في بلدي  .....  ومزقوا كل أشيائي الحبيبات 

كي تصدع به في إذاعاتها المناوئة للنظام مما دفع المرواني لهجرة الوطن خوفاً من بطش النظام به على قول عاتب فيه حبيبته ليلى. 

خلنا لسنوات طويله أن الحب رهن بالوطن وما دونه يقع في دائرة المحظورات، ولا يجوز للمرء أن يحب ويعشق سوى الوطن، وإن تغزل بالطبيعة إتهمناه بشاعرية لا يراعي فيها همومنا وأوجاعنا، وإن تناول جمال لاح أمامه وضعناه في قفص الإتهام رفقة أبي نواس، وإن تجرأ على البوح بحب فتاة سقناه إلى الجنون كما فعلنا بالقيسين، قيس بن الملوح "مجنون ليلى" وقيس بن ذريح "مجنون لبنى"، ولن يسلم الشاعر من تهم الفسق والفجور إن قدم لنا صوراً فلسفية هي أعمق بكثير مما يراها البعض بسطحية لا تراعي شيئاً من جوهرها كما هو الحال مع شاعرنا الكبير محمود درويش، كأن المطلوب أن نعيش ونتعايش مع ثقافة القبح، حتى الزاهد والمتعبد عليه أن يتخلى عن كل صفات الجمال كي يتماشى مع الصورة العالقة بذهننا، المهم أن سؤال إمتحان اللغة العربية جاء على نحو مباشر عن سبب بعد ليلى عن حبيبها المرواني، وكان من الممكن أن يأتي بصيغة مغايرة من خلال اقتباس شيء من القصيدة الرائعة فيه من جمال اللغة وقوة البلاغة ما يسمح أن نسبر أغوار لغتنا الجميلة، فهل قصد واضع السؤال أن يكسر به تابلوهات تصلح فقط لثقافة القبح؟.  

قصيدة "أنا وليلى" للشاعر العراقي حسن المرواني ظلت مجهولة الهوية ومهملة ولا يعرف بها سوى الدائرة الضيقة المحيطة بالشاعر مدرس اللغة العربية والبعض ممن وجد فيها جمال اللغة والبلاغة الأدبية، حتى نفض عنها التراب الفنان كاظم الساهر بعد رحلة بحث عن صاحب الكلمات إستمر لسنوات حيث ادعى البعض بأنه صاحبها، حين غنى بعض أبياتها فكانت أجمل أغانيه وتم تصنيفها كواحدة من أجمل الأغاني على مستوى العالم، ومن بعدها بدأ الإهتمام بالشاعر المرواني وقصيدته وكثر البحث والتنقيب عن حكايته مع ليلى ومن تكون، المهم أن أغنية كاظم الساهر "أنا وليلى" لم تتعرض للهجوم كما كان الحال مع أغنية عبد الحليم حافظ "قارئة الفنجان" للشاعر نزار قباني، وهي التي أغضبت الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله فشن هجوماً حاداً على الأغنية معتبراً أن عبد الحليم حافظ أضاف للشهداء نوعاً "من مات فداءاً للمحبوب" رغم أن عبد الحليم خفف من وطأة الشطر الأصلي الذي جاء في قصيدة نزار "من مات على دين المحبوب". 

عودة على سؤال الإمتحان حول سبب رفض ليلى حب الشاعر حسن المرواني، وهنا السؤال في عموميته يبحث عن الحقيقة كونه لم يقترن فقط بوجهة نظر الشاعر، فماذا لو ترك الطالب السؤال دون إجابة كون الإجابات المحددة لا تتفق أي منها مع رواية ليلى التي أفصح عنها الشاعر المرواني ذاته، حيث يقول الشاعر بأن ليلى تواصلت معه مؤخراً عبر الفيس بوك وعاتبته وأنكرت عليه  إتهامه لها برفض حبه لعسر حاله، وأن السبب الحقيقي يكمن فيما أخفاه الشاعر بأنه لم يفصح لها عن حبه ولم يتقدم لخطبتها، وبالتالي لا يمكن للطالب الأخذ بنصف المعلومه وترك نصفها الآخر خاصة إن كان النصف الآخر أقرب للحقيقة، ما يعنينا في الحكاية أنه إنتشر في الآونة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأن ليلى إختارت قبل عقود مضت شاباً فلسطينياً للزواج به ورفضت المرواني لعسر حاله، وسواء صدقت الرواية أم لا فكثيراً ما يزور الأدب والفن الحقيقة ونأخذ بها على عواهنا، كما كان الحال مع صديق حين أصر على أن صلاح الدين الأيوبي قال كذا وكذا وحين سئل عن مصدر المعلومة رد بالقول هكذا قال أحمد مظهر في فيلم الناصر صلاح الدين، وكما قال الشاعر حسن المرواني بأن الشاعر أحياناً لا يقول كل الحقيقة، كذلك من يكتب التاريخ لا يقول كل الحقيقة أو بالأحرى يكتب التاريخ طبقاً لرغبته حتى وإن إبتعد عن الحقيقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت