- أسامة خليفة
- باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
في العام 1998 تأسست وزارة شؤون الأسرى والمحررين تحت اسم «وزارة شؤون الأسرى» في الحكومة الفلسطينية الثالثة، والتي ترأسها رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، ومنذ عام 2014، تحولت وزارة شؤون الأسرى والمحررين إلى «هيئة شؤون الأسرى والمحررين»، وتتبع مباشرة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وفقاً لأحكام النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتكون مرجعيتها الإدارية والمالية للصندوق القومي الفلسطيني، تتمتع الهيئة بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري والأهلية القانونية بموجب اختصاصها الوظيفي لمباشرة جميع الأعمال والتصرفات لتحقيق أهدافها، بما في ذلك تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة، وحق التقاضي وعقد الاتفاقيات والعقود.
ومن مهام الهيئة، وبالتعاون مع الجهات المختصة، مأسسة العمليات المالية والقانونية واللوجستية المتعلقة بتقديم الخدمات والعمليات المساندة، والعمل على تطوير الأنظمة والقوانين المتعلقة بالخدمات المقدمة للأسرى وفق الأصول التشريعية السارية، كما تعمل الهيئة على توفير المتطلبات المادية والبشرية والمعلوماتية كافة، وأي متطلبات أخرى لازمة لتسهيل تقديم الخدمات، حيث تقدم الهيئة الخدمات إلى الأسرى وعائلاتهم والأسرى المحررين حسب القوانين والأنظمة المقرة من خلال عمليات ذات كفاءة وجودة وبوقت مناسب حسب الإمكانيات المتاحة.
يستند نظام عمل «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» إلى مرسوم إنشاء الهيئة رقم (16) لسنة 2014م، وكذلك يعتبر النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والقوانين والقرارات والأنظمة والتشريعات والمراسيم والتعليمات النافذة كافة، المتعلقة بالأسرى والمحررين مرجعية لهذا النظام.
تتطلع الهيئة إلى تحقيق العدالة الإنسانية وتوطيد دعائم الحرية والديمقراطية وثقافة وقيم حقوق الإنسان، وحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والحياة الكريمة واحترام كرامته.
من جهة أخرى تتبع «مؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى» للسلطة الفلسطينية، وهي امتداد للمؤسسة التي أنشأتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، لرعاية أسر الشهداء والجرحى الفلسطينيين، ووفق الموازنة العامة للعام 2022، خصصت الحكومة الفلسطينية 20% من إجمالي الموازنة، لقطاع الحماية الاجتماعية الذي يشمل: وزارة التنمية الاجتماعية، ومخصصات الأسرى، ومؤسسة رعاية أسر الشهداء والجرحى، ومخصصات وزارة المرأة، واللجنة الوطنية للمخيمات الصيفية، ويقدر البعض نسبة ما يخصص للأسرى والجرحى وأسر الشهداء بـ6% من الموازنة.
منذ العام 2019 تصادر إسرائيل نحو 50 مليون شيكل (14.5 مليون دولار) شهرياً من أموال الضرائب الفلسطينية، ثم رفعت "إسرائيل" منذ بداية العام 2023 الاقتطاع من أموال المقاصة، بدل رواتب أسر الشهداء والأسرى، من 50 مليون شيقل شهريًا إلى أكثر من 100 مليون، أي بمعدّل يقارب مليار ومئتي مليون شيقل سنوياً، وتقول إسرائيل إن هذه الأموال تعادل ما تدفعه السلطة الفلسطينية شهرياً لذوي الأسرى والشهداء.
أقرت الحكومة الفلسطينية قانوناً بمنح رواتب للأسرى في سجون الاحتلال في العام 2003، حيث يتقاضى الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال ممن حكموا مدة تصل إلى خمس سنوات، راتباً شهرياً قدره 250 دولاراً، أما الأسير الذي حكم لأكثر من 30 عاماً يحصل على 120 دولار شهرياً، والأسير الذي يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة يحصل على ألف دولار شهرياً، عبد الله البرغوثي عضو حماس الذي حكم عليه بالسجن لمدة 67 حكماً بالسجن مدى الحياة لارتكابه قتل 67 إسرائيلياً يتقاضى4000 شيكل، حيث تمنح السلطة الفلسطينية الرواتب لأسرى فلسطين كافة.
في 29/12/2008م، عدّل مجلس الوزراء القانون الأساسي لسنة 2003م، بشأن احتساب مدة الخدمة السابقة لموظفي منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المعتمدة ومدة الأسر للأسرى، وفي آذار/ مارس 2009، أصبح كل أسير تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية يحصل على 238 دولاراً شهرياً، بالإضافة إلى 71 دولاراً إضافياً عن الزوجة (إذا كان متزوجاً) و12 دولاراً عن كل طفل.
في 6 أيار/ مايو 2020، أصدر وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي قراراً اعتبر فيه "الصندوق القومي" لمنظمة التحرير "منظمة محظورة"، لأنها تقدم مخصصات ورواتب للأسرى والمحررين والجرحى وعائلاتهم، واعتبار دفع الرواتب الشهرية للأسرى من قبل الحكومة الفلسطينية "عملًا محظوراً"، وعلى البنوك عدم الاحتفاظ بحسابات للأسرى، وإلا فإنها تُعتبر وموظفيها شركاء في "الجريمة"، وبدأت بنوك تعمل في الأراضي الفلسطينية إغلاق حسابات بنكية لأسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين استجابةً لضغوط إسرائيلية، وبعض البنوك رفضت فتح حسابات جديدة لأسرى.
تم إغلاق نحو 35 ألف حساب لهم في البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، إثر أمر عسكري إسرائيلي يمنع التعامل مع تلك الرواتب تحت طائلة التهديد للبنوك التي لا تلتزم بقرار الحظر.
كذلك رفض البنك العربي استلام حوالة الرواتب لـ94 أسيراً فلسطينياً، وآخرين مُحررين، وأعادتها إلى وزارة المالية الفلسطينية في خطوة وصفتها الحكومة الفلسطينية بأنها: «مرفوضة وطنيًا وأخلاقياً».
صادقت اسرائيل على العديد من القوانين التي تهدف إلى إضعاف الحركة الأسيرة، وفرض العقوبات الجماعية على الأسرى، ومنها قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عاماً، وفرض قانون تشديد العقوبة على راشقي الحجارة بالسجن لمدة تتراوح بين 5-20 عاماً، كما يعيد الكنسيت الإسرائيلي كل حين مناقشة ما بات يعرف بـ«قانون إعدام أسرى فلسطينيين»، بعد أن اجتاز هذا القانون العنصري وغير الأخلاقي القراءة التمهيدية، ويحتاج إلى مصادقات إضافية حتى يصبح تشريعاً نافذاً..... ومن بين القوانين العنصرية يندرج قانون اقتطاع رواتب الأسرى ومخصصات عائلات الشهداء والجرحى من عائدات الضرائب التي تجمعها اسرائيل من السلطة الفلسطينية، يقضي القانون بخصم 50 مليون شيكل شهرياً من عائدات الضرائب المستحقة للسلطة الفلسطينية، ليتم استخدامها في دفع التعويضات الصادرة عن المحاكم الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية، فبموجب بروتوكول باريس الاقتصادي تلتزم دولة الاحتلال بجباية الأموال الفلسطينية نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل ما نسبته 3% من عائدات الضرائب.
صادق الكنيست الإسرائيلي في 2 تموز / يوليو 2018 على مشروع قانون ينص على «تجميد دفع قيمة مخصصات ذوي الشهداء والأسرى والجرحى»، وفي 6 كانون الثاني / يناير 2023 قررت الحكومة الإسرائيلية الاستمرار في اقتطاع ما يعادل مخصصات الأسرى، يضاف إليها نحو 40 مليون دولار كتعويضات لإسرائيليين تزعم تل أبيب أنهم متضررون من العمليات الفدائية. وترسل رسالة لوزارة المالية الفلسطينية بقيمة الخصومات دون توفير أي كشوفات دقيقة حول آلية الخصومات.
قانون اقتطاع مخصصات الأسرى قانون عنصري مخالف للقانون الدولي والاتفاقات الموقعة، فهو يخالف التزامات اسرائيل باعتبارها «القوة الحاجزة» فيما يتعلق بمخصصات الأسرى، والمنصوص عليها في المادتين 81 و98 من اتفاقية جنيف الرابعة، حيث تقوم اسرائيل بخرقها بشكل فاضح، بالمقابل تقوم حكومة الاحتلال الإسرائيلي بدفع مخصصات مالية من موازنتها لدعم السجناء الإسرائيليين الذين اقترفوا جرائم بحق الفلسطينيين من قتل واعتداءات وحرق «حرق عائلة دوابشة».
تنص المادة 81 أنه على «القوة الحاجزة» التي تعتقل أشخاصاً محميين عليها إعالتهم، وتوفير الرعاية الطبية لهم، وألا يخصم أي شيء لسداد هذه المصاريف من مخصصات المعتقلين أو رواتبهم أو مستحقاتهم، كما أنه على الدولة الحاجزة أن تعيل الأشخاص الذين يعيلهم المعتقلون، إذا لم يكن لديهم وسائل معيشية كافية، أو كانوا غير قادرين على الكسب.
أما المادة 98 من اتفاقية جنيف الرابعة، فتنص على أنه ينبغي على الدولة الحاجزة أن توفر مخصصات للمعتقلين باعتبار ذلك جزءاً من مسؤوليتها تجاههم، ويجوز للمعتقلين تلقي إعانات من الدولة التي يكونون من رعاياها، أو من الدول الحامية، أو من أي هيئة تساعدهم، وتوفر الدولة الحاجزة جميع التسهيلات للمعتقل لإرسال إعانات إلى عائلته وإلى الأشخاص الذين يعتمدون عليه اقتصادياً.
لا تعترف القيادة الفلسطينية الرسمية بقانون اقتطاع الرواتب ولا بجميع القوانين العنصرية والتمييزية ضد شعبنا، وهو يأتي في سياق حملة إسرائيلية منظمة ومدبرة لتجريم نضال الشعب الفلسطينيين وتضليل الرأي العام العالمي من خلال وصم كفاحه المشروع ضد الاحتلال بالإرهاب.
اقتطعت إسرائيل مليارات الدولارات منذ عام 2019 من أموال المقاصة، وأحدث خصم أموال الشهداء والأسرى أزمة مالية للسلطة الفلسطينية، عندما أقرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عبر الأربعة أعوام الماضية، خصم هذه المبالغ. وردّت السلطة برفض استلام الأموال منقوصة، ولكنها عادت واستلمتها لما سببه القرار من أزمة اقتصادية للفلسطينيين، فأموال المقاصة تمثل المصدر الأول لموازنة السلطة الفلسطينية ويعتمد عليها في تغطية المصاريف الجارية ورواتب الموظفين.
القرصنة الإسرائيلية لجزء من أموال المقاصة يتطلب موقفاً فلسطينياً يتناسب مع أسلوب الابتزاز الإسرائيلي للسلطة، ويتطلب العمل على الخروج من بروتوكول باريس الاقتصادي، إذ لا تستطيع السلطة الاعتراض على الاقتطاع أكثر من 6 أشهر، لأنها بعد ذلك، وفق بروتوكول باريس الاقتصادي، إن لم تستلم أموال المقاصة من إسرائيل كيفما كانت، فإنها تعتبر ملغاة ولا يحق لها المطالبة بها.
وبالتنسيق التام مع الكونغرس الأمريكي ومع إدارة ترامب قبل رحيلها، تعرضت فلسطين لحملة شعواء من قبل اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لأنها توفر معاشات للأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا بشكل تعسفي من قبل سلطة الاحتلال، ففي 23/3/2018، وقع ترامب على موازنة 2018 المتضمنة «قانون تايور – فورس» وهو قانون صادر عن الكونغرس لوقف المساعدات الاقتصادية الأميركية للسلطة الفلسطينية حتى تتوقف السلطة بدورها عن دفع رواتب من خلال "صندوق شهداء السلطة الفلسطينية للأفراد الذين يرتكبون أعمالاً عسكرية ولعائلات «الإرهابيين» المتوفين".
لقد جاء القانون الإسرائيلي باقتطاع جزء من أموال المقاصة (3/7/2018) بعد القانون الذي جرت المصادقة عليه في الكونغرس الأمريكي (23/3/2018) بما يزيد عن 3 شهور، ويستهدف خفض المساعدات الأمريكية السنوية للسلطة الفلسطينية والبالغة 300 مليون دولار، ما لم تتخذ خطوات لوقف ما وصفها نواب الكونغرس بـأموال مكافأة على «الجرائم العنيفة»، وما يؤكد دور إدارة ترامب بدعم وإسناد وتغطية إملاءات الحكومة الإسرائيلية حول كافة القضايا المطروحة على جدول أعمال التسوية السياسية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ما يتعلق منها بخصم قيمة مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء والجرحى من المعونات المقدمة للفلسطينيين، ما يعني ربط استمرار المساعدات الأمريكية بتوقف السلطة عن دفع هذه الرواتب، وبذريعة هذا القانون أقدم ترامب على وقف المساعدات المالية للسلطة وللأونروا بشكل كامل.
بعد شهرين من إقرار "الكونغرس" الأمريكي لقانون «تايلور فورس» -نسبة الى جندي أميركي قتل في يافا في 2016- وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على القانون، مما أدى إلى قطع مدفوعات المساعدات الخارجية الأميركية للسلطة الفلسطينية، يهدف القانون إلى إجبار السلطة الفلسطينية على توقيف سياساتها الخاصة بدفع رواتب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، المُتهمين بقتل صهاينة، وعائلات مُنفّذي العمليات الفدائيّة الذين استشهدوا خلال تنفيذ العمليات.
وفي السياق حذر مسؤولون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي السلطة، من أن الفشل في تغيير السياسة سيشكل عقبة رئيسية أمام تحسين العلاقات مع السلطة الفلسطينية، وقد عدل قانون تايلور فورس لعام 2018، على أمل أن يؤدي التعديل إلى امتثال السلطة الفلسطينية بعد أن علقت الولايات المتحدة المساعدات الأميركية للسلطة، طالما استمرت في تنفيذ سياسة الدفع للأسرى، يحمل القانون دوافع سياسية يسعى من خلاله الكونغرس إلى استخدامه كأداة ضغط سياسي، خصوصاً في ظل مساعي تمرير ما يسمى بصفقة العصر التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، وفي إطار الابتزاز المالي هذا، والقرصنة المالية على مستحقات الأسرى وعائلاتهم جمّدت الولايات المتحدة بصورة كاملة مساعداتها للسلطة الفلسطينية، وكان لديها نيّة مُسبقة بقطع المساعدات، بموجب قانون «تايلور فورس،» ولإعادتها قدمت للسلطة الفلسطينية أربعة شروط: التوقُّف عن دفع رواتب أسر الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين، سحب القوانين التي تُجيز دفع مثل هذه الرواتب، اتخاذ خطوات موثوقة لإيقاف «الإرهاب الفلسطيني»، والإدانة العلنيّة والتحقيق في أعمال العنف.
جمَّدت الإدارة الأمريكية بشكل كامل المساعدات التي تقدِّمها للسلطة الفلسطينية، مشيرة إلى أنَّ واشنطن بانتظار مراجعة هذه المساعدات، وتأتي هذه الخطوة بعد خفض الإدارة الأمريكية للمساهمات التي تُقدمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" منذ كانون الثاني/يناير 1918، ما وضع الأخيرة في أزمة مالية حادّة أثّرت على الخدمات التي تقدمها للاجئين.
قبل «قانون تايلور فورس» عام 2018، سبق للإدارة الأمريكية عام 2016 أن اتخذت قراراً بوقف المساعدات عن الفلسطينيين، عندما جمّدت مبلغ 221 مليون دولار من المنحة التي تقدمها سنوياً للسلطة الفلسطينية، والبالغة إجمالاً 380 مليون دولار، بسبب تخصيص السلطة الفلسطينية جزءاً من موازنتها للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. هناك ثلاثة قوانين أميركية أخرى تدل على انحياز الولايات المتحدة المطلق للسياسة الإسرائيلية، قانون مناهضة الإرهاب لعام 1987عندما قرر الكونغرس أنّ منظمة التحرير الفلسطينية منظّمة إرهابية، وتشكل تهديداً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وللقانون الدولي، ويجب منعها من العمل في الولايات المتحدة، وقانون توضيح قانون مناهضة الإرهاب لعام 2018، بموجب هذا القانون إذا قبل متهمون مساعدات مالية أميركية فللمحاكم الفدرالية صلاحية رفع قضايا ضدهم تتعلق بالإرهاب الدّولي، استناداً إلى قانون تحقيق الأمن والعدالة لضحايا الإرهاب، مما أجبر الحكومة الفلسطينية على الامتناع عن استلام ما تبقى من المساعدات، خوفاً من أن يسمح هذا القانون لضحايا الإرهاب من الأميركيين برفع دعاوى للحصول على تعويضات من الفلسطينيين.
وبهذا الدعم الأمريكي الغير محدود، فإن اسرائيل تقوم بخرق صارخ للقانون الدولي في عدم دفع مخصصات الأسرى ودعم عائلاتهم –حسب اتفاقية جنيف الرابعة- وتقوم بسرقة واستغلال أموال الأسرى لصالح دولة الاحتلال من خلال اعتقالهم واحتجازهم وجعلهم يدفعون ثمن غذائهم وحاجاتهم الأساسية الملزمة دولة الاحتلال بدفعها، فإسرائيل باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال مسؤولة إدارياً ومالياً عن الأرض المحتلة وشعبها وفقاً للقانون الدولي.
بدأت مصلحة السجون عام 2004 في إدارة ما يعرف بـ«الكانتين» أو «البقالة» عبر شركات إسرائيلية خاصة، وقد حصلت على أرباح قيمتها نحو 33 مليون من بيع المواد الغذائية ومواد التنظيف وغيرها من المواد الأساسية للمعتقلين بأسعار تصل إلى أضعاف معدلات البيع في سعر السوق، وتدفع السلطة مخصصات شهرية لكل أسير فلسطيني مناضل قدرها 400 شيكل شهرياً، لشراء حاجياته من بقالة السجن، ويضاف إلى بدل البقالة أو "الكانتينا" كما تسمى، مبالغ يحولها أهالي الأسرى لذويهم عبر البريد الإسرائيلي أو مصلحة سجون الاحتلال، رغم أن مسؤولية إطعام الأسرى يجب أن تتحملها سلطات الاحتلال الإسرائيلي حسب القانون الدولي.
تتنصل اسرائيل من الاستحقاقات والالتزامات نحو المعتقلين، بعدم وفائها بدفع المخصصات لهم، فتقوم دولة فلسطين بالدفع وكأن الاحتلال مأجور مالياً، وتدفع دولة فلسطين نقداً وبالعملة الصعبة ومن مواردها وثرواتها المنهوبة ثمن فشل المجتمع الدولي بوضع اسرائيل موضع المحاسبة والالتزام بالقانون، وعلى الرغم من أن هذه الأعباء المالية التي سببها الاحتلال تثقل كاهل الحكومة الفلسطينية وتحرمها من استغلال مواردها، إلا أن المسؤولية الوطنية والتزام الحكومة الفلسطينية الطبيعي بأبناء شعبها، تحتم عليها رعاية المعتقلين وعائلاتهم، باعتبارهم مكوناً رئيسياً وأصيلاً من مكونات شعبنا ومن أكبر الشرائح المتضررة من الاحتلال على جميع الصعد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، ولا يمكن التخلي عنهم، إن الالتزام بدفع المخصصات لعائلات المعتقلين والشهداء والجرحى هو التزام قانوني وواجب انساني ووطني، من أجل توفير الدعم والحماية لهذه العائلات التي تعاني من نتائج سياسة الاعتقال التعسفي، وضمان كرامتهم، وعدم تركهم لمصيرهم.
لقد جندت اسرائيل بعثاتها الخارجية ومختلف سفاراتها لإقناع دول العالم خاصة الأوروبية منها بعدم جدوى مواصلة دعم الفلسطينيين اقتصادياً ومالياً، وهذا يرتب مسؤوليات ومهمات كبيرة على البعثات الدبلوماسية الفلسطينية خاصة في أوروبا، وعلى الجاليات وجميع الأطر الفلسطينية التصدي للمحاولات الإسرائيلية الناشطة في أوروبا، والتواصل مع ممثلي الرأي العام الأوروبي، وفضحها وتقديم الصورة على حقيقتها بأن اسرائيل تمارس أساليب الكذب والخداع.
والمطلوب من دولة فلسطين الرد على حملات التحريض الممنهج والمبرمج التي تقودها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وأن تحمّل دول العالم مسؤولياتها تجاه أسرى فلسطين وتطالب بوضع حد لمخالفة اسرائيل قواعد القانون الدولي، وعدم تشجيعها من خلال التساوق معها، ومحاسبتها على خروقاتها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وانهاء الاحتلال.
وعلى دولة فلسطين أن تطالب اسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بالانصياع لقواعد القانون الدولي، وإلغاء تشريعها العنصري فوراً، والالتزام بدفع مخصصات الأسرى وإعالة عائلاتهم باعتبار أن الغالبية العظمى من المعتقلين هم المعيلون الرئيسيون لعائلاتهم، وفقاً للمادة 98 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وعلى السلطة الفلسطينية توثيق كل الاقتطاعات والخسائر الناتجة عنها لمحاسبة الاحتلال عليها دولياً، خاصة أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي لا تقدم للجانب الفلسطيني أي تفاصيل عن جباية الضرائب الفلسطينية، ولا المبالغ المالية التي تستلم السلطة بموجبها أموال المقاصة واقتطاع ديون الماء والكهرباء والوقود وغيرها، وهناك أموال أخرى لا تحولها إسرائيل للسلطة منذ سنوات طويلة، كضريبة سفر الفلسطينيين عبر الحدود الأردنية، التي تزيد عن 150 شيكل لكل مسافر، وللسلطة حصة منها.
وعلى السلطة الفلسطينية توظيف الأدوات القانونية والدولية في حل مشكلة اقتطاع أموال من المقاصة، خاصة أن دفع مخصصات شهرية للأسرى والجرحى وأهالي الشهداء، نصت عليها اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وتدفع السلطة منذ نشأتها عام 1994، هذه المخصصات، وعلى دولة فلسطين أن تطالب اسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بتعويض الضحايا من أبناء شعبنا عن إرهاب دولة الاحتلال المنظم بما فيها تعويض قيمة ما سرقته من مخصصات الأسرى ورواتبهم على مدار الخمسين عاماً الماضية. كما ويتطلب من الحكومة الفلسطينية خوض معركة قانونية وسياسية لتدويل قضية الأسرى، وهزيمة الرواية الإسرائيلية التي تحاول وصم نضالهم بالإرهاب وتحريض المجتمع الدولي عليهم، وبخاصة الولايات المتحدة وأوروبا، لقطع رواتبهم وفي السياق ذاته رواتب الشهداء.
ومن أجل وضع حد للهجمة الشرسة التي شنتها سلطات الاحتلال لسلب حقوق الأسرى ومكتسباتهم، المطلوب البناء على ما حققته نضالات الحركة الأسيرة من نتائج وطنية وسياسية ومطلبية، وكان أبرز فصولها الاضراب المفتوح عن الطعام الذي خاضته الحركة الأسيرة بدءاً من 17 نيسان/ابريل 2017 واستمر 41 يوماً بمشاركة 1600 أسيراً، هذا الطابع الجماعي للإضراب والتحركات الجماهيرية المتصاعدة دعماً له في الشارع الفلسطيني، جعل منه فصلاً هاماً من فصول نضال الحركة الأسيرة بل والحركة الوطنية ككل، في مواجهة عسف الاحتلال.
وبالتالي على السلطة الفلسطينية تقديم كل ما يلزم لصمود أسرى الحرية في سجون الاحتلال، منعاً لأي حالة ترهل وانقسام في صفوف الحركة الأسيرة، ودعوة المؤسسات الوطنية والدولية لمتابعة قضاياهم في كل المحافل الدولية لحين الإفراج عنهم، ودعم المعتقلين الإداريين في مقاطعتهم للمحاكم الإسرائيلية.
لقد أكد المجلسان الوطني والمركزي الفلسطينيان رفضهما المطلق للابتزاز الأمريكي الذي يمثله قانون « تايلور فورس» والذي يتعارض مع ميثاق جنيف الرابع لعام 1949 المادة 81 و 98 ويؤكدان على الاستمرار بتقديم جميع أشكال الدعم والرعاية لأسر الشهداء والأسرى والجرحى في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة والشتات، وإصدار القوانين الخاصة بذلك، ورفض أي محاولات للانتقاص منها، فهم مناضلون من أجل حرية وطنهم واستقلاله وسيادته.
_____________________________________________________________________
المراجع:
- «في مجرى الأحداث » 2018، الكتاب رقم 34 من سلسلة «الطريق إلى الاستقلال»، التي يصدرها المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف».
- «صفقة القرن في الميزان»، الكتاب رقم 37 من ذات السلسلة السابقة.
- «ملفات فلسطينية - اللاجئون.. المجلس المركزي»، الكتاب رقم 36 من ذات السلسلة السابقة.
- «بين الضم والتطبيع»، الكتاب رقم 40 من ذات السلسلة السابقة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت