- إبراهيم ابراش
بعد قطيعة استمرت لأكثر من اثني عشر عاما، وبعد صمود الدولة السورية في وجه ما كان يخطط لها من إثارة فتنة وحرب أهلية و تدمير الدولة والمجتمع، وبالرغم مما لحق بها من خراب ودمار، وبالرغم من مشاركة دول عربية في الحرب والعدوان بشكل مباشر أو من خلال تمويل الجماعات الإرهابية المعادية للنظام -اعترافات حمد بن جاسم وزير خارجية قطر السابق – بدأت الدولة السورية باستعادة توازنها وعلاقاتها مع دول الجوار كما عادت الشهر الماضي لجامعة الدول العربية وهي التي كانت من مؤسسي الجامعة عام 1945 و أهم اقطابها، وهو عود أحمد لأن صمودها كشف مؤامرة ما يسمى الربيع العربي وقطع الطريق على تنفيذ كامل أهدافها بإسقاط الدولة السورية وتجزئتها.
سيقول قائل كيف تتحدث عن الدولة السورية بهذه اللغة وهي التي يحكمها نظام دكتاتوري طائفي معاد للديمقراطية وللحريات وواجه التحركات الشعبية في بداياتها بالقوة والعنف دون استجابة لمطالبها، وكيف تتجاهل آلاف القتلى والجرحى وملايين اللاجئين بسبب هذه الحرب، وهل تنسى مواقفها المعادية للثورة الفلسطينية ورئيسها أبو عمار منذ الحرب الأهلية في لبنان ووقوفها إلى جانب القوات المسيحية التي ارتكبت مجزرة تل الزعتر وتحالفت مع إسرائيل في مواجهة قوات الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية، وهل تنسى دور سوريا في الانشقاق داخل حركة فتح عام 1983 وقصف مخيمي البداوي ونهر البارد بالمدفعية، وهل تنسى وقوفها إلى جانب قوات التحالف بقيادة أمريكا في عدوانه على العراق عام 1991 ثم صمتها على احتلال العراق 2003، وكيف نغفر لسوريا تحالفها مع إيران المعادية للعرب الخ.
الذاكرة ما زالت تختزن كل ما سبق ولكن، تصدي الدولة السورية لأخطر مؤامرة على الأمة العربية وعلى القضية الفلسطينية وعدم استسلامها للجماعات الإسلاموية الإرهابية وللتدخلات التركية والأمريكية تسجل كوقفة صمود تستحق الاحترام حتى وإن كان صمود الدولة لصالح النظام والرئيس الأسد.
كشف صمود سوريا كل الأكاذيب التي روج لها عرابو فوضى الربيع العربي والتي تزعم أن ما جرى في سوريا ثورة شعبية للمطالبة بالديمقراطية والحريات، فكيف تكون ثورة من أجل الديمقراطية وقد ركب موجتها جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الدينية المتطرفة كتنظيم داعش والنصرة وغيرها؟ وكيف يمكن أن نصدق أن دولا خليجية تدعم الثورة السورية وتعادي النظام من منطلق معاداتها للدكتاتورية والاستبداد كما صرح مؤخرا وزير خارجية قطر قبيل عودة سوريا للجامعة العربية؟ وهل دول الخليج وتركيا وأمريكا وإسرائيل وجماعة الإخوان المسلمين وداعش والنصرة أنظمة ديمقراطية أو حريصة عليها وتدخلت لهذا السبب؟
نعم نحترم ونقدر القوى السورية الديمقراطية التي كانت تطالب بالديمقراطية وترفض سلطة الطائفة الواحدة، ونترحم على أرواح الشهداء الذين سقطوا في الأيام الأولى للثورة، ولكن هل كانت الأمور ستستقر في سوريا لو تجاوب الأسد مع مطالبهم؟
لو رجعنا إلى الأيام الأولى لاندلاع فوضى ما يسمى الربيع العربي ورأينا كيف تم سرقة ثورة الشباب من طرف قوى إسلاموية وأخرى غير وطنية ذات ارتباطات خارجية هدفها الرئيس هو تدمير الدولة ونشر الفوضى، وحتى عندما تنازل بعض الزعماء عن السلطة لم يتوقف هذا المخطط التأمري.
فبعد أيام من بداية الحراك الشعبي في تونس هرب الرئيس زين العابدين بن علي يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 ولكن استمرت الفوضى وما زالت مستمرة حتى الآن، وبعد فترة عصيبة من الحراك الشعبي في مصر أو ثورة 25 يناير 2011 تنازل الرئيس حسني مبارك عن السلطة يوم 11 فبراير ولكن استمرت الفوضى والعنف المسلح بين الجيش وجماعات دينية، حتى بعد الانتخابات التي فاز فيها جماعة الإخوان المسلمين لم يستقر لهم الأمر إلا لعام واحد حيث خرج الشعب مجددا للشارع في ثورة 30 يونيو 2013وعزلت القوات المسلحة الرئيس المنتخب محمد مرسي في الثالث من يونيو، واستقر الأمر نسبيا.
أما ما جرى في ليبيا فهو أكثر مأساوية ففي 15 فبراير 2011 انطلقت الثورة من مدينة بنغازي، وامتدت لتصل إلى طرابلس وفي 20 أكتوبر تم قتل الرئيس معمر القذافي بغارة من حلف الأطلسي، وما بعد ذلك استمر الصراع والحرب الأهلية إلى اليوم وتم تقسيم ليبيا. ونفس الفوضى والحرب الأهلية جرت في اليمن.
انطلاقا مما سبق فلا يمكن لأي رئيس أو ملك وهو يتابع ما يجري في البلدان المجاورة أن يتخلى عن السلطة ويترك الأمر للجماعات والدول التي تقف خلف فوضى (الربيع العربي). مع تعاطفنا مع قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية إلا أنها كانت الطرف الأضعف في المعسكر المعادي للنظام وكثير من قادة هذه المعارضة انسحبوا من تحالف المعارضة السورية عندما اكتشفوا ما يحاك لسوريا من خراب وفوضى.
وأخيرا، وحتى مع افتراض صحة التسريبات التي تقول بأن المملكة السعودية كانت وراء عودة سوريا للجامعة العربية وقبل ذلك عودة العلاقات السعودية الإيرانية وذلك بموافقة ضمنية أمريكية يكون مقابلها تطبيع علاقات المملكة مع إسرائيل، بالغم من ذلك فإن عودة سوريا للجامعة العربية وتحسين علاقاتها مع الدول العربية وحتى مع تركيا يعتبر خطوة في طريق طويل لاستعادة سوريا لكل أراضيها حيث تتواجد على أراضيها قوات تركية وأمريكية وإيرانية وروسية، كما أنه خطوة نحو استعادة النظام الإقليمي العربي لعافيته والتفرغ لمواجهة التحديات الكبيرة التي ما زالت تواجه الأمة العربية سواء من طرف إسرائيل أو دول الجوار كإيران وتركيا وإثيوبيا، أيضا مواجهة تبعات ما يجري في السودان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت