وثائق إسرائيلية تكشف عن رش مبيدات سامة في عقربة لتهجير سكانها

مستوطنة غيتيت ، عام 2020 (Getty Images).jpg

كشفت وثائق إسرائيلية "أفصح عنها الآن" بأن جيش الاحتلال إسرائيلي، سعى بداية العام 1972، إلى تهجير سكان قرية عقربة في الأغوار عن أراضيهم من أجل إقامة مستوطنة "غيتيت".

وتشير الوثائق الأرشيفية التي نشرتها صحيفة "هآرتس"  بأن الجريمة ارتكبها جيش الاحتلال ضد أهالي القرية الذين تشبثوا بأراضيهم، موضحة بأن وثائق الأرشيف الإسرائيلي وأرشيف الجيش الإسرائيلي،  تؤكد بأن الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال في عقربة من أجل إقامة المستوطنة، بدءا من التخطيط لها وحتى تنفيذها.

في البداية جرى سلب أراضي عقربة من أراضيهم بذريعة كاذبة هي إقامة منطقة تدريبات لجيش الاحتلال. وهذه ذريعة استخدمها الاحتلال عشرات المرات من أجل إقامة مستوطنات في أنحاء الضفة الغربية.

وبعد أن أصرّ الفلسطينيون في عقربة على مواصلة زراعة أراضيهم، أعطب الجنود الإسرائيليين آلياتهم الزراعية. وبعد ذلك صدر أمر للجنود بالدوس على المزروعات بمركبات عسكرية بهدف تدميرها. ولأن ذلك لم يؤدي إلى دفع المزارعين إلى مغادرة أراضيهم، لجأ جيش الاحتلال إلى ارتكاب جريمة أكبر، باستخدام طائرة رش مبيدات من أجل نثر مادة كيماوية سامة، تبيد المزروعات وتقتل البهائم، وتشكل خطرا على حياة البشر.

وأثارت هذه الجريمة الإسرائيلية ضجة بعدما كشفتها وسائل إعلام دولية، في العام 1972، لكنها لم تمنع إقامة مستوطنة "غيتيت" في أراضي عقربة، التي سممها الاحتلال. وتكشف الوثائق الآن التفاصيل الكاملة لهذه الجريمة.

وكشف عن هذه الوثائق مشروع مركز "تاوب" الإسرائيلي، الذي يوفر منح دراسية للدكتوراة في جامعة نيويورك. ويرصد هذا المشروع ويصنف كافة المواد التاريخية المتعلقة بالمشروع الاستيطاني، وباتت وثائقه متاحة الآن، وتشمل آلاف الملفات التي كانت مغلقة في الأرشيف الإسرائيلي وغيره.

والملف الذي يوثق تسميم أراضي قرية عقربة محفوظ في أرشيف الجيش الإسرائيلي، والوثيقة الأولى فيه مؤرخة في كانون الثاني/يناير 1972. وبموجبها، أصدرت قيادة المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي أمرا للواء الأغوار يقضي بالتأكد من "عدم زراعة الأراضي في هذه المنطقة، وبضمن ذلك تدمير المزروعات الموجودة بواسطة السير عليها".

وتشير وثيقة أخرى، من آذار/مارس العام نفسه، إلى "نجاح المهمة". وجاء فيها أن "المسؤول عن الأملاك المتروكة والحكومية" في قيادة الضفة الغربية طلب استدعاء المخاتير ورؤساء الحمائل وتذكيرهم "بألا يخالفوا الأوامر المذكورة، وإلا سيتم تدمير المزروعات وستجري محاكمتهم بسبب الدخول إلى منطقة مغلقة من دون تصريح".

وادعت وثيقة أخرى أن جيش الاحتلال أوعز بفتح تحقيق ضد ضابط "تسبب بأضرار لأملاك السكان"، باستهدافه مع عدد من الجنود لجرار ومحراث وقطعان ماشية تابعة لسكان القرية. لكن ملف الوثائق لا يتضمن أي توثيق لمحاكمة الضابط والجنود أو لأي عقوبة، ما يدل على أن هدف ذلك هو التضليل وكأن جيش الاحتلال يعاقب على جرائم قواته علما أن قيادته أصدرت الأوامر بارتكاب هذه الجرائم.

وأجرت قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال مداولات بمشاركة ضباط ومندوب دائرة الاستيطان في الوكالة اليهودية، في نيسان/أبريل، بعنوان "رش مبيدات في مناطق محظورة في منطقة تل-طال"، و"تل-طال" كان الاسم الأصلي لمستوطنة "غيتيت".

وجاء في الوثيقة أن هدف المداولات هو تحديد "المسؤولية والجدول الزمني لرش المبيدات"، وأنه بعد تنفيذ ذلك سيُمنع دخول البشر إلى المناطق التي جرى رشها بالمبيدات لمدة ثلاثة أيام "تحسبا من تسمم الأمعاء"، ومنع دخول المواشي إلى هذه الأراضي لمدة أسبوع آخر.
 
وجرت مداولات أخرى في الشهر نفسه، وجاء في الوثيقة أنه "لا توجد معارضة من جانب هذه القيادة لتنفيذ رش المبيدات كما هو مخطط"، وأن "المسؤول عن الأملاك المتروكة والحكومية سيهتم بوضع علامات دقيقة لترسيم حدود المنطقة وسيوجه طائرة رش المبيدات بناء على ذلك". وجاء في الوثيقة أيضا أنه ستُدفع تعويضات لأصحاب الأراضي الفلسطينيين "في حال قدموا دعاوى". وقدر جيش الاحتلال أن الأضرار ستكون بمبلغ يتراوح بين 12 – 14 ألف ليرة.

وتشير وثائق أخرى في الملف إلى أن رش المبيدات السامة، بهدف "إبادة المحاصيل"، نُفذ في 17 نيسان/أبريل 1972، بعد "مصادقة منسق الأعمال في المناطق شفهيا على عملية رش المبيدات"، وشمل مساحة 500 دونم.
 
وشمل ملف الوثائق رسالة بعثها رئيس مجلس عقربة إلى وزير الجيش الإسرائيلي. والرسالة مكتوبة بخط اليد باللغة العبرية، وربما أن ترجمة قام بها الجيش الإسرائيلي. وجاء فيها أن "عدد سكان القرية 4 آلاف ويعتاشون من 145 ألف دونم من الأراضي الزراعية". وأضاف أن سلطات الاحتلال أحرقوا حقول مزروعة بالقمح وصادرت أراضي السكان وأبقوا لهم 25 ألف دونم فقط.

وتابعت الرسالة أنه "يصعب تحمل الأضرار. ماذا سنفعل بـ25 ألف دونم التي تبقت لنا وكيف سنعتاش؟ ونحن نعيش في دولة ديمقراطية لا يوجد فيها تمييز عنصري. ونطلب إلغاء (إقامة) المستوطنة في أراضينا والسماح لنا بمواصلة العيش على الزراعة في أراضينا بموجب القانون والعدالة".

واستكمل جيش الاحتلال السيطرة على الأراضي التي جرى تسميمها، في أيار/مايو، وتحدثت وثائق عن "توَطّن" فيها و"مستوطنة دائمة" لاحقا في هذه الأراضي. وجاء في وثيقة أخرى "الرجاء مصادقتكم على الاستيلاء على المنطقة لغرض إقامة مستوطنة".

وفي آب/أغسطس، أقام قائد المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي، رحبعام زئيفي، داعية الترانسفير المعروف، البؤرة الاستيطانية "غيتيت" في أراضي عقربة. وفي البداية سكن فيها جنود من لواء "هناحال" في خيام وبعد ذلك في مبان. وفي بداية العام 1973 تحولت هذه البؤرة الاستيطانية إلى بؤرة دائمة، وأقيمت المستوطنة في العام 1975.

ونقلت الصحيفة عن المسؤول السابق عن محفوظات الدولة، د.يعقوب لازوفيك، الذي يرأس مشروع "مركز طاوب"، قوله إنه أثناء تجميع الوثائق المتعلقة بالمشروع الاستيطاني، أدرك الدور المركزي لحكومات إسرائيل في هذا المشروع، وأن "الحكومة هي المحرك وكافة الأمور تمر عن طريقها".

وقال رئيس "مركز طاوب"، بروفيسور رون تسفايغ، إن "الاطلاع على المواد يسمح بإدراك أفضل أن هذا المشروع القومي العملاق هو ثمرة مبادرة لحكومات إسرائيل المتعاقبة، وليست اليمينية فقط وإنما جميعها".

وجمع "مركز طاوب" في إطار مشروعه 11 ألف ملف، تشمل 1.5 مليون صفحة، خلال السنوات الخمس الماضية، من مصادر متنوعة، بينها الأرشيف الإسرائيلي وأرشيف الكنيست ومجمعات معلومات قضائية.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - عرب ٤٨