كشفت مصادر مطلعة على مسار المحادثات بين إسرائيل ومصر بشأن تأمين الحدود بأن القاهرة رفضت مطالب تقدّمت بها تل أبيب، وقدّمت في المقابل عدداً من المتطلبات اللازمة لعمليات التأمين، بما يقلل من احتمالات تكرار الواقعة الأخيرة التي شهدت تسلل الجندي المصري محمد صلاح عبر الحدود بين سيناء وصحراء النقب، وقتله عدداً من جنود الجيش الإسرائيلي.
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية لقاءات مكثفة بين لجان التنسيق المشتركة بين الجانبين المصري والإسرائيلي، شاركت فيها قيادات أمنية واستخباراتية وعسكرية من الجانبين.
وبحسب مصادر مطلعة على مسار المحادثات تحدثت لصحيفة "العربي الجديد"، تمثلت مطالب جيش الاحتلال في ضرورة تقليل العنصر البشري من الأمن المصري للحد الأدنى بأسلحة أقل من الخفيفة، خشية قيام أحد عناصر التأمين على الجانب المصري بتكرار ما قام به الجندي محمد صلاح، إذ ثبت، من وجهة نظر الطرف الإسرائيلي، عدم صلاحية الاستراتيجية المصرية القائمة على انتقاء عناصر تأمين الحدود من مجندين بلا خلفية سياسية أو أيديولوجية.
وألمح الجانب الإسرائيلي خلال المحادثات إلى أن الاحتفاء الواسع بين المصريين بما فعله صلاح يعكس انتشار "عداء إسرائيل" بين قطاعات كبيرة من المصريين، معظمهم بلا انتماءات سياسية أو خلفيات دينية. وفي محاولة لإغراء الجانب المصري، وعد الإسرائيليون بتقديم تقنيات متقدمة لأجهزة الأمن، مثل تلك الموجودة على الجانب الإسرائيلي، تحلّ محل العناصر البشرية، وتعوّض نقص العدد والعتاد.
ورفض المصريون المطلب الإسرائيلي بخفض العدد والعتاد العسكريين، مطالبين في المقابل بتزويد مصر بالتقنيات المتقدمة وأجهزة الإنذار المبكر، التي تنبّه الجانب المصري لأي عمليات تسلل يمكن أن يقوم بها عسكريون من ناحية سيناء.
وأكد العميد المتقاعد صفوت الزيات، لـ"العربي الجديد"، "عدم توافر معلومات مؤكدة حتى الآن عما توصل إليه الجانبان من توافق حول المطالب الإسرائيلية من الجانب المصري، إذ تسعى إسرائيل إلى الاستغلال الأقصى لتبعات الحادث ربما لمستويات قد يراها الجانب المصري إخلالاً بحقوق السيادة".
وضرب الزيات أمثلة على تلك المطالب، بالقول إن منها "تفريغ عمق معين من الوجود الأمني المصري، اعتماداً على أن تقنيات الاستشعار الإسرائيلية، سيوفر بديلاً يعتمد عليه في عمليات الإنذار المبكر لأعمال الاختراقات وعمليات التهريب".
وتابع أن "هناك مطلباً ثابتاً للجانب الإسرائيلي، يتعلق بمراجعة مشتركة مسبقة للبيانات الشخصية لعناصر الأمن المصرية المكلفة بالتأمين على الجانب المصري في المنطقة (ج) المحددة باتفاقية السلام لعام 1979، مع السماح للجانب الإسرائيلي بالوجود العسكري غير المقيد في المنطقة (د) المحددة بالاتفاقية نفسها".
وأشار إلى أن "من بين المطالب الإسرائيلية الثابتة السعي المتزايد للضغط من أجل مزيد من الأنشطة الحكومية، لتحديد واحتواء الخطابات الشعبية المعادية للكيان الإسرائيلي، التي أسفر عنها بوضوح استمرار بل تصاعد مستويات الرفض والكراهية من قبل كافة المستويات النخبوية والعامة".
وأكد الزيات أن "الجانب المصري يتوجب عليه أمام هذه الضغوط الموازنة بين استحقاقات اللحظة الظرفية وبين الخطوط الحمراء التي ترسمها حقوق السيادة الوطنية ليس لجيل قائم، ولكن لكل الأجيال المقبلة".
وطالب الزيات بضرورة "قيام الجانب المصري بتذكير الطرف الإسرائيلي بأن مصر ترى في القيود التي فرضتها اتفاقية السلام وتعديلاتها التالية الحد الأقصى لما يمكن تحمّله على المستويات السياسية والعسكرية والشعبية معاً". وأضاف: "من الضروري أيضاً أن يدرك الإسرائيليون أنه ليس ثمة تنازل سياسي واحد من الجانب الإسرائيلي، بل تمادٍ متعمد في الانتهاكات المستمرة للحقوق الفلسطينية منذ عام 1979، بشكل لا يوفر مبرراً واحداً لجهد رسمي داخلي يسعى للتخفيف من مستويات الرفض الشعبي المصري الداخلي للكيان".
من جهته، قال الباحث المتخصص في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية، شادي إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، إن "المطالبات الإسرائيلية الأخيرة تمس اتفاقية كامب ديفيد، والمنطقة التي يتحدثون عنها فيها أعداد قليلة من الجنود ونوع التسليح، والإسرائيليون يحاولون الضغط على مصر من أجل خفض التسليح وتقليل عدد الجنود، وهذا الأمر يعتبر تغييراً في المعاهدة".
ولفت إلى أن "هناك جانباً جيداً يمكن لمصر استغلاله، في حال توافرت القيادة السياسية الحقيقية، بمعنى أن الإسرائيليين يرغبون في تغيير بعض المنصوص عليه في معاهدة السلام، إذاً هي فرصة للتفاوض على العديد من البنود للخروج بمكتسبات أكبر".
وأشار إلى أن "الإسرائيليين يضغطون من أجل فكرة تغيير الكادر أو العنصر البشري، وتخفيض الأعداد، ليكون الأمر في صالح إسرائيل، ولا أظن أن تقبل مصر بهذا الأمر بشكل رسمي، لكن من الوارد حدوث تفاهمات من ناحية التنسيق المشترك والغرف المشتركة على الحدود، وأن يزداد هذا التنسيق في الفترة المقبلة".