- بقلم: رائد محمد الدبعي
- محاضر بقسم العلوم السياسية/ جامعة النجاح الوطنية
الأحداث المؤسفة في مخيم جنين قبل أيام، والتي كادت أن تفرط ما تبقى من حبات في العقد المجتمعي خلال تشييع الأحد عشر شهيدا بعد العدوان الاسرائيلي الأخير على المخيم، وما رافقه من اعتراض عدد من الشبان لمجموعة من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح، والتنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، يستدعي وقفة أعمق من التعاطي الأمني مع الحدث - على أهمية معرفة دوافع المحرضين ومحاسبتهم- إلا أن اندفاع عشرات الشبان خلف تحريض فرد واحد، تشي بحجم الغضب الذي يعتري هذا الجيل، وصفاته التي لا تشبه الأجيال السابقة، فهذا جيل أكثر قدرة على التعبير عن غضبه من الواقع المعاش، ومستعد للتعبير عن رفضه بشتى الأساليب، دون تردد أو مواربة، وهو جيل يثبت يوميا تمرده على الاحتلال بالدم والفعل، وعلى الواقع الفلسطيني الحالي، وإدارة الشأن العام عبر مواقع السوشال ميديا، وعبر ردود فعل متنوعة، بحاجة إلى قراءة متفهمة وعميقة من صناع القرار، وهو رافض أيضا لوجود حركة حماس في المنطقة الضبابية، لا سيما بعد موقفها من العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وهي صاحبة شعار " وحدة الساحات" و" الخطوط الحمراء "، فهو جيل يرفض استمرار المرواحة في المكان بعلو الصوت، ويرفض الهدنة غير المعلنة في قطاع غزة، وهو جيل يصنع رموزه من أترابه بالدم والمقاومة، وهو جيل حانق على الواقع الحالي لا سيما المحسوبية، وتقلد أبناء المسؤولين بمثل عمره مواقع متقدمة في السلطة القضائية ووزارة الخارجية ، وغيرها من المواقع، في ظل ارتفاع مستويات البطالة والفقر، بينما هو الذي يدفع ضريبة التحرير في المخيمات والأحياء الشعبية والقرى والمناطق المهمشة، هذا جيل غير مسحور بالمكاتب الوثيرة، والمحاطين بالحراسات الشخصية، ولا يجد أي مبرر لأن تكون رموزه من أصحاب التاريخ الناصع، ما دام يرى في كل يوم رموزا وقدوات من أبناء جيله، ممن يشبهونه تجربة وعمرا ونضالا، لذى تجده يعلق صور ابراهيم النابلسي، وعمر ابو ليلى، وابو صالح العزيزي، وعدي التميمي، ووديع الحوح والدكتور عبد الله ابو التين، ورعد خازم، وغيرهم من الشهداء من أبناء جيلهم على صدورهم، ويعلقون صورهم في كل مكان، فهم يشبهونهم عمرا وتجربة وغضبا وتمردا على الواقع، ويرون بهم صورتهم بالمرآة، أو صورة أحلامهم، وأبطالهم الحقيقيون، هذا جيل لا يعنيه كثيرا تاريخ القادة وسيرهم الذاتية، فهو يصدق ما يراه لا ما يسمعه ، يأبه بالحاضر لا الماضي، الميدان بالنسبة له هو المقياس، هذا جيل لا ينبهر بالخطابات العرمرمية والشعارات العريضة، ولا تغريه الوعود البراقة ولا يتأثر بها، ولا يؤمن إلا بمن يشاركه النضال والوجع في الميدان وساحة المعركة، هذا جيل تؤثر به أغاني " تشهد علينا حارة الياسمينة" " وجفرا العرين" و " وخاوة" وترنيمة شهيد" وأخت المرجلة"، أكثر من أغاني بداية الثورة ومحطات نارها المتقدة، التي شكلت الوعي الوطني والثوري لجيل الأجداد والآباء، هذا جيل يعلي البندقية على كل الرايات الحزبية، ويندفع خلف كل من يرفعها في وجه الاحتلال، وهو جيل لا يرائي، واضح كالشمس، حاد كالسيف، ونقي كالماء الزلال، لا تعني له القيادة التاريخية بكل تاريخها ونضالها شيئا ما لم تتواجد معه بالميدان، وهو يرفض استمرار الاحتلال بإدارة الأمور وفقا لمعادلة " رابح- خاسر" بمعنى أن يربح الاحتلال كل الوقت، يكسب الأرض والوقت، وطرد السكان، مقابل خسارتنا نحن الفلسطينيين كل الوقت، ويقول بعالي الصوت، إن كان الاحتلال لا يريد أن ينهي احتلاله، فليخسر هو أيضا كما نخسر يوميا، ولنذهب إلى معادلة " خاسر - خاسر" لعل العالم يسمع صوتنا، ويلتفت لمعاناتنا ويحرك ساكنا، وهو جيل يعلم أن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والقانون الدولي، واتفاقيات جنيف، ما لم يرافقها فعل ميدان ووحدة وطنية حقيقية، هي كمن يتعاطى مخفض للحرارة للعلاج من السرطان، وهو جيل يمتلك غضبا كبيرا، لكنه يفتقر للاجابات الواضحة، والتفصيلية، للأسئلة الوطنية الكبرى، كيف لا وهو الجيل المغيب عن كل مواقع صنع القرار السياسي، فيما هو الحاضر الأكبر في صناعة القرار الميداني، وهو جيل تصنع " السوشال ميديا" مكونات وعيه، ومواقفه، وردود فعله، ومحددات سلوكه، وبالتالي فإن محاولات التعاطي مع الجيل الحالي بأدوات التعاطي مع الأجيال السابقة، ومخاطبته بشعارات الماضي، يعني إصرارا على دفن الرأس بالرمال، وانحدارا متسارعا نحو الهاوية.
كما أن الفصائل جميعها دون استثناء تعيش حالة اغتراب عن أعضاءها، فما أن يرتقي شهيد بعد أي عمل فدائي، حتى تبدأ الفصائل بالتنقيب في صفحاته عبر وسائل الاعلام الاجتماعي، وفي جيوب قلبه، وفي سطور تعليقاته وهمساته، ومواقفه، ودوائر علاقاته، لعلها تجد ما يمكنها من تبنيه لتغطي على عار انكفائها وترددها وتخاذلها في قيادة الحالة وتوجيهها، ولعلها تستطيع استغلال دمه في بورصة المزاودة الحزبية، إلى درجة أن قامت إحدى الفصائل بتبني امرأة قتلت على أحد الحواجز الاحتلالية ليتبين لاحقا بأن القتيلة هي مستوطنة إسرائيلية انتحرت بالمكان.
ختاما، في ظل استمرار التعاطي مع الشباب الفلسطيني كونه حطبا للاحتراق ، فمن المحتمل أن يكون في المستقبل القريب وقودا لما لا يحمد عقباه، وهو الأمر الذي يتطلب من مختلف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الاسلامي، الاصغاء جيدا لهذا الجيل، ومشاركته في رسم المستقبل، وفتح نوافذ له للمشاركة في صناعة القرار، ولعله من المفيد أن انهي هذه السطور بالتذكير أن نسبة الشباب في المجلس الوطني الفلسطيني هي صفر .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت