عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش، تناولت المقاومة في الضفة الغربية، واستشرافاً لمساراتها المحتملة، بحضور ومشاركة نخبة مختارة من الخبراء والباحثين والمختصين في الشأن الفلسطيني.
افتتح مدير مركز الزيتونة الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح حلقة النقاش التي توزّعت على جلستين، ورحّب بالحضور، وقال إنّ هذه الحلقة المتخصصة جاءت في ضوء تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وفي ضوء العدوان الصهيوني على جنين وبؤر المقاومة.
ترأس الجلسة الأولى الأستاذ عاطف الجولاني، رئيس تحرير صحيفة السبيل الأردنية، واستهلّ الأستاذ حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الأوراق المقدّمة، وأكّد أنّ هذه الحرب هي حرب إرادة بين الفلسطينيين والاحتلال، وقال إنّ ما يميّز المقاومة الحالية في الضفة الغربية عن غيرها من الانتفاضات هو تنوّعها بين عمليات فردية ومنظّمة، وازدياد عدد المطاردين في منطقة جغرافية محدودة. وقال بدران إنّ الخيارات مفتوحة لاستمرار هذه الموجة من المقاومة أو تراجعها، وأكّد أنّ من أسباب استمرارها أنه لا يوجد أفق سياسي للحل، وهو ما يعطي اندفاعاً للشباب الفلسطيني لأنه لا يوجد بديل عن المقاومة، وضعف الأداء السياسي والأمني والاقتصادي للسلطة الفلسطينية، وتبني حركات المقاومة لعدد من العمليات بعد أن كانت فردية، ومشاركة العديد من أبناء فتح في هذه الموجة، والالتفاف الجماهيري لدعم المقاومة. أما أسباب تراجع هذه الموجة من المقاومة، فهي غياب الاستراتيجية الجامعة حيث لا يوجد توافق وطني، وانحصار المقاومة في مناطقة معينة، وممارسة الاحتلال العنف ضدّ المقاومين وملاحقتهم، والتنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، بالإضافة إلى الدعم الدولي والإقليمي للاحتلال. وقال بدران أنّ المطلوب لتوسيع المقاومة المزيد من الدعم والإسناد، وتحمّل تبعات المقاومة من حيث سقوط الشهداء وهدم البيوت وغيرها، والحفاظ على التضامن الشعبي، وضرورة الوصول إلى حدّ أدنى من التوافق الوطني لمواجهة الاحتلال. وأكّد بدران أنّ حماس معنية بالدفع باتجاه استمرار هذه العمليات مهما كانت التبعات.
وقدّم الورقة الثانية الأستاذ إحسان عطايا، عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي، الذي أكّد أيضاً على أنّ جميع الخيارات مفتوحة لمستقبل المقاومة، وأنّ مسار المواجهات ضدّ الاحتلال ووحدة الساحات جاءت لتعبّر عن امتداد ساحة المقاومة، وتوجيه رسالة واضحة بعدم السماح للاحتلال بالاستفراد بمنطقة دون أخرى، وأنّ الاحتلال لن يستطيع القضاء على المقاومة في الضفة ما لم يقضِ على المقاومة في جنين. وأضاف عطايا أنّ ضرب المقاومة في جنين ومنعها من تطوير قدراتها العسكرية، ومحاولة ترميم صورة الردع المهمشة أمام العالم، ومحاولة ترميم صورة العدو الصهيوني المأزوم داخلياً، كانت من أبرز أهداف الاحتلال من عملية جنين ولكنه فشل في تحقيقها. وأكّد عطايا أنّ من أهم عوامل انتصار المقاومة في جنين هو وحدة المقاومة الميدانية. وأضاف أن المقاومة هي في معركة مفتوحة مع العدو الإسرائيلي وتحتمل كلّ الخيارات، واستبعد حالياً إعادة الإسرائيلي ضرب مخيم جنين حتى لا يتكرر فشله، وقال إنه سيذهب إلى خيارات أخرى أقل كلفة.
وقدّم الورقة الثالثة الأستاذ هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، الذي قال إنّ مستقبل المقاومة في الضفة يتوقف على دور السلطة وهل ستنحاز للاحتلال أم للشعب الفلسطيني، كما يتوقف على مسارات المعارضة الفلسطينية، وهل ستبقى دون تشكيل إطار وجبهة على أساس رؤية واستراتيجية واحدة، أم ستبقى في إطار الوحدة الميدانية وتعدد الرؤى والاستراتيجيات، كما يتوقف على مستقبل كتائب المقاومة والمقاومين الفرديين، وهل سيسيرون نحو توفير التنظيم والاستفادة من التجارب السابقة، وعدم المغامرة، ونحو توفير غطاء سياسي وقيادي أم لا؟ واقترح المصري وضع هدف وطني كبير ناظم للحركة الفلسطينية في هذه المرحلة مركزية، وهو إنهاء الاحتلال للأراضي المحتلة سنة 1967، ورأى أنّ هذا الهدف يمكن أن يتوافق عليه جميع أصحاب الخيارات المختلفة. وأضاف المصري أنّ مستقبل المقاومة في الضفة سيتأثّر أيضاً في التحولات والتغيرات في المنطقة والإقليم والعالم، كاحتمالية تطبيع السعودية مع "إسرائيل"، ومصير الحرب الأوكرانية، ومصير الأزمة الداخلية في "إسرائيل". وقال إنّه يجب استبعاد زوال "إسرائيل" على المدى المباشر لأسباب عدة، منها: أنّ النظام الداخلي الإسرائيلي قوي على الرغم من نقاط ضعفه وتآكله للكثير، وأنّ الولايات المتحدة والغرب لن يسمحوا بزوال "إسرائيل".
وقدّم الورقة الرابعة العميد أمين حطيط، خبير الدراسات العسكرية والاستراتيجية، الذي عرض قدرات العدو وإمكاناته في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، وقدرات الفلسطينيين في العمل المقاوم، وعرض أهم العوائق والسلبيات التي تعترض المقاومة في الضفة الغربية، كالتنسيق الأمني، وتعقيدات الحصول على الأسلحة، وغيرها. كما طرح حطيط عدة سيناريوهات محتملة لمسار المقاومة في الضفة الغربية، ورجّح منها سيناريو بقاء التنسيق الأمني الإسرائيلي مع السلطة، وتشدُّد "إسرائيل" في التدابير الأمنية التي تَحدُّ من حركة المقاومة، والقيام بعمليات أمنية محدودة بشكل انتقامي عند وقوع الخسائر الكبرى في صفوفه.
ترأس الجلسة الثانية الدكتور أحمد عطاونة، مدير عام مركز رؤية للتنمية السياسية، وقدّم الأستاذ ساري عرابي، الكاتب والباحث في الدراسات الفلسطينية، الورقة الخامسة، وقال إن هناك عدة إشكاليات في تقييم حالة المقاومة في الضفة الغربية، منها إشكالية المقارنة مع غزة، وإشكالية المقارنة مع الانتفاضات السابقة، وإشكالية التعامل مع كل مرحلة من مراحل المقاومة كأنها مرحلة منفصلة. وأضاف عرابي أنّ الاحتلال طوّر أدواته للتحكّم في البنية التحتية للضفة الغربية وعزلها، وبالتالي على المقاومة تطوير أدواتها لتراعي الوضع الحالي في الضفة. وقال عرابي إنّ عوامل التثوير في الضفة الغربية ما تزال موجودة، كاقتحام الأقصى، وجرائم المستوطنين، والتحدي الاستيطاني، وحالة الفعل المقاوم الذاتي، وإشاعة ثقافة المقاومة، ومحاولة استنساخ حالة مخيم جنين في أماكن أخرى، وضعف السلطة الذي يُسهم في إذكاء حالة المقاومة. وأكّد عرابي أنّ المقاومة الفلسطينية بالرغم من كلّ المعيقات هي في حالة تصاعد أو حالة مدّ وجزر ولا انتهاء لوجود المقاومة في الضفة الغربية.
وقدّم الورقة السادسة الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، خبير الدراسات المستقبلية والاستشرافية، الذي قال إنّه يجب عدم التركيز على الخسائر البشرية والتي هي لصالح "إسرائيل" في الغالب، ويجب التركيز على تأثيرات المقاومة على الاقتصاد الإسرائيلي، والاستثمار الأجنبي، والهجرة القادمة أو المغادرة، وعلى صورة "إسرائيل" في الرأي العام العالمي والإسرائيلي. وقسّم عبد الحي الموقف الدولي خلال المعركة وبعدها إلى أربعة مستويات، هي: مجموعة التأييد الواضح غير الملتبس والمؤيد للمقاومة الفلسطينية، ودول المساواة بين الضحية والجلاد، ودول الصمت، ومستوى المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، وقال إنّ الذي يجمع بين هذه المجموعات الأربع هو عدم اتخاذها لأي إجراء فعلي ضدّ "إسرائيل". وفي الاستشراف المستقبلي قال عبد الحي إن المواجهات لن تتوقف في الضفة الغربية، وتسعى "إسرائيل" إلى تحويل الضفة الغربية كنموذج لمستقبل غزة، حيث تزايد بؤر المقاومة في جنين أو بوادرها في نابلس والخليل والعمليات المتفرقة في القرى أو في مدن كالقدس وتل أبيب سيدفع "إسرائيل" إلى توظيف القوى الدولية المؤثرة في الضغط على السلطة الفلسطينية لمزيد من التنسيق الأمني، وسيدفع الدول الغربية إلى ربط مساعداتها للسلطة بتطوير مستويات التنسيق الأمني، واعتقد عبد الحي أن السلطة ستستجيب لمزيد من التنسيق.
وقدّم الورقة السابعة الأستاذ جواد الحمد، مدير عام مركز دراسات الشرق الأوسط في عمّان، الذي قال إنّ تصاعد المقاومة الشعبية والمواجهات المسلحة مع الاحتلال في الضفة الغربية ممكن لكن من الصعب توسعها بشكل كبير بسبب سياسة الاحتلال التي تعمل على حصر ميدان المواجهة في أماكن معينة تمهيداً لاحتوائها؛ بالإضافة إلى عامل التنسيق الأمني من جانب السلطة الفلسطينية. وقال إنّه يجب رسم مسار فلسطيني جديد للتعامل مع الاحتلال، حيث لا بدّ من تجاوز حالة التشرذم السياسي والجغرافي، ولا بدّ من المصالحة الفلسطينية، وبلورة المقاومة الشعبية، وتطوير القدرات القتالية في غزة والضفة بشكل ممنهج.
وقدّم الورقة الثامنة الدكتور عدنان أبو عامر، الكاتب والباحث المتخصص في الدراسات الإسرائيلية، الذي تساءل عن هدف المقاومة في الضفة الغربية هل هي لاستنزاف العدو أم للحسم معه؟ وقال إنّ وجود السلاح الميداني في الضفة حيّد نسبياً البُعد الشعبوي، وإنّ المقاومة في الضفة مدعومة من المقاومة في غزة ومن الخارج بأشكال عدة. وأضاف أبو عامر أنّ المعايير الأساسية التي تحكم السلوك الإسرائيلي هي تكثيف العدوان على الضفة ودمج عدة سيناريوهات، وعدم إشراك باقي الساحات في المواجهة، والتعويل على السلطة في الاشتراك معه في استئصال المقاومة من الضفة. وأكّد أبو عامر أنّه من الضروري عدم حرق المراحل المتعلقة بتطوير المقاومة ومسار المواجهات مع الاحتلال، ووضع استراتيجية توجّه عمل المقاومة وتهدف إلى توسيعها وعدم حصرها في مساحة جغرافية معينة، بهدف استنزاف العدو وحرمانه من توجيه ضربات موجعة لها وتدفيعها أثماناً كبيرة خصوصاً في الجانب البشري والبنى التحتية.
وكانت هناك مداخلات وتعليقات مهمة من عدد من الخبراء والمختصّين على الأوراق المقدمة؛ واختُتمت الجلسة بإجابات وتوضيحات مقدِّمي المداخلات على تساؤلات المناقشين وملاحظاتهم.