زيارة عباس لجنين.. بين محاولة تعزيز صورة السلطة والغضب الشعبي

بقلم: هانى احمد طه

هانى احمد طه
  •  هانى احمد طه

في خطوة تحمل الكثير من الرسائل السياسية والعسكرية، زار الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، جنين شمالي الضفة الغربية، في أول زيارة للمدينة ومخيمها منذ أكثر من 10 سنوات، تحمل الكثير من الدلالات السياسية والعسكرية، وتأتي ردا على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو بهدم جزء من المخيم وتدمير بنيته التحتية  فجاءت الزيارة تبعث رسالة لإسرائيل مفاداها بأن المخيم والمحافظة يخضعون للسلطة الوطنية الفلسطينية، وكل إجراءات العدوانية لن تقف أمام إعادة إعمار المدينة، وأن القيادة الفلسطينية تقف في جنين وسط شعبها في خندق واحد في مواجهة الصلف والإرهاب الإسرائيلي، كما أنها رسالة ثبات وصمود لشعبنا في وجه جرائم الاحتلال ورسالة وحدة وطنية

أما رسائل الزيارة على مستوى الصراع مع إسرائيل، فالرسالة كانت أن القيادة السياسية ملتحمة مع مقاومة الشعب الفلسطيني، لإفشال المخططات الصهيونية بالضم، وإقامة الكانتونات والتهجير فإن "القيادة الفلسطينية كانت وظلت دائما تقف سندا وداعما لشعبها في مخيم جنين وكل المناطق الفلسطينية، لا سيما أن البعض حاول في الآونة الأخيرة العبث في الساحة الداخلية الفلسطينية والإساءة والتهجم على سيادة الرئيس والقيادة الفلسطينية، في محاولة لإثارة الفتنة الداخلية في صفوف شعبنا وضرب النسيج الوطني والجبهة الداخلية التي شكلت على الدوام حاضنة شعبية للثورة وركيزة الانتفاضة وسندا للقيادة الفلسطينية

كما أثارت الكثير من التكهنات بشأن تراجع سيطرة السلطة الفلسطينية في مناطق شمال الضفة الغربية لصالح الفصائل لا سيما حماس والجهاد  ، وتأتي زيارة الرئيس في ظل هذه الظروف، ولمواجهة تنامي دور حماس في المنطقة وللتأكيد على حضور السلطة الفاعل في كافة المحافظات يبدو أن هناك مسؤولون في السلطة شجعوا أبو مازن على هذه الخطوة لتفادي تكرار الغضب الشعبي في أماكن أخرى، تلك الزيارة لم تخل من رسائل للداخل والخارج وجهها الرئيس عباس، والذي تعهد فيها بإعادة إعمار المخيم "فورا"، مشيرًا إلى أن جنين هي أيقونة للنضال والصمود والتحدي

ويثير ذلك تساؤلات عن مستقبل وخيارات السلطة الفلسطينية وعلاقتها مع الشارع وإمكانية اصطدامها بمسلحي الفصائل، في وقت يستمر فيه انغلاق الأفق السياسي، مع مساعٍ إسرائيلية لإضعافها ، فالصراع بين حماس والسلطة الفلسطينية قائم منذ عام 2007، بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة بقوة السلاح، وطرد السلطة الفلسطينية وكبار أعضاء حركة فتح، منذ ذلك الحين وحتى اليوم، جرت عشرات المحاولات للوساطة بين حركتي حماس وفتح وفشلت معظمها، وفي الحالات التي تم فيها التوصل إلى تفاهمات لم يتم تنفيذها على الأرض

وبغض النظر عن كيف ومتى تنتهي جولة القتال الحالية، من الواضح أن حركة الجهاد الإسلامي المدعومة من إيران "تمكنت من إعادة تأكيد وضعها كثاني أكبر حركة  ومن الأكثر نفوذا في قطاع غزة ،ومن الواضح أيضا أن الجهاد الإسلامي أصبحت تشكل تهديدا رئيسيا ليس فقط لإسرائيل، ولكن لحماس أيضا. وبالمثل، فقد أصبحت أيضا تهديدا حقيقيا للسلطة الفلسطينية، خاصة في شمال الضفة الغربية، في هذه المرحلة حماس لا تريد للجهاد الإسلامي أن تجرها إلى مواجهة شاملة أخرى مع إسرائيل. وخوف حماس الأكبر هو أن تؤدي حرب أخرى إلى ثورة ضد نظامها من قبل الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين دفعوا ثمنا باهظا خلال المواجهة العسكرية مع إسرائيل العام الماضي".

فقد عمدت حركة حماس إلى التقليل من أهمية زيارة الرئيس عباس إلى جنين، متسائلا : هل حماس فعلا تبحث عن إعادة إنتاج نموذجها بالضفة الغربية على حساب الدم الفلسطيني ، جنين تفضح المواقف الأوروبية، والسياسة الأميركية، وتنتقد السياسات الفلسطينية التي تعلي من قيمة المجتمع الدولي في الصراع وتحقيق العدالة، ما يعني أن الرعاية الأميركية ليست ذات قيمة إيجابية للحقوق الفلسطينية، وكذا الدور الأوروبي ليس ذا قيمة في تحقيق العدالة والحرية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال،  من تركوا منازلهم في مخيم جنين بسبب العدوان وكثرة الإصابات هم شهود على جرائم العدو العنصرية واستخدامه المفرط للسلاح ، هؤلاء يخاطبون المجتمع الدولي الذي تعود على خذلان الفلسطيني، وتبرير عدوان الإسرائيلي قائلين إلى متى هذا الانحياز؟! نحن نترك بيوتنا خوفًا من العدوان وأنتم تنظرون وتصدرون بيانات سياسية هزيلة لا تمنع العدوان، ولا توقف جرائم الجيش. تبًا لكم ولقيمكم ولحضارتكم الظالمة.

لا تزال السلطة الفلسطينية تفقد حكمها على الأرض، وحماس تصعد عن ظهرها وتشجع الظاهرة التي يمكن أن تمتد إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية أيضًا.

فيما يرى كثير من المراقبين إن الزيارة تهدف لتعزيز مكانة السلطة الفلسطينية وحركة فتح بعد حادثة تمثلت بطرد بعض أهالي المخيم لقيادات من اللجنة المركزية لفتح، كانت زارت المخيم عقب انتهاء العملية الإسرائيلية

وحديث الرئيس عباس عن الوحدة الوطنية، وعدم السماح للمؤامرة بالنيل منها، لا يمكن لذلك من حضور دون الذهاب سريعا لوضع "قواعد عمل" تنطلق من رؤية واضحة محددة، منطلقها الوطنية العامة، وليس "الوطنية الولائية"، التي يعتقد بعض فتح بأنها مقياس التفاعل والتحالف، وتلك مسألة وخلال سنوات، قدمت خدمة للعدو  الاحتلالي وأداة الشبق السياسي التي تبحث حضورا بديلا من باب الغدر الوطني وفي النهاية الزيارة مهمة وبها الكثير من الرمزية، ويُمكن البناء عليها نحو المزيد من الوحدة والتكاتف، مُستدركاً: "لكِن كنا نتمنى لو اجتمع الرئيس مع الفصائل الفلسطينية، ومع ذلك فإنَّ الزيارة مهمة في مجال النهوض الاقتصادي لمدينة جنين التي تُعاني كثيراً في هذا الشأن كما  إنَّ إسرائيل أدركت أهمية وقدرة السلطة الفلسطينية على ضبط الأمن بعد إطلاق صواريخ من جنين؛ لذلك تواجد السلطة مهم للاحتلال لضبط الأمن واستعادته هناك ،هذه الأوضاع تفرض تحديات تتجاوز مشهد الانسحاب من جنين، وتتجاوز التعامل معه بوصفه مشهد النهاية، وتطرح تساؤلات مهمة حول ما بعد جنين، وما بعد سياسات الاستيطان، وزيادة دور وزراء اليمين المتطرف، وما بعد تصريحات نتنياهو عن الدولة الفلسطينية، والدعم الأمريكي للسياسات الإسرائيلية في مخيم جنين، والقدرة على حماية الشعب والحق الفلسطيني وتجاوز الهدف الإسرائيلي الساعي إلى اجتثاث الدولة الفلسطينية وإن كانت الهجمات الإسرائيلية ضد مخيم جنين جزء من تفاصيل التصعيد الإسرائيلي، والسياسات الأكثر تطرفاً التي تتبعها الحكومة القائمة، إلا أنه لا ينفصل عن الحديث الإسرائيلي عن استهداف فكرة الدولة الفلسطينية، وتعامل نتنياهو مع الفكرة بوصفها الهدف المطلوب تحقيقه، وليس الوصول إلى تلك الدولة وتسوية الصراع والدخول في جولة جديدة من التصعيد سواء تم في صورة تصعيد مقيد أو حرب مفتوحة".

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت