- ✍️بقلم: ميسرة بحر.
أبدعت المقاومة في استخدام الوسائل المتنوعة لصد العدوان الصهيوني المتكرر على غزة، فقد مزجت ما بين الأدوات التقليدية (الاشتباك المباشر، استخدام العبوات الناسفة، استخدام المقذوفات ضد المدرعات .... الخ)، والأدوات الحديثة (الاستخبارات، الإعلام، المسيرات ... الخ) بالإضافة إلى استخدام تكتيكات للتغلب على قوات العدو التي تمتلك ترسانة عسكرية وقدرات قتالية متفوقة وغير متكافئة مع قدرات المقاومة؛ وهو ما يجسد مفهوم الحرب الهجينة التي أبدعت بها المقاومة وشكلت نموذج يستحق الدراسة.
سطرت المقاومة نموذجا رائعاً في تطوير وسائلها، وأساليبها، وتكتيكاتها؛ فمنذ أسر الجندي الصهيوني "شاليط" عام 2006، ومروراً بصد عدوان 2008 "معركة الفرقان"، في هذه الفترة أبدعت المقاومة في استخدام الوسائل الاقرب إلى الحرب التقليدية، لكن في صد عدوان 2012 "حجارة السجيل" ظهر تطور في أداء المقاومة، وخاصة في تكتيكات إطلاق الصواريخ، وفي الحرب الإعلامية.
شكل صد عدوان 2014 "العصف المأكول" نقلة نوعية في الأدوات التي استخدمتها المقاومة، فقد دخلت على الخدمة الطائرات بدون طيار، ونفذت قوات النخبة مجموعة من العمليات خلف خطوط العدو، وأخذ تكتيك إطلاق الصواريخ شكل أقرب إلى حرب الاستنزاف، في العام 2018 تصدت المقاومة لقوة صهيونية كانت قد توغلت في داخل حدود غزة في معركة "حد السيف" والتي أظهرت القدرات الأمنية لدى المقاومة، وليس انتهاء بصد عدوان 2021 "سيف القدس" حيث أظهرت تطور جديد لدى المقاومة في الجانب الاستخباراتي، وفي كثافة وتكتيك إطلاق الصواريخ.
ويمكن إجمال أهم الوسائل والأساليب والتكتيكات التي طورتها المقاومة والتي تعبر عن ملامح استراتيجية الحرب الهجينة لدى المقاومة في غزة كما يلي/
⭕ الجانب الأمني والاستخباراتي: سنركز في هذا الجانب على محطتين مهمتين تعبران عن تطور أداء المقاومة الأمني والاستخباراتي:
الأولى: في معركة "حد السيف" 2018م، حيث استطاعت المقاومة كشف قوة صهيونية خاصة مدربة على أعلى مستويات ومجهزة بأحدث الإمكانيات، وأفشلت مهمتها، ولم يتوقف الامر على ذلك بل كشفت أسماء أفراد الوحدة، وخط سيرها وأهدفها، ونشرت هذه المعلومات المهمة، مما أدى لخروج هذه الوحدة التي كانت تعمل على مستوى إقليمي عن الخدمة.
الثانية: في عدوان 2021 "سيف القدس"، استطاعت المقاومة إفشال مخطط كان قد أعده العدو وخطط له منذ سنوات لاستدراج المقاومين للدخول إلى الأنفاق، ومن ثم تنفيذ ضربة لما أسمته "مترو حماس" بحيث تقضي على أغلب المقاتلين، لكن بفضل الجهد الاستخباري استطاعت المقاومة کشف المخطط وإفشاله.
⭕ الحرب الإعلامية: أبدعت المقاومة باستخدام الجانب الإعلامي، ويظهر ذلك جلياً في عدة مشاهد سنذكر منها اثنين فقط:
الأول: في صد عدوان 2014 "العصف المأكول" حين توعد الناطق باسم كتائب القسام بضرب "تل أبيب" برشقة صاروخية من طراز "جي 80" في تمام التاسعة مساءً؛ وقد نفذ القسام وعده.
الثاني: في ختام صد المقاومة لعدوان 2021 سيف "القدس" عندما توعد الناطق باسم كتائب القسام العدو أنه إذا قام بأي حماقة في الساعات التي تسبق إعلان التهدئة فسيتم توجيه ضربة صاروخية تغطي كامل الكيان، الأمر الذي ردع الاحتلال ومنعه من توجيه أي ضربات.
⭕ تكتيكات إطلاق الصواريخ: طورت المقاومة من خلال الخبرة المتراكمة نتيجة التصدي لعدوان الاحتلال المتكرر تكتيكات متقدمة للتغلب على منظومة القبة الحديدية؛ من خلال توجيه ضربات صاروخية مركزة وبأعداد كبيرة لمنطقة محددة، من أكثر من راجمة في نفس اللحظة، بالإضافة للتحكم بزاوية إطلاق الصواريخ، وقد أثبت تكتيك المقاومة نجاحه مقابل فشل منظومة القبة الحديدية.
⭕الهجمات السيبرانية: تعرض العدو الصهيوني لمجموعة من الهجمات السيبرانية من قبل المقاومة وبعض المناصرين لها في الدول الإسلامية، تسببت بتعطيل عدد من المواقع الإلكترونية المهمة لدى العدو، وقد شهد العام 2023 تصاعد في الهجمات السيبرانية ضد العدو فقد تعرض لاختراق في مجموعة من البنوك، واختراق في شركة الكهرباء، والأنظمة المشغلة لصفارات الإنذار، ولتطبيق صفارات الإنذار، واختراق لنظام الأختام في مطار بن غورين ما تسبب في أزمة في المطار .
⭕استخدام الطائرات بدون طيار: نفذت المقاومة أول مهمة جوية لطائرة "أبابيل" بدون طيار التى أعلن عنها القسام في عام 2014م، حيث كانت أول مهمة لها فوق وزارة الحرب الصهيونية "الكرياه" في "تل أبيب"، ووجهت ايضا ضربة أخرى للعدو عام 2021م، فقد أعلن القسام عن دخول طائرة "شهاب الانتحارية" الخدمة وضربت بها منصة الغاز في عرض البحر قبالة الساحل شمال غزة.
⭕تطوير تنظيم يشبه الجيوش النظامية، بالاضافة لتطوير منظومات التحكم والسيطرة لدى المقاومة التي مكنت قيادتها من ضبط إيقاع العمليات على الأرض، مع الحفاظ على أسلوب حرب العصابات في الاشتباك مع العدو، وقد ظهر ذلك جلياً في الحروب التي خاضتها المقاومة.
⭕وسائل مبتكرة: حيث أبدعت المقاومة في ابتكار وسائل تمكنها من صد العدوان في ظل ظروف القطاع؛ فقد أنشأت شبكة اتصالات داخلية خاصة بها تمكنها من التواصل الآمن، وتمكنت أيضاً من حفر شبكة أنفاق دفاعية داخل القطاع تعين المقاومين على التخفي عن طائرات العدو، والانفاق الهجومية التي نفذت من خلالها العمليات خلف خطوط العدو وأثخنت به، وغيرها من الوسائل التي تطورها المقاومة باستمرار.
قدمت المقاومة نموذجاً فريداً في استخدام "الحرب الهجينة"، فقد تمكنت من مفاجئة العدو في كل جولة تخوضها؛ بتطوير وسائل وآليات وتكتيكات جديدة لتثبت فشل العدو وسياسته التي يسعى من خلالها إلى قضم قدرات المقاومة ومنعها من مراكمة القوة "قص العشب"، حيث تمكنت المقاومة رغم محدودية الإمكانيات من إنشاء ما يشبه بالمصانع والورش التي مكنتها من ابتكار وتطوير وسائلها، دون الحاجة لمساعدة خارجية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت