إسرائيل في الحفرة.

بقلم: محمد احمد الروسان

المحامي محمد احمد الروسان

*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*

"إسرائيل" دولة، من دون احتياطي جغرافي استراتيجي. حجمها وشكلها يعدّان كابوساً استراتيجياً.

 

سنشتبك في ملفين أثنين وتفرعاتهما: أزمة مجتمع المخابرات الإسرائيلي وتداعياته وعقابيله، وفي حالة الوضع الاستراتيجي العسكري لإسرائيل، في أعقاب الجاري الان:

ككرة ثلج تكبر وتكبر، الأزمة السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني وتتفاقم، على خلفية إقرار التعديلات القضائية الأخيرة(قانون المعقولية)، في القراءة الثالثة عبر المسمّى الكنيست، والتي صارت تلك التعديلات، جزءً من القانون الأساسي في الكيان، حيث لا دستور مكتوب لهذا الكيان الطارئ، على كلّ شيء، حتّى على ذاته.

وفي استطلاعات للرأي متعددة، وذات مصداقية الى حد ما، أجريت مؤخراً، من جانب أكثر من جهة، وطرف، أفادت بالتالي: 4% من الجمهور الإسرائيلي المحتقن يتخذون قرار بمغادرة الكيان دون رجعة، و22% يفكّرون في ذلك، و58% يخشون حرباً أهلية، مقابل 42% لا يخشونها، و62% من الإسرائيليين، غير راضين عن أداء الحكومة الحالية، و58 % من المستوطنين، يخشون حرباً داخلية فعلية، و49% من الإسرائيليين، يخشون أن يصل الجيش والموساد والشين بيت وباقي الأجهزة الأمنية، الى حالة من عدم الكفاءة.

كلّ ذلك يشير: الى أنّ الجمهور الإسرائيلي مقتنع، بأنّ هيبة إسرائيل قد تراجعت، وهذا يعزّز الحديث عن احتمالية حرب أهلية، وان كان الاحتمال في السياسة ليس يقيناً، وأنّ الجيش والمنظومة الأمنية المخابراتية، أدخلا في معركة داخلية شاملة، يعجزان على الانتصار فيها.

تقول التقارير والتسريبات الإسرائيلية، بوجود خلافات متزايدة، بين قادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وأكدت جلّ التقارير، أنّ مجتمع المخابرات الإسرائيلي، الذي يتكون من خمسة أجهزة، ثلاثة منها كبيرة، واثنان صغيران، بدأ يفقد تماسكه وانسجامه، بسبب التنافس الداخلي، وتباين التخمينات فيما يجري في الكيان الآن، ووجهات النظر.

انّ وقائع الخلافات المخابراتية الإسرائيلية الجارية، حيث أشارت المعلومات، إلى أنّ خلافاً متزايداً، بدأ يظهر بين قادة أجهزة وفروع، مجتمع المخابرات الإسرائيلي، وأكّدت أنّ هذه الخلافات، ليست من النوع العادي السطحي، الذي يمكن تجاوزه، هذا ويمكن الإشارة إلى طبيعة هذه الخلافات ضمن النقاط الآتية: وأبرز الأطراف التي تصاعدت بينها الخلافات، هي: ديفيد بن مرياع رئيس جهاز المخابرات الخارجية(الموساد) والجنرال رئيس جهاز المخابرات العسكرية(أمان)أهارون حوليا، حيث محفزّات خلافات ديفيد ورئيس وحدة أمان، انعكست في عدم انسجام تخمينات جهاز الموساد، وتخمينات جهاز أمان.

حيث الأسباب التي أدّت إلى الخلافات، بعضها يعود إلى الطموح الشخصي، وبعضها الآخر يعود للأسباب المؤسسية بسبب تداخل الاختصاصات، كونه لا توجد حدود واضحة لاختصاصات الأجهزة الأمنية، وفي الوقت نفسه لا توجد حدود واضحة لنطاق سلطة الأجهزة الأمنية، وقاد هذا الى تداخل الاختصاصات، وإلى سعي كل جهاز، إلى ممارسة سلطته ضمن نطاق يتداخل ويتقاطع، مع نطاق واختصاصات وسلطات الأجهزة الأخرى(وصفة كوكتيل اختصاصات).

الخلافات بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية، برزت مؤخراً بشكل واضح، على خلفية تخمينات هذه الأجهزة، إزاء ملف البرنامج النووي الإيراني، وملف حزب الله، وملف الخلافات الأمريكية – الإسرائيلية(هل هي خلافات بين زوج وزوجته تحت سقف واحد مثلاً؟)، وملف ما تسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط، وحل الدولتين الذي انتهى عملياً، وملف مبادرة السلام العربية، والتي يعمل السعودي على احيائها من جديد، وملف الخلافات الأوروبية – الإسرائيلية، كل ذلك على وقع قانون المعقولية الجديد، والذي تم اقراره بالقراءة الثالثة من قيل ما يسمى بالكنيست الصهيوني، ومحاولات يمين اليمين في الكيان، من السيطرة على الدولة العميقة فيه، والمحكمة العليا كذلك، والأخيرة كونها جزء من عميق الدولة، وبكلمات أخرى: فقد تضاربت هذه التخمينات مع بعضها البعض، إضافة إلى أن بعضها، كان يتضارب ويتعاكس، مع توجهات حكومة ائتلاف الحكومة الفاشية النازية من ناحية، وجنين عميق الدولة في الكيان من ناحية أخرى، وتشير الوقائع والمعطيات، إلى أن رئيس جهاز الموساد ديفيد بن مرياع، سعى للقيام بدور الرجل القوي، داخل مجتمع المخابرات، بشكل أدّى وقاد، إلى تصاعد المواجهة بينه وبين رئيس المخابرات العسكرية(أمان)، ورئيس جهاز الأمن الداخلي(شين بيت).

فيما مضى أقرّت إسرائيل، بإنشاء مجتمع للمخابرات الإسرائيلية، ليشكل الكيان المؤسسي الرسمي الموحد، المعني بعملية إنتاج المخابرات، وتشير المعلومات: إلى أنّ هيكل مجتمع المخابرات الإسرائيلي، يتكون من عضوية الأجهزة الآتية:

جهاز المخابرات العسكرية(أمان)، ويضم الدوائر الآتية: المخابرات البحرية، مخابرات الجيش، مخابرات الميدان، مخابرات - سابريت ماتكال، جهاز المخابرات الخارجية (الموساد).

جهاز المخابرات الداخلية(شين بيت)، وجهاز مخابرات الشرطة، وجهاز مخابرات وزارة الخارجية.

لقد استغرقت عملية تكوين هذا المجتمع المخابراتي، بشكله الحالي وقتاً طويلاً، وتقول المعلومات: أنّ أبرز المحطات في مسيرة تكوينه كانت في: تقرير لجنة "بادين – شيرف" 1963م، وتقرير لجنة "أغرانات" 1973-1974م، وتقرير لجنة "زامير" 1974م ، وتقرير لجنة "ألوف أهارون ياريف" 1984-1986م، وتقارير ألوف رافائيل فاردي خلال حقبة التسعينات، ولجنة تقصي شبكة المخابرات بعد حرب العراق   2004 م.

وعلى خلفية معطيات خبرة التقارير التقييمية، تم تشكيل مجتمع المخابرات الإسرائيلي بما يتيح الآتي: تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية، تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والسلطة التشريعية(الكنيست)، تنظيم العلاقة بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية والسلطة التنفيذية (مجلس الوزراء)، توحيد مجرى التخمينات الدورية والطارئة.

ويخضع مجتمع المخابرات الإسرائيلي بشكله المؤسسي الحالي: إلى إشراف لجنة المخابرات والأنشطة السريّة، التي تعتبر لجنة فرعية تابعة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة للكنيست الإسرائيلي، وعلى أساس الاعتبارات الوظيفية، يقوم مجتمع المخابرات بالإشراف على أجهزة المخابرات، إضافة إلى رفع التقارير والتخمينات لأجهزة الدولة العليا، بما فيها الكنيست ومجلس الوزراء.

وفي ظل التآكل الإسرائيلي الداخلي الجاري الآن، على خلفية ما يجري من مخاضات غير مكتملة في الكيان: قواعد اللعبة المخابراتية في إسرائيل: إلى أين؟.

تقول المعلومات: أن أزمة الصلاحيات والاختصاصات، أصبحت تأخذ بعداً أكثر تعقيداً، وتشير المعطيات إلى أن صيغة توازن القوى، بين أجهزة المخابرات المختلفة، ظلت لفترة طويلة، تقوم على أساس اعتبارات الاختصاص المكاني الجغرافي: الموساد الإسرائيلي، هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الخارجية، والشين بيت هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الداخلية، بما يشمل إسرائيل والأراضي المحتلة بما فيها غزّة المحتلة، جهاز أمان هو المسؤول عن الأنشطة المخابراتية الجارية، في المناطق الحدودية وخصوم إسرائيل.

وبمرور الزمن، أصبح جهاز المخابرات العسكرية(أمان)، يقوم ببعض الأنشطة المخابراتية الموازية لأنشطة الموساد والشين بيت، وبسبب تقاطع وتضارب الاختصاصات تم في عام 1999 م، وتحديداً في فترة وزارة إيهود باراك، إنشاء لجنة خاصة، لدراسة كيفية تقسيم الصلاحيات والاختصاصات بين الأجهزة، وأعقب ذلك قيام رئيس الوزراء الأسبق المقبور إرييل شارون في عام 2004م،  بتعيين دان ميريدور، للقيام بالوساطة، في حل أربعة نزاعات، كانت تدور بين أجهزة المخابرات: نزاعان بين الموساد وأمان، نزاعان بين الموساد والشين بيت.

وتقول المعلومات في وقته: أنّ دان ميريدور، الذي تولى وزير شؤون المخابرات والطاقة الذرية، في احدى حكومات العرص ابن العرص نتينياهو، سعى إلى حل الخلافات الدائرة في مجتمع المخابرات الإسرائيلي، وحقق نجاحات الى حد ما.

وإضافة للسابق ذكره، تقول المعلومات: أن معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب، قام برعاية دراسة بحثية عن أداء أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وتم إعداد الدراسة بواسطة فريق عمل، بقيادة الجنرال المتقاعد والرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية أهارون زائيفي – فاركاش، وكان أبرز الاستنتاجات التي توصلت إليها، هو أنه برغم توصيات واستنتاجات لجنة عام 2004 م، وبرغم توجيه رئيس الوزراء: فإنّه لم يحدث أي تحسن جوهري في التعاون بين أجهزة المخابرات الإسرائيلية، رغم نجاحات محدودة لدان ميردور هنا وهناك.

وإضافة لذلك، فقد تحدث تقرير مهم، الذي أعده أحد ضباط الموساد، والذي يعمل في قسم التحليل، أنّه برغم التقارير العديدة: فإنّ أجهزة المخابرات الإسرائيلية، ما زالت تقوم بالمزيد من الأنشطة المتوازية، في بعض المجالات، بما جعل من الاحتكاك بين هذه الأجهزة ظاهرة تبدو بلا نهاية، وما أدى إلى النزاعات والخلافات والمشاجرات، إضافة إلى التوتر الذي استمر طويلاً بين رئيس الموساد ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية وما زال.

تقول آخر المعلومات المتعلقة، بالخلافات والمشاجرات بين رؤساء المخابرات الإسرائيلية، والمسؤولين الإسرائيليين في حكومة نتنياهو الحالية، وعلى خلفية الجاري في الكيان الان، هو الآتي:

خلال قيام رئيس الشين بيت رونين بار بتقديم إفاداته وتخميناته أمام مجلس الوزراء، تدخل بنيامين نتينياهو وقاطعه طالباً منه السكوت، وعدم الحديث عن عملية السلام وحل الدولتين، وتقول التسريبات: أن عبارة نتينياهو كانت كالتالي: ... عندما يتعلق الأمر بعملية السلام وحل الدولتين، يجب أن تبقى بعيداً...، ثم أضاف نتينياهو: .. عليك أن تركز تقريرك على المسائل المتعلقة باختصاصك، وأن تفهم جيداً... أنّ المسرح الدبلوماسي، لا يقع ضمن مسؤولية الشين بيت..، أمّا رئيس الشين بيت، فقد رد على نتانياهو قائلاً :.. سيدي، في الماضي كنا أيضاً نشير إلى هذه المسائل.. وإذا كنت تريد الأمر بطريقة مختلفة، فسوف يكون ذلك مختلفاً..، وبعد ذلك... توقف رئيس الشين بيت، عن تقديم الإفادات لفترة من الوقت.

وتقول المعلومات: أن سبب مشكلة نتينياهو ورئيس الشين بيت، يعود الى مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي، وتقول المعلومات: أنّ خلافات مستشار الأمن القومي ليست مع رئيس الشين بيت، وإنما مع ديفيد بن مرياع رئيس الموساد،  ورئيس جهاز أمان، وتقول المعلومات أن سبب الخلاف يتعلق بالملف النووي الإيراني، وملف حزب الله، وأن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، ترأس وفداً إسرائيلياً زار العاصمة الأمريكية سراً، وخلال مباحثاته، تبين له: أنّ تخمينات المخابرات الإسرائيلية، لم تكن مواتية بالشكل الكافي، الذي من شأنه أن يعزز منظور مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

وتشير التوقعات: إلى أنّ مستشار الأمن القومي، سيحاول التخلص من رؤساء المخابرات الحاليين، ولكن المشكلة التي تواجهه: تتمثل في كيفية التغلب على الجنرال المدعوم أمريكياً من إدارة جو  بايدن، الذي يتولى منصب وزير الدفاع، ودوره المؤثر، في تحديد مدى صلاحية رؤساء الأجهزة الأمنية.

الردع الأخير الذي بقي في أيدي إسرائيل(بعد زوال الردع التقليدي في أعقاب حرب لبنان 2006م وحتى هذه اللحظة)هو السلاح النووي، وهنا، بالطبع، تدخل إلى الصورة القنبلة النووية الإيرانية المفترضة، يخشى الكثيرون من احتمال إلقاء القنبلة الإيرانية على إسرائيل، في خطوة هجومية، إلاّ أنّ ما تعنيه خطوة كهذه هو أمر واضح: الرد سيكون إبادة إيران بالسلاح النووي الإسرائيلي، ولأن الإيرانيين يطمحون إلى إبادة إسرائيل، لا أنفسهم، ثمة احتمال منخفض لهذا لسيناريو، المعنى الأكثر عمقاً لحصول إيران على قدرات نووية، لم يخضع للدراسة الوافية في المنظومات الأمنية الإسرائيلية، هكذا عقل الكيان الأمني يتحدث.

ينبغي دراسة المشكلة، مثلما هي العادة في الشؤون النووية، في بعدها الردعي، الوظيفة الاستراتيجية للسلاح النووي، بوصفه سلاحاً شمولياً، هي منع الهجوم أو الإبادة أكثر منها الإبادة الفعلية، إنه تهديد متطرف، يغير أصل وجوده التوازن الاستراتيجي، و حالياً، في ظل عدم التماثل النووي، يعلم العدو أنّ إسرائيل قادرة على إلقاء قنبلة نووية، في مقابل أي إنجازات يمكن أن يحققها(في الحرب معها).

من ناحية العدو، تقف إسرائيل، في ظل عدم التماثلية، أمام معضلة صعبة: الخسارة في الحرب أو إلقاء قنبلة نووية، إضافة إلى ذلك، كلما نجح العدو أكثر في ساحة المعركة، تزداد احتمالات استخدام إسرائيل لسلاح يوم الدين، لذلك، عندما يكون هناك عدم تماثلية نووية، فإنّ السلاح النووي يؤدي إلى جمود هجومي تقليدي.

في مقابل ذلك، في حالة التبادلية النووية، تتغير المعادلة جوهرياً، فإذا كانت إسرائيل تعلم، أن الرد على استخدامها للنووي، سيكون بأنّ تطلق إيران عليها صواريخ نووية، فإنّ الحسابات ستختلف، وتصبح على النحو الآتي: الخسارة في حرب تقليدية أو التعرض لإبادة نووية(بعد أن تكون قد استخدمت سلاحها النووي).

في هذه الحالة، احتمال أن تُرَجّح إسرائيل تعرضها للإبادة على الخسارة، فيما تحفظ إيران أمل البقاء، ليس احتمالاً كبيراً، أي إن هناك احتمالاً لا بأس به لامتناع إسرائيل عن استخدام سلاحها النووي، حتى في ظل خسارة ميدانية، بعبارة أخرى، وهذه نقطة مصيرية، إن معنى الردع النووي التبادلي هو العودة إلى ساحة القتال التقليدي، وعموماً عبر المبعوثين، هكذا تصرفت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في فترة الحرب الباردة، وهكذا تعرّضت كلتاهما لخسارات عسكرية قاسية(في فيتنام وأفغانستان).

السوريون هم مبعوث طوعي للإيرانيين، وتحت المظلة النووية الإيرانية، وفي ضوء القدرات القليلة للجيش الإسرائيلي والسلاح الروسي المتطور، الذي اشترته سوريا، والذي أرسل الى سوريا، على مدار عشرية النار السوداء، قد يمكّن العالم العربي، أن يعاود الطموح، إلى انتصار تقليدي على إسرائيل.

ففي اللحظة التي نعود فيها إلى دراسة الخيار التقليدي، تطفو نقاط جيو استراتيجية أساسية عديدة، كانت حتى سنوات خلت بديهية، بل إن مبادئ الحرب في الجيش الإسرائيلي(التي شهدت تحولاً جوهرياً في الأعوام الأخيرة)ارتكزت عليها.

"إسرائيل" هي دولة، من دون احتياطي جغرافي استراتيجي، حجمها وشكلها، يعدّان كابوساً استراتيجياً: هي صغيرة وضيقة وطويلة، بحيث إن النسبة بين طول حدودها ومساحتها سيئة جداً، ويوجد فيها مراكز سكانية ومراكز قوة واضحة ونقاط ضعفها معروفة، وهي تجاور دولاً معادية علانية(سوريا ولبنان)، وفي صراع متواصل مع الفلسطينيين الذي يسيطرون على أجزاء واسعة شرقها وفي قطاع غزة، وهي تحاذي دولة حيادية الى حد ما في ظاهرها(الأردن)، ولكنها الدولة الأردنية بعمقها، ليست صديقة لهذا الكيان، بل يشكل العدو الاستراتيجي لها، في عقيدة جيشها الأردني العربي، ومنظومتها الأمنية، وتستطيع الى حد ما، أن تعارض بالقوة، استخدام أراضيها محوراً لتحرك العدو، وتحاذي اسرائيل أيضاً مصر، التي يمكن أن تكون صديقة أو معادية وفقاً للحاجة، وهي تثبت في الأعوام الأخيرة عداوتها على الأغلب(وأمام خسارة إسرائيلية محتملة لن تبقى بالتأكيد لا مبالية).

إضافة إلى كل ذلك، في إسرائيل شريحة سكانية كبيرة تتردد بين ولائها للدولة أو للفلسطينيين، أو الدول العربية الأخرى، فولاء عرب الشمال الفلسطيني المحتل للدولة "إسرائيل"، يتناسب مباشرة، مع بُعد الدبابات السورية عن الحدود، ومن الطبيعي أن يكون كذلك.

ومن هنا: تنشأ سيناريوهات حربية متعددة، تدمج بين تعدد الجبهات، والذي يفوق قدرة عمل الجيش الحالية، ومحاور تحرك عديدة لقوات العدو ـــ بعضها خفي وبعضها مفاجئ ـــ واستخدام قوات شعبية متوفرة ومسلحة(الفلسطينيون وجزء من عرب "إسرائيل" – أي عرب الشمال الفلسطيني المحتل)لإحباط عمليات الجيش الإسرائيلي، والتوغل إلى داخل الحدود الإسرائيلية، وعمليات واستهداف نقاط استراتيجية، والحصول على معلومات استخبارية تكتيكية.... الخ، وإنّ احتمالات نشاط العدو كثيرة، وقدراته تزداد عاماً بعد عام.

في الواقع، إن الاستعداد، وفقاً لهذه الخطوط، يجري الآن عملياً على مستويات عديدة، على سبيل المثال، قبل سنوات وقبل الازمة في سوريا وأثنائها، وقّعت كلّ من إيران وسوريا على عديد اتفاقيات دفاع مشترك، وكذلك وقعت دمشق وموسكو على مثيلاتها، وتعمل إيران اليوم بتصميم، وبمساعدة مداخيلها النفطية الهائلة، على تسليح سوريا بسلاح روسي، بجانب المرسل من موسكو الى دمشق، وهناك عدد غير قليل من مواطني "إسرائيل" من أصل عربي، وبعضهم جنود نظاميون في الجيش، قبض عليهم في الأعوام الأخيرة، وهم يتجسسون لمصلحة حزب الله وايران وسوريا، تأهيل حزب الله والفلسطينيين، وتزويدهم بالسلاح، من جانب إيران وسوريا رغم عشرية النار السوداء، معروفان لدى الجميع، وهما في ازدياد، وبالمناسبة، لا تفسير ناجحاً للاستثمار الكبير، الذي يقوم به حزب الله في جنوب لبنان، بهدف تحويله إلى ساحة محصنة، إلاّ الاستعداد لحرب تقليدية شاملة مع إسرائيل، وخطاب السيد حسن نصر الله مساء أمس الجمعة في الليلة الأخيرة من شهر محرّم، يجيء ببعده السياسي الرسائلي، في سياقات ذلك.

كثير من قادة وكوادر الكيان الصهيوني، يذهبون الى فكرة استراتيجية تتموضع في التالي: المتدّينون والعرب، سيقضون على "إسرائيل"، والدولة العبريّة لن تبقى للجيل القادم والحريديم هؤلاء: باتوا عبئًا على الكيان، في جميع مناحي الحياة وتفاصيلها وتعبيراتها.

تلك النخب السياسية والعسكرية والمخابراتية في الكيان الطارىء على الجغرافيا ولسانها التاريخ، وبعيداً ان كانت في جلّها نخب فاسدة مفسدة، الاّ أنّها تتفق أنّ الدولة العبريّة لن تبقى للجيل القادم، وفقاً لكثير من الأسباب حسب تقديرها، ومبديةً تخوفها وقلقها من الزوال والتلاشي، لأسباب ومؤثرات داخلية، حيث أنّ معظم العبء الاقتصادي والعسكري في "إسرائيل" سيتحمله تقريباً 28% فقط من الإسرائيليين، وبهذه الطريقة لن ينجو المجتمع الإسرائيليّ ممّا ينتظره من مشاكل متعددة تقوم الى انقسام أفقي ورأسي وهو الأخطر.

 قادة وكوادر الكيان ونخبه يقولون: انّ هناك سؤالاً وجوديًا استراتيجيًا، أوضحت أزمة التعديلات القضائية الحالية، بتفاصيلها وتمفصلاتها مدى خطورته للسؤال: هل تتمتع "إسرائيل" بالتماسك الاجتماعي، والمرونة الاقتصادية، والقوة العسكرية والأمنية، والمرونة الاستراتيجية كذلك، التي سيضمن وجودها لتلك الهندسة الجيل القادم في الدولة العبرية، لغايات الاستمرار والبقاء؟!.

 هم يتحدثون عن الاتجاهات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية التي تغير بالفعل شكل وجوهر كيانهم المصطنع، ويقدرون لها أن تعرّض وجودها للخطر خلال جيل واحد فقط، حيث يزداد الانقسام بين الإسرائيليين عمقًا بالمعنى الأفقي والرأسي وهو الأخطر(علينا كعرب بشكل عام، وعلى الفلسطينيين بشكل خاص، في الداخل الفلسطيني المحتل، تعميق هذا الانقسام ولو بالتحالف مع الشيطان أيّاً يكن)، وصار الانقسام بين اليمين اليمين – واليمين من جهة، وبقايا اليسار وقوى أخرى متنافرة من جهة أخرى، مهيمنًا أكثر بكثير من الخلاف بين اليهود والعرب(هم يقولون ذلك)، ويضيفون: كما أنّ انعدام الثقة في أنظمة الحكم آخذ في الازدياد، والفساد ينتشر في الحكومة، والتضامن الاجتماعي ضعيف للغاية.

 وتشير كوادر الدولة العبرية ككيان صهيوني مصطنع، إلى أنّ القوة الإقليمية المسماة "إسرائيل"، غير قادرة على السيطرة على العديد من المناطق، موضحةً أنه وفقاً لأرقام الجهاز المركزي للإحصاء، فإننا سنكتشف قريبا أنه بعد 40 عاماً تقريباً، سيكون نصف سكان "إسرائيل" من المتدينين والعرب، ومن المهم أن نفهم القاسم المشترك بينهما اليوم، ولماذا سيشكل مستقبلهما صورة "إسرائيل"، ويؤثر على قدرتها على الوجود خلال 30 إلى 40 عاماً مثلاً.

وتسهب النخب الصهيونية بقولها: انّ "الحريديم" باتوا عبئاً على الدولة العبرية، وأن منهم من باتوا منتشرين في الاتجاهات المعادية للصهيونية، وبالنسبة لهم، فإنّ إسرائيل في طريقها للخسارة، وأضافت تلك الطغمة الحاكمة في الكيان أنّه: إذا لم تتخذ "الحكومات الإسرائيلية" التالية على الفور، إجراءات مهمة ومحددة، من شأنها تغيير السلوك تجاه هؤلاء الحريديم، فإن عواقبها ستكون وخيمة وغاشمة ومدمرة.

وتتحدث النخب الفاسدة المفسدة في الكيان إلى أنه: بجانب الحريديم، هناك قبائل متعددة الهوية: علمانية تقليدية، قومية دينية، متشددة، مزراحيم(شرقيون)وأشكنازيم(غربيون)، والطبقة الوسطى والأثرياء والمحرومون والمهمشون، ممن يجدون صعوبة بتحمل العبء الزائد نتيجة عدم مشاركة الأرثوذكس اليهود في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي، والخدمة العسكرية، والاقتصاد.

وهنا لا يحتاج المرء أن يكون خبيراً، ليفهم أنّ إسرائيل لن تقدر على البقاء اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا في هذا الوضع، بل أنّ الأسوأ من ذلك، أنّ الكثير من اليهود يفضلون العيش في مكان آخر من العالم، بديلاً عن "إسرائيل"، بدلاً من بلد يحصل في تقاسم الأعباء بشكل غير متكافئ بالفعل اليوم، والنتيجة أنّ "إسرائيل" لن تصمد أمام التهديدات المختلفة في المنطقة الصعبة التي تعيش فيها.

 الكيان الصهيوني يعيش حالة صراع عميق، واحتدام النقاش داخله، بين العلمانيين والمتدينين، وفي ظل التعديلات القضائية الأخيرة، مؤشر هام من عشرات المؤشرات الأخرى، والتي تحتاج الى دراسات لكي نوظفها ونولفها، لصالحنا كشعوب عربية حيّة، تسعى لشطب هذا الكيان وشلعه من جذوره، بعكس ما تسمى بالنخب العربية والتي في جلّها نخب فاسدة ومفسدة لا تقل فسادأ وافساداً، عن نخب الكيان الصهيوني، إذْ أنّ المتدينين أعلنوا ما يمكن تسميته بالحكم الذاتيّ لهم داخل الكيان نفسه، إذْ أنّه لا يعملون ولا يُساهمون بتاتًا في الاقتصاد الإسرائيليّ، والأخطر من كلّ ذلك: أنّ الدولة تدفع لكلّ طالبٍ في المعاهد الدينيّة الخاصّة بهم 650 دولار شهريًا، الأمر الذي يُكلّف خزينة دولة الكيان مبالغ طائلة جدًا.

وأكبر خطأ وخطر نعيشه، هو أنّ القلائل منا درسوا المجتمع الاسرائيلي ونتعامل معه حسبما يريد هو ككتله واحده، مع أنّه ليس كذلك أبداً، ومصلحتنا أن نتعامل مع كل مكون في اسرائيل على حدا بمعايير مختلفة، أليس في تراثنا قول( فرق تسُد) ونحن لا نستعمله الاّ على أنفسنا.

بالمناسبة، الاسرائيليون يرفضون التعامل معنا كعرب ككتلة واحدة، بل يخاطبون الاردني والمصري والسوري واللبناني... الخ، كلّ منّا، بمعايير مختلفة تماماً، فلماذا لا يحق لنا أن نفعل مثلهم مثلاً.

الحسين رحمه الله كان مدركاً لهذه الثغرة الاستراتيجية ويعمل عليها، وأعتقد أنّ الملك عبد الله الثاني يدرك ما أدركه الحسين، ويحاول تطوير أدواته في اللعب على هذه الثغرة الاستراتيجية، عندما تحين اللحظة الاقليمية.

وعندما قال السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، انّ اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، لم تكن رساله للعرب، بقدر ما كانت هي رسالة مدروسة، للمواطن الاسرائيلي، مفادها التالي: درسنا مجتمعكم ومواطن قوتكم ونقاط ضعفكم، وأنصحكم بمغادره هذا الكيان المصطنع قبل فوات الأوان، هذا المفهوم الاستراتيجي استوعبه أيضا مقاتلوا غزّه المحاصرون، وأجروا التغييرات النوعية التي تتطلبه.

من الناحية العسكرية الصرفة، فانّ قائداً عربياً أردنياً آخر، أدرك بذكاء وحنكه فهو ابن ملك حقيقي، مكمن ضعف اسرائيل، رغم حجم ترسانتها العسكرية الضخمة، وهو الامير عبد الله بن الحسين، الذي أصبح ملكاً للأردن، وسعى منذ كان قائداً للقوّات الخاصة في الجيش العربي الاردني، لتزويدها بقدرات نوعيه تجعلها قوّه ضاربه في العمق الاسرائيلي، اذا وقع صدام عسكري ما لاحقاً، بما يعيد انتاج وخلق وتخليق أهداف تلك الحدود الطويلة، بين الاردن والكيان الاسرائيلي، من نقطه ضعف ضدنا، لنقاط اختراق، تشل حركه جيش اسرائيل النظامي.

وكأنّ الملك عبدالله الثاني عندما كان أميراً وقائداً للقوّات الخاصة في الجيش العربي الأردني، استلهم فكرته حول التفعيل ومفاعيل وتفاعلات واعادة بناء هذه القوّات العسكرية الخاصة كتنظيم عسكري محترف، من فكرة الشهيد وصفي التل، والتي تمثلت في أنّه لا يمكن شطب هذا الكيان من جذوره هنا عبر جيش نظامي مقابل جيش نظامي، الاّ عبر حرب عصابات دخول وخروج وهكذا، ولدينا حدود هي الأطول، وتحويلها الى عنصر قوّة بالمفهوم الاستراتيجي الايجابي لمملكتنا الاردنية الهاشمية.

انّ نموذج الشهيد وصفي التل، والذي أدركه الملك عبدالله الثاني عندما كان أميراً وما زال يدركه، لم يتحمله: لا طرف أمريكي صفق سياسياً، ولا طرف عربي متخاذل، ولا طرف اسرائيلي مرعوب، ولا طرف فلسطيني تائه في وقته، ولا طرف مصري متردد، ولا طرف أردني داخلي متخاذل، فتم قتل وصفي في القاهرة، وارتقى شهيداً شهيداً شهيداً.

وتقول المعلومات هنا بالذات، انّ الأمير عبد الله حينها، كان منزعجاً على الدوام وبشكل مطلق، لأنّ جهات تقليديه بلا رؤى عسكرية وسياسية وأمنية هنا في الداخل الاردني، كانت لا تشاركه رويته، وتحبط مساعيه لتطوير القوّات الخاصة في جيشنا العربي، وما أن تولى مسؤوليته كملك والقائد الأعلى للجيش العربي الاردني، حتّى حقق حلمه، وطوّر بشكل كبير وعميق، اعداد وقدرات القوّات والعمليات الخاصة، بل أصبح الاردن مركزاً دولياً للتدريب في هذا المجال .

وأحسب وفي المعلومات، أنّ مجتمع المخابرات الاردني له باع وباع طويل، في  أهمية دراسة المجتمع الاسرائيلي، والتعامل مع كل مكون منه على حدا، لكي ندرك نقاط قوّة وضعف كل مكون، من أجل فهم وتفكيك هذا الكيان الذي صنعه الغرب، خدمةً لمصالحه، ومسخرًا هذا الغرب العرب واليهود في صراع مستدام لذلك .

"اسرائيل" تحمل بذور فناؤها في ومن داخلها، "اسرائيل" وجدت لتزول، وما حديث ونقاشات كوادرها وقادتها، ما هو ألا تأييداً وموافقةً، مع تلك المقولتين، التي لم يعد يتكلم بهما أحد.

 ولسان التاريخ القديم يقول: بأن "اسرائيل"، سادت كدولة قوية في المنطقة حوالي سبعين الى ثمانين عاماً، زمن الملك داوود وابنه سليمان الذي انقسمت من بعده الدولة على نفسها الى دولتين متحاربتين، تم القضاء عليهما من قبل الأشوريين ونفي معظم سكانها الى بابل، ولم تقم منذ ذلك الحين أية قائمة لدولة اسرائيلية أو يهودية قوية لغايه عام 1989 م.

 لو نظرنا الى دولة "اسرائيل" القوية حالياً، والتي استطاعت السيطرة على سياسات العالم بمعظمها وتوظيفها لصالح بقائها واستمراريتها، لوجدنا فيها من التناقضات والانقسامات والتجاذبات في داخلها، أكثر بكثير مما كان في الدولة القديمة التي دامت ثمانين عاماً فقط، زمن داوود وسليمان، والتي كان غالبية سكانها متجانسين ذوي أصول واحده، منتمين الى الأرض الموجودين عليها، رغم أن تلك الأرض كانت بالأصل مسيطر عليها، من أصحابها الأصليين من الشعوب الكنعانية وغيرها.

انّ كيانات التجزئة العربية نتاجات سايكس بيكو كلّها في مخدع الكيان، والعلاقات بينهم، وضعيات الكاماسوترا الجنسية المعروفة بحبل سريّ، حيث كان التوليد معاً والنهاية ستكون معاً.

وفي هذه اللحظة العربية الحرجة، وهي أنضج لحظة لإخصاب شبق وعينا العروبي الثوري بحقيقة أنّ سايكس بيكو وبلفور ربطا انشاء ومصير أنظمة وساحات التجزئة والكيان معاً.

الكيان اللقيط، عدو لأنّه يغتصب أرضنا ووطننا، وأمريكا عدو لأنّها تقف وتدعم مع من يغتصب أرضنا ووطننا، تسقط معاهدة كامب ديفيد، تسقط معاهدة وادي عربة، يسقط الاتفاق القطري مع الكيان، يسقط الاتفاق الاماراتي مع الكيان، ويسقط اي اتفاق من الجانب العربي والاسلامي لاحقاً مع الكيان ومرةً واحدة والى الأبد.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت