- فاضل المناصفة
شهدت شوارع قطاع غزة يوم الأحد الماضي احتجاجات شعبية استجاب فيها الغزيون لنداء حراك " بدنا نعيش " السلمي ليعبروا عن سخطهم الذي بلغ ذروته نتيجة الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، في فصل كشف الستار عن تغيرات مناخية كبيرة وشهد فيه العالم بأسره مستويات قياسية لدرجة الحرارة كان لهيبها قاسيا على سكان غزة في ظل الافتقار للطاقة التي تمكنهم من استخدام المكيفات والمراوح لتلطيف الأجواء وهو ما جعل بيوتهم شبيهة بأفران الخبز.
وكما كان متوقعا اختارت حركة حماس التي تسيطر على القطاع منذ من 16 عاما، المعالجة الأمنية للاحتجاجات السلمية وقامت بفض التجمعات الشعبية بالقوة، وأسفر هذا عن اعتقال بعض المتظاهرين كما تعرض البعض منهم للتعنيف اللفظي والضرب ومصادرة الهواتف المحمولة من قبل قوات الأمن التي لا تتحرك من دون أوامر القيادة، واستهدفت بالتحديد من يحمل لافتات كتب عليها شعارات ذات طابع سياسي او تتهم بعض المسؤولين في الحركة بالفشل في تسيير الأمور واقحام قطاع غزة في معاناة مزمنة تنسب فيها حكومة حماس فشلها في التسيير للاحتلال وحصاره، وبعد ساعات فقط من قمع الاحتجاجات اعلنت سلطة الطاقة عن البدأ في تشغيل المولد الرابع للكهرباء بعد تلقي التمويل القطري اللازم لكن هذا لم يكن كافيا لإقناع الغزيين بأن حماس قد استجابت لمطالبهم مادامت تقابلها بالعنف وتصنف من يدعوا أو ينظم لها ب " الخائن ".
وبغية الالتفاف على واقعية المطالب التي رفعها سكان غزة من المهمشين والمحرومين من أبسط سبل العيش الكريم، أطلقت حماس العنان لمظاهرات موازية تصدرها المقربون منها والمستفيدون من حكمها تحت شعار" دعم المقاومة والمطالبة بالوحدة الوطنية ورفضًا للحصار " استعملت فيها مكبرات الصوت لنشر البروباغاندا وللرد على حراك " بدنا نعيش " بتحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن أزمة الكهرباء، وليس غريبا على حكومة حماس أن تلجأ الى استعمال أسلوب الاثارة العاطفية وتحويل انتباه الجماهير نحو قضية مقاومة العدو التي تشكل اجماعا شعبيا في غزة، لتشكل بها قوقعة تحميها من الانتقادات التي تطال سوء ادارتها ومسؤوليتها في اقحام قطاع غزة والغزيين معا في وضع اقتصادي وانساني بائس .
لا يختلف اثنان في كون الحصار الإسرائيلي قد أثر بشكل كبير على اقتصاد غزة ولا ينكر عاقل أن تدمير البنية التحتية القصف الإسرائيلي قد ضاعف من متاعب الغزيين وزاد من حاجة القطاع الى موارد يعوض بها ما تم تدميره، لكن هذا لا يعني أن خيارات التصعيد في المعارك التي شهدتها غزة كصيحة الفجر سنة 2019 وسيف القدس 2021 ووحدة الساحات سنة 2022 كانت خيارات صائبة ذلك لأنها تجاهلت التكلفة المادية وما ينجر عن مواجهة عسكرية غير متكافئة القوة بين جيش يمتلك طائرات حربية فتاكة وصواريخ مدمرة وفصائل تعتمد على صواريخ إيرانية تقليدية تعترضها القبة الحديدة بسهولة ويسقط ما تبقى منها اما في مناطق غير مأهولة وفي الكثير من الأحيان من دون أضرار تذكر، وبعد كل مواجهة تسوق إسرائيل لنجاح منظومتها الأمنية في ردع الخطر القادم من غزة وتكسب رضى الرأي العام بعد أن تلقت أقل الأضرار والخسائر البشرية، ويستأنف الإسرائيليون حياتهم و أعمالهم بعد أن زال الخطر القادم من غزة وكأن شيئا لم يكن، ويسوق محور المقاومة الذي ترعاه ايران لخطابات النصر الاستراتيجي الذي قلب المعادلة وردع العدو وأجبره على قبول الهدنة، وفور زوال مفعول الخطابات الحماسية يستفيق الغزيون على واقع أكثر ايلاما وعلى فاتورة دمار لا تسعه مساعدات قطر مهما تضاعفت وتلجأ حكومة الجباية كما يسميها الغزيون لضريبة بنطلونات الجينز و أسطوانات الغاز و مواقف السيارات وما شابه من جبايات لتسد ما يمكن سده من عجزها المالي المزمن الذي لا تداويه دولارات قطر ولا بتكوينات ايران ولا شواكل الغلابة .
ربما تكون حماس أكثر وعيا وادراكا من الجهاد الاسلامي بمدى خطورة الوضع في ظل المرحلة الحرجة التي يمر بها قطاع غزة وهو ما جعلها تختار اشراك كتائب القسام في مواجهة " وحدة الساحات " الأخيرة دون استعراض اعلامي مستجيبة للدعوات القطرية والمصرية بالتهدئة وحفاظا على مكتسبات الهدنة التي تلت مواجهة سيف القدس والتي من تضمنت حصولها على المزيد من تصاريح العمل في الداخل المحتل ومن تسهيلات في حركة البضائع من والى قطاع غزة وهو ما يقلص ولو بنسبة قليلة من متاعبها الاقتصادية ومن نسبة البطالة المتسببة في رفع السخط الشعبي ضدها، ولكن عندما نرى قمع حماس للمطالب الشعبية التي نادى بها أصحاب حراك بدنا نعيش ونستمع لخطابات التهديد والوعيد الذي يطلقها زياد النخالة متوعدا الاحتلال ومتوعدا فيها بالجاهزية لخوض معركة جديدة ندرك تماما بأن حكم حماس ومنظومة عمل حركة الجهاد تضع مصالحها السياسية وتحالفاتها ضمن عمل محور المقاومة فوق كل الاعتبارات وهو ما يجعل المطالب الشعبية خروجا عن الطاعة وشقا لصف المقاومة ولمشروعية الحكم.
يكشف قمع حماس لمطالب البسطاء وردها عليهم بمظاهرات أسلوبا تنتهجه الأنظمة الديكتاتورية التي لا تتوانى عن معاقبة كل من يدعوا لمحاسبتها أو لانتقادها وبدل أن تواجه بصدق وتعترف بأخطائها وبفشلها تختار الالتفاف عن المطالب الشعبية وتطلق العنان لأسطوانة المؤامرة ولحملات التخوين، وان كانت حماس قد استطاعت بقمعها المعروف أن تسكت الأصوات التي تنادي بحق العيش الكريم فأنها لن تستطيع أن العقلاء بأن التضحية من أجل تحرير الوطن تبرر موت الفقراء بلا كهرباء، في الوقت الذي يعيش فيه أبناء القيادات في بدخ و خارج معادلة التضحيات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت