- طه خالد منصور
حملت رواية "كائن لا تحتمل خفته" للكاتب ميلان كونديرا أحد الإجابات عن مفهوم "الخيبة" والتي جاءت على لسان إحدى الشخصيات التي تدعى تريزا حيث قالت أن الخيبة تعنى "فقدان الأمل"، أو "اليأس"، وهو تماما ما شعر به العديد من الأشخاص داخل أوطانهم قبل أن تحولهم تلك الظروف إلى مهاجرين غير شرعيين، يشقون البحار أملا في الوصول إلى مكان أفضل.
بنظرة بسيطة على الأخبار اليومية تجد أن مآسي غرق المهاجرين المتوجهين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط بقوارب متهالكة ومكتظة لا تصمد حتى السواحل الأوروبية تتكرر يوميا. قوارب الموت هذه أضحت تجارة رابحة للمهربين الذين يستغلون الهاربين من الفقر والحروب في بلدانهم الأصلية.
شهر يونيو الماضي أُضيفت حادثة غرق قارب للمهاجرين قبالة سواحل اليونان إلى سلسلة مآسي المهاجرين الذين ينطلقون من السواحل الليبية في محاولة للوصول إلى إيطاليا ومن ثم إلى باقي دول أوروبا، لكن الجديد في الحادثة هو الارتفاع الملحوظ في أعداد المهاجرين الباكستانيين الغير شرعيين الذين أصبحوا يتخذون من السواحل الليبية كمنطقة عبور. إذ يبدوا لم تعد تقتصر على المهاجرين الأفارقة فحسب، ففي العام الماضي وصل أكثر من ثلاثة آلاف باكستاني إلى شمال المتوسط انطلاقا من ليبيا بحسب وكالة الأمم المتحدة.
مغادرة أعداد كبيرة من المهاجررين الباكستانيين من سواحل ليبيا أمر غير معهود، فبعد السودانيين يشكل البنغاليون ثاني جنسية للمهاجرين الذين يحاولون الهروب بحرا لكن باكستان لم تكن واردة بين الدول العشر الأولى بحسب تعداد للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.
رغم محاولاتها لمحاربة هذه الظاهرة التي استفحلت خلال السنوات الأخيرة، لا تزال معظم السواحل الليبية نقطة عبور رئيسة للمهاجرين نحو القارة العجوز، فالجهود الدولية خاصة من الجانب الأوروبي ومؤسساته، لوقف ظاهرة الهجرة لم تؤت ثمارها كما كان متوقعا. لكن استمرار نشاط عصابات الاتجار بالبشر وضعف سيطرة الدولة وانتشار الميليشيات والسلاح، حال دون وقف الظاهرة أو التخفيف من حدتها. وترصد المنظمات الدولية المعنية بالهجرة تدفق عشرات الألاف على ليبيا سنوياً من الراغبين في الهروب إلى أوروبا، عبر البحر المتوسط. وخلافاً للمهاجرين المحتجزين في فروع مراكز الإيواء للمهاجرين غير الشرعيين، قدّرت المصادر الرسمية في ليبيا المتخصصة في مسح آثار الهجرة على الصحة العامة، الموجودين خارج مراكز الإيواء بـ600 ألف تقريباً، بالإضافة إلى 7 آلاف آخرين داخل المراكز في ليبيا، وهي أرقام هائلة تعكس حجم المعضلة التي تواجهها السلطات الليبية.
بعيدا عن المآزق الليبي مع المهاجرين، تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على البلدان التي يخرج منها المهاجرين، وفي هذه الحالة لا بد من الإشارة إلى أن الظروف الاقتصادية المزرية التي تعاني منها باكستان وحالة الفوضى السياسية التي أثارتها الإطاحة بعمران خان من منصب رئيس الوزراء في نيسان/أبريل العام الماضي، دفعت بالعديد من الباكستانيين لركوب قوارب الموت هروبا من جحيم الظروف المعيشية القاهرة.
ويعاني الاقتصاد الباكستاني من حالة يرثى لها حيث كانت البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية عالقة في حلقة مفرغة من الديون والاقتراض مع عدم وجود ضوء آخر النفق، حيث تضرر هذا الأخير بشكل كبير من أزمة ميزان المدفوعات بينما كان يحاول التخفيف من ارتفاع معدلات التضخم، مع تأرجح الاقتصاد على حافة الهاوية ، حيث وصل التضخم إلى ما يقرب من 40 ٪ وانخفاض قيمة الروبية الباكستانية.
وبين ظروف صعبة ورحلة محفوفة بالمخاطر، يغامر العديد من الباكستانيين للوصول إلى البلدان الأوروبية أملا في الحصول على حياة أفضل، لكن ما يجهله هاؤولاء المهاجرين أن نجاحهم في الوصول إلى أوروبا لا يعني الجنة، فإن فرص الحصول على حق اللجوء ستكون ضئيلة. ففي السنوات الأخيرة، تزايدت أعداد الباكستانيين طالبي اللجوء، لكن نسبة صغيرة فقط حصلت على الموافقة. وفقا لما أظهرته بيانات المفوضية الأوروبية.
إلى ذلك لم تنجح محاولات كبح رحلات الهجرة الغير شرعية التي تقودها عصابات الإتجار بالبشر، طالما أن العلة لا تزال مجودة، إن كانت باكستان أو اليمن أم غيرها من الدول التي تعاني من ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، فالأصح هو محاولة علاج المشكلة من جذورها، وهي بناء اقتصاد قوي وتوفير ظروف اجتماعية ومعيشية لائقة تكفل وتحفظ كرامة أي مواطن تغنيه عن الهجرة ومتاعبها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت