قراءة في اجتماعات العلمين ونتائجها

بقلم: غسان شاكر

اجتماع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس في مدينة العلمين المصرية.jpg
  •  غسان شاكر / الأخبار اللبنانية

بدا واضحاً أن نتائج اجتماع الأمناء العامّين للفصائل الفلسطينية في مدينة العلمين المصرية جاءت دون مستوى التوقّعات، وكشفت بُعد المسافة بين الفصائل الفلسطينية والسلطة والقيادة المتنفّذة في «منظمة التحرير»، التي باتت تفتقر إلى أهم أهدافها (التحرير)، وغدت أداةً لتمرير سياسات ما بات يُعرف بجماعة المقاطعة التي أعلنت عن نفسها بمشاركتها في الاجتماع ممثّلةً بوفد منفصل عن وفد حركة «فتح».

جاء هذا اللقاء في أعقاب تصاعد عمليات المقاومة في الأراضي المحتلة، والتي وصلت حتى إلى قلب مدن الكيان، بالإضافة إلى سيطرة المقاومة المسلحة في مخيم جنين، والاحتضان الشعبي لها. وبينما أعادت هذه الأحداث إلى الأذهان مشاهد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وبشّرت بإمكانية انسحابها لتشمل مناطق أخرى، وسط انخراط مقاتلين من مختلف الفصائل في العمل المقاوم، ومن بينهم مقاتلون من «فتح»، فإن المفارقة، هذه المرة، تمثّلت في تكثيف القيادة السياسية والأمنية الفلسطينية، والتي لا تؤمن بالعمل المقاوم، عملها على إخماد المقاومة التي تعتبرها موجّهة ضدّها.

أيضاً، أتى الاجتماع بعد الفشل الذي مُنيَ به جيش الاحتلال في عدوانه الأخير على مخيم جنين، حيث فشِل في تحقيق أهدافه الثلاثة: قتل أكبر عدد من المقاتلين، وتدمير ورش صناعة المتفجّرات والصواريخ المحلية الصنع التي بدأت تطير في سماء الضفة مشكّلة تهديداً استراتيجياً لطبيعة موازين القوى، وإعادة السيطرة الأمنية إلى السلطة على المخيم وإنهاء ظاهرة التواجد العلني للمسلحين. وقد انتهت حملة الاحتلال بمشهد كارثي لحركة «فتح»، تجلّى في طرد سكان المخيم لوفدها بشكل مهين هزّ صورتها على المستوى الوطني وشكّل بداية تهديد حقيقي لوجود السلطة التي يبدو أنها على مسافة ضئيلة من إعلانها ميليشيا مماثلة لـ«جيش لحد»، ولا سيما أنها ربطت مصيرها بالاحتلال. كلّ هذه الأسباب مجتمعةً دفعت إلى وضع خطة لتحسين صورة السلطة واستعادة صفتها «الوطنية»، من خلال دعوة الأمناء العامين للفصائل، بمن فيهم حركة «حماس».


لقاءات أنقرة
قبيل الوصول إلى العلمين، حطّ رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في العاصمة التركية أنقرة، حيث جرى لقاءٌ استكشافي مع رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، استمر قرابة 3 ساعات من البحث، كادت قضية الاعتقالات السياسية التي تنفّذها السلطة تتسبب بتفجيره لولا حرص قيادة «حماس» على ضبط النفس وإبقاء الأجواء مهيّأة لنقاشات العلمين. وأفادت مصادر مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، بأن عباس حمل معه مواقفه التقليدية إلى لقاء أنقرة، حيث أصرّ على رفض المقاومة طالما بقي حياً، معتبراً أن مخطّطه يعتمد فقط على تغيير المشهد الحزبي الإسرائيلي وصناعة لوبي فلسطيني ضاغط في الإدارة الأميركية، ليكون التغيير من داخل العدو وليس من خارجه. وتشير المصادر إلى أن حديث عباس أثار سخرية الحضور، بمن فيهم أعضاء قيادته الذين ابتسموا ابتسامةً «صفراء» لحديثه «الأفلاطوني» الذي لا يتعدّى حدود الأمنيات.

وفي المقابل، استمع عباس من قيادة «حماس» إلى ثلاث نقاط أساسية، أولاها أن المرحلة الحالية هي مرحلة تحرّر وطني، والثانية استمرار المقاومة بمفهومها الشامل مع رفض الدور الوظيفي للسلطة و«التنسيق الأمني»، والثالثة الدعوة إلى تشكيل قيادة وطنية مشتركة. كذلك، شرح هنية وجهة نظر «حماس» حول فشل مشروع التسوية وانسداد أفقه، خصوصاً مع تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة، معتبراً أن الأزمة الإسرائيلية الداخلية تخلق فرصة لصالح الشعب الفلسطيني إذا ما تمّ توحيد الجهود والخطوات من الجميع. إلا أن «أبو مازن» رفض أي مقاربات من هذا النوع، وقال إنه سيتحدث في لقاء الأمناء العامين حول 3 قضايا أساسية، هي الشرعية الدولية، والمقاومة السلمية، ومسار التسوية السياسية باعتبارها قضايا لا يمكن تجاوزها. وعندما حاول وفد «حماس» إقناعه بإطلاق سراح المعتقلين الذين قضوا مدة محكوميتهم أو قضت المحكمة بخروجهم من السجن وما زالوا قيد الاعتقال، قال بوضوح: «أنا ما بسمع كلام محاكم وكلام فاضي، ما أقوله هو ما سيمضي، أنا ديكتاتور مش محكمة وكلام فاضي». في كل الأحوال، كان المشهد في أنقرة سوداوياً بالنسبة إلى الجميع لأن الطرح الذي قدّمه عباس عنى عدم وجود أي نقاط التقاء مع المجموع الوطني.


محطة العلمين
في العلمين، حرصت «حماس» على أن تكرّر مشهد الجزائر، حيث كان هنية أبرز الحاضرين بغياب عباس وتقليص «فتح» لوفدها، وإجراء الوفد «الحمساوي» سلسلة لقاءات مع المشاركين لإظهار حرص الحركة على التوافق. وبدبلوماسيته المعروفة، استطاع هنية تحقيق تقارب في المواقف عبر التركيز على القواسم المشتركة، بما مكّنه من تجاوز أي نقاط يمكن أن تولّد خلافاً. وبينما ذهب الجميع إلى اللقاء موحّدين في مواجهة عباس الذي كان يزداد تعنّتاً في موقفه، لاقت كلمة هنية - التي تضمّنت تقديراً للموقف السياسي وخطة وطنية شاملة - استحسانَ الجميع، بمن فيهم أعضاء حركة «فتح». وفيما ألقى غياب حركة «الجهاد الإسلامي» بظلال سلبية، إلى حدٍّ ما، على جهود «حماس» لعزل عباس سياسياً، لم يقلّل هذا الغياب من نتائج تلك الجهود التي تُوّجت بلقاء رسمي مع حركة «فتح».
وبحسب المصادر، كان اللقاء هادئاً على عكس لقاء أنقرة، إذ برزت فيه بعض الصيغ الوسطية والتي اقتربت كثيراً من التوافق، ولا سيما لناحية تشخيص الواقع السياسي الذي تمر به القضية الفلسطينية. أيضاً، شهد اللقاء إجماعاً على وصول التسوية إلى طريق مسدود وعلى ضرورة التوافق الوطني على رؤية جامعة في ملفَّي الحرب والسلم، وإيجاد مقاربات سياسية تكون مقبولة للمجتمع الدولي دون أن تتضمّن تنازلات سياسية جديدة يقدّمها أيّ من الأطراف. واختُتم الاجتماع عند قرابة الساعة الواحدة ليلاً بالكثير من التفاؤل بإمكانية نجاح لقاء الأمناء العامين، مع انتداب لجنة ثنائية لصياغة بيان ختامي يُعرض على الفصائل في اللقاء الشامل. إلا أن اللجنة التي استمر عملها حتى ساعات الفجر الأولى لم تستطع التوصّل إلى أي تفاهم، مدفوعة برفض ممثلي عباس لجميع الاقتراحات بشكل قاطع، ومن بينها اقتراح «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الذي كان لاقى استحسانَ «حماس» و«فتح» على حدٍّ سواء.

وتطابق هذا الرفض مع ما ظهر جلياً للمفاوضين من أن وفد «فتح» افتقر إلى أي صلاحية للاتفاق مع أي طرف، وأن رغبة عباس في عقد اللقاء وراءها هدف واحد، وهو تصويره جالساً على رأس الطاولة التي تضم فصائل المقاومة. لكن حتى في الشكل، خرج عباس عن محتوى الكلمة المكتوبة أمامه، لينتقد ما سمّاه «الانقلاب» الذي قامت به «حماس»، وهو ما أثار غضب الحركة، واضطَر هنية للرد عليه، بالقول إن الأجهزة الأمنية التابعة له آنذاك كرئيس للوزراء تعاملت مع الفوضويين ومثيري الفتنة والشغب ومحاولة الانقلاب التي كان عناصر «أبو مازن» ينوون القيام بها.

وإذ حاولت الفصائل جاهدة أن يخرج اللقاء بتوافق وطني، فإن عباس قال لعدد من ممثليها: «عندما أموت تستطيعون أن تغيّروا هذا الخط وهذا المنهج اللذين أسير عليهما، أما أنا فلن أغيّر»، وفق مصادر «فتح» التي أشارت إلى أن الخلافات كانت كبيرة للغاية، حتى داخل وفد الحركة الذي انقسم إلى وفدين: الأول برئاسة محمود العالول نائب رئيس الحركة، وعضوية كل من جبريل الرجوب وروحي فتوح وعزام الأحمد وأحمد حلس وأشرف دبور، والثاني برئاسة عباس وعضوية كل من حسين الشيخ وماجد فرج وأحمد عساف وزياد أبو عمرو ومحمود الهباش.

نأيٌ مصري عن «الفشل»
من جهتها، أيقنت القاهرة قبيل اللقاء نتيجته الصفرية، ولذا، لم يشارك المصريون في الاجتماعات أو التحضير لها أو المساهمة فيها بوفد مساند على غير العادة، وإنما اكتفت القاهرة بإشراك رئيس المخابرات، عباس كامل، في لقاء بروتوكولي مع الفصائل، حيث حثّ ممثّليها على الاتفاق، ليغادر العلمين على عجل ويترك القاعة وإدارتها بالكامل لفريق السلطة، بما في ذلك الإدارة الإعلامية. وفيما استنجد وفد «فتح» بالجانب المصري لتغيير موقف عباس والخروج بموقف وطني موحّد أو بيان مشترك، أصرّ عباس على مواقفه وبرنامجه «حتى وإن لم يتحقّق شيء»، محذّراً من الضغوط من أي جهة كانت. وتلافياً للفشل التام، وافق عباس على بيان رئاسي يخلو من نقاط الخلاف، ويدعو إلى تشكيل لجنة وطنية للمتابعة، كان حصل وفد «فتح» على موافقة مسبقة من الفصائل عليها.


الخلاصة
«الفقاعة» الإعلامية التي جرت لصالح محمود عباس هي إنجاز مؤقّت، سرعان ما ستختفي بنتائج الممارسات الوظيفية لصالح أمن الاحتلال، والتي تقوم بها سلطة رام الله في جنين ونابلس ومدن شمال الضفة. أما الفصائل الأخرى، وخاصة «حماس»، وإن لم تخرج من اللقاء بتحقيق إنجاز، فهي بالطبع لم تخسر من هذه المحطة. وعلى العكس من ذلك، استفادت «حماس» بتلقّي المزيد من الشرعية في الوسط العربي والإقليمي، والتي تبحث عنها في المرحلة الراهنة، فيما لا يزال مقاتلوها يوجّهون الضربات إلى الاحتلال. ومن جهتها، نأت مصر بنفسها عن الفشل الذي ستظلّ مسؤوليته معلّقة على عباس وحده.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت