- الدكتورة سعاد ياسين
- رئيس مجلس إدارة مركز الياسين للتدريب
تعد البطالة من اشد الآفات التي تفتك في المجتمع وتفكك ثوابته، فالبطالة بمفهومها العام هي حالة عدم وجود وظيفة لشخص يكون قادرًا وراغبًا في العمل. وتؤثر البطالة على الفرد بعدة وجوه، فابتداءاً بالتأثير المالي الذي يُعد الابرز ـ فبفقدان الشخص وظيفته يتوقف دخله ويكون عرضة لمشاكل مالية. تؤدي بالنتيجة إلى صعوبات في تلبية الاحتياجات الأساسية لإفراد المجتمع مثل الإيجار، والطعام، والملابس، والفواتير، وتؤدي بالنتيجة الى تراكم الديون.
كما تؤثر البطالة بشكل كبير على الحالة النفسية والعاطفية للفرد. فيشعر البعض بالقلق والاكتئاب والاحباط نتيجة فقدان الهوية المهنية وعدم الاستقرار المالي مما يؤدي إلى معاناة الفرد ويتولى لديه شعور بالعجز والاحتقان نتيجة عدم قدرته على إيجاد فرص عمل مناسبة.
وقد تؤثر البطالة على العلاقات الاجتماعية للفرد، فتؤدي الى الانعزال الاجتماعي وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالعار أو الاستنكار الاجتماعي، وتسبب تدهور في العلاقات العائلية والاجتماعية بسبب الضغوط المالية والنفسية التي يواجهها الفرد بالإضافة إلى تأثيرها على المستقبل المهني للفرد. فبمجرد أن يبقى الشخص بدون عمل لفترة طويلة، فانه يفقد المهارات والخبرات اللازمة ويصعب عليه إعادة الاندماج في سوق العمل وتتأثر فرص التطوير المهني والتقدم في الحياة المهنية أيضًا.
ومن الجدير بالذكر أن البطالة ليست نوعًا واحدًا فقط، بل هناك أشكال مختلفة من البطالة، مثل البطالة الهيكلية التي تحدث نتيجة التغيرات الهيكلية في الاقتصاد، والبطالة الاكتشافية التي تحدث عندما يكون هناك عدم توافق بين المهارات والوظائف المتاحة. والبطالة الطوعية والتي تحدث عندما يكون الشخص قادرًا ومستعدًا للعمل، ولكنه يختار عدم العمل وبعودة ذلك الى أسباب متنوعة، مثل رغبة الشخص في التركيز على التعليم أو التطوير الذاتي، أو الاعتماد على دخل آخر مثل دخل الأسرة.
بالإضافة إلى وجود ما يسمى البطالة الاحتياطية والتي تحدث عندما يكون الشخص قادرًا وراغبًا في العمل، ولكنه لا يستطيع العثور على وظيفة مناسبة. حيث يعتبر الباحثون عن عمل الذين يتقدمون للعمل ويفشلون في العثور على وظيفة ملائمة جزءًا من البطالة الاحتياطية.
وأما من الجانب المجتمعي، غالبًا ما تُترجم معدلات البطالة المرتفعة إلى انخفاض الإيرادات الضريبية ومحدودية الموارد للخدمات العامة والذي يمكن أن يديم دورة الفقر ويعيق تنمية المجتمع علاوة على ذلك تؤثر البطالة أيضًا على الاقتصاد الأوسع من خلال تقليل القدرة الشرائية للمستهلكين وخنق النمو الاقتصادي. ومع انخفاض عدد العاملين وكسب الدخل، يتضاءل الطلب على السلع والخدمات، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الإنتاج والتسريح المحتمل للعمال في القطاعات الأخرى لذلك من الأهمية بمكان بالنسبة للحكومات وصانعي السياسات إعطاء الأولوية لمعالجة البطالة من خلال المبادرات المستهدفة مثل برامج خلق فرص العمل وإصلاحات التعليم للتخفيف من هذه العواقب الضارة على المجتمع ككل.
ويؤدي ارتفاع معدل البطالة إلى انخفاض النمو الاقتصادي للمجتمع. فعندما يكون هناك عدد كبير من الأفراد الباحثين عن عمل وغير قادرين على العثور على وظائف، ينخفض الإنتاج والإنفاق الاستهلاكي، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد في مجمله. كما أن ارتفاع مستوى البطالة يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر فعندما يفقد الأفراد وظائفهم ودخلهم، يصعب عليهم تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل السكن والغذاء والرعاية الصحية، الأمر الذي يؤدى إلى زيادة الفقر والعوز في المجتمع.
وتقترن هذه التأثيرات السابقة بانخفاض معدل التفاعل الاجتماعي والمشاركة المجتمعية، فعندما يشعر الأفراد بعدم الانتماء والعجز عن المساهمة في المجتمع بواسطة العمل والمشاريع الاجتماعية، فإنهم قد ينعزلون عن النشاطات الاجتماعية والمجتمعية، مما يؤثر على الروابط الاجتماعية والتواصل بين الأفراد.
ومن أكثر الآثار خطورة هي زيادة معدلات الجريمة وعدم الاستقرار الاجتماعي. فعندما يكون الأفراد بدون وظائف وفرص لتحقيق دخل شرعي، فإن بعضهم قد يقترب من الأنشطة غير القانونية لتلبية احتياجاتهم المالية مما يؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات الجريمة وتدهور الأمان في المجتمع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت