فعايات حرق المصاحف بين القبول السياسي و الرفض الشعبي

بقلم: محمود الدبعي

محمود الدبعي
  • د. محمود الدبعي
  • مستشار دولي للعلاقات

 

جريمة الكراهية هي اسم جماعي لعدة جرائم مختلفة حيث يمكن أن يكون الدافع مستمدًا من الكراهية أو التحيز ضد مجموعة محددة. يختلف تعريف جريمة الكراهية، ولكن هناك اتفاق دولي على أن جرائم الكراهية تضرب بجذورها في عدم احترام حقوق الإنسان والقيمة المتساوية للناس في المجتمع الواحد. إذا اسقطنا ذلك على السويد نجد ان هناك عقبات قانونية تحول بين المشرع و ايقاف عدوى الكراهية لمجموعات عرقية و دينية  و من هنا تريد تسليط الضوء على الموانع التي يحول بين اصحاب القرار السياسي و فعاليات حرق المصاحف في السويد.

 

يحق لكل انسان أن  يسأل : لماذا يُسمح بحرق المصحف الشريف في السويد؟

السويد دولة  ديمقراطية علمانية لا دين رسمي لها و كل الأديان تعتبر طوائف دينية تحترم من خلال قانون الحرية الدينية بشقيه ان تعبد من تشاء و ان تلحد كيف تشاء دون تدخل الدولة في الشؤون الدينية للمواطنين . و من اهم القوانين الأساسية في السويد هو قانون حرية التعبير و قانون حرية النشر . هذا القانون ليس مطلق بل هناك استثناء يمس  مجموعات عرقية أو شعبية سواء بشخوصها او معتقداتها و لكن لا يشمل نشر الكراهية لدين معين. و هنا استغل بعض الأفراد هذا القانون ليشعلوا نار الحقد و الكراهية للكتاب المقدس لدى اتباع الديانة الإسلامية متذرعين في قانون حرية التعبير .  وحتى الآن لم تتمكن الشرطة من رفض  مظاهرات حرق المصحف الشريف في الأماكن العامة ، سواء كانت امام السفارات او المساجد أو الضواحي التي يقطنها مواطنين مسلمين . و هي مجبرة على توفير حماية شرطية لها مهما كلفت من جهد واموال . و اعتادت الشرطة بعد كل فعالية بتقديم شكوى كراهية  ضد مجموعة عرقية ومع ذلك، لم يتم رفع هذه الشكاوى من قبل المدعي العام حتى تنظر المحاكم  في قانونية هذه الأفعال.

هل تستطيع الشرطة إيقاف حرق المصحف الشريف؟

لدى الشرطة فرص محدودة جدا  لرفض اعطاء تصاريح لأي تجمع عام  ، وهذا هو مربط الفرس. عندما تقوم الشرطة بتقييمها، يجب أن تأخذ في الاعتبار مدى تأثير المظاهرة على النظام والسلامة ومكافحة انتشارالعدوى المرضية و تعطيل حركة المرور في الموقع، لا شيء آخر. إن المخاطر المذكورة آنفا،  مطلوبة على وجه التحديد في المكان الذي يتم فيه حرق المصحف الشريف حتى تتمكن الشرطة من الرفض. لقد تم تفسير المخاطر من هذه الفعاليات بشكل ضيق للغاية لدرجة أنه لا ينبغي تضمين تصرفات المتظاهرين المناهضين لهذه الفعاليات مهما كانت نتائجها على أمن المجتمع  في التقييم، يعني  ردات الفعل التي تصدر من قبل  الشباب و اليافعين بحرق المركبات و القاء الحجارة على الشرطة و تخريب الممتلكات العامة لا تكفي حتى تمتنع الشرطة عن اعطاء تصاريح لهذه الفعاليات. حتى رفع التهديد الأمني للدرجة الرابعة قبل الأخيرة في احتمال قيام البعض في عمليات ارهابية ضد مصالح السويد في الداخل و الخارج  ضرائع لا تكفي .  حتى إذا أدى ذلك إلى اقتحام السفارات السويدية وزيادة التهديدات الإرهابية بحق المواطنين و اقتصاد السويد تبقى ايادي اصحاب القرار السياسي و الشرطة مكبلة .

 

 

حلول تراوح مكانها

حاولت الشرطة "توسيع" قواعد قانون النظام العام عدة مرات في الآونة الأخيرة  لإيقاف هذه الفعاليات ،  لكنها اصطدمت  بقرارات رافضة من قبل المحاكم  . على سبيل المثال رفضت الشرطة فعاليات  حرق المصحف الشريف وأشاروا إلى تقييم الإستخبارات السويدية ( سابو)  بأن التهديدات الإرهابية قد تتزايد. لكن الشرطة عانت من انتكاسات في المحكمة في كل مرة – و تبني المحاكم قراراتها  بأنه لا ينبغي أن يؤثر تزايد خطر الإرهاب بشكل عام في السويد على التقييم الأمني لرفض منح تصاريح حرق المصاحف. هذه الصرامة في حماية نصوص قانون حرية التعبير من قبل المحاكم  والتي لم تقم اصلا بدراسة هذه الأفعال و اسقاطها على القوانين ، تسببت في  احراج الحكومة التي حملت وزر هذه الأفعال الشنيعة من قبل حكومات و منظمات اهلية و مجالس حقوق الإنسان حول العالم .

هل تستطيع الحكومة السويدية أن تفعل شيئاً؟

في تصريج  لوزير العدل غونار سترومر ( حزب المحافضين) إن الحكومة تقوم بتحليل الأحكام ومراجعة ما إذا كان ترتيب الإجراءات بحاجة إلى تغيير من خلال دراسة قانون النظام العام . لكنه لم يذكر كيف أو متى يمكن أن يحدث التغيير. هناك معارضة شديدة من قبل حزب سفاريا ديمقراطيا على اجراء اي تعديل يمس قانون النظام العام  وهدد رئيس الحزب بانه سيلجأ للمعارضة في حالة طرح التعديلات على البرلمان لآقرارها. و الحكومة لا يمكنها الوقوف بوجه حليفها القوي و الذي تستمد شرعيتها من خلال الدعم المقدم لها من قبل هذا الحزب اليميني المتطرف. الحزب الإشتراكي المعارض طالب بتعديلات على قانون كراهية مجموعة عرقية  لتشمل الكراهية الدينية لكن الحكومة ترفض مناشقة هذا المقترح لأنه يمس جوهر قانون حرية التعبير.  ومع استمرار هذا الجدل البيزنطي ، لا تستطيع الحكومة التدخل ووقف حرق المصحف الشريف ارضاء لمطالب المواطنين المسلمين و الحكومات الإسلامية و منظمات حقوق الإنسان الدولية.  و استمرار الهروب الى الأمام من خلال التصاريح الإعلامية التي تنص على أن ( الشرطة هي التي تعطي الإذن والمحاكم هي التي تتحقق من صحة القرار).

هل هناك مشاكل في تغيير قانون النظام؟

المشكلة الأساسية هي الموازنة بين حرية التعبير والمصالح الأخرى. وعلى المشرع أن يعرف ما هو الحصر وما هي المشكلة التي يريد معالجتها. هل حرق الكتب الدينية فقط هو الذي ينبغي حظره أو غير ذلك من أشكال عدم احترام الدين مثل الإسلاموفوبيا و معاداة السامية، هل يجوز حرق اوراق من المصحف الشريف بعيدا عن الأنظار  أو حرقه في مكان عام  ؟

قانون التحريض ضد المجموعة العرقية  Lagen om hets mot folkgrupp

المواطنين المسلمين و معهم شريحة كبيرة  من  المواطنين يتساءلون عن احجام الحكومة و المشرعين القانونيين عن ربط فعاليات حرق المصحف الشريف بقانون  التحريض ضد المجموعات العرقية؟

رد المشرعين هو ( إن حرق المصحف في حد ذاته ليس تحريضا ضد مجموعة من الناس لأنه يستهدف الدين وليس الممارسين من الأفراد لمعتقدهم الديني. لكن هناك بعض الردود  من قبل قانونيين لمعرفة ما إذا كان الأشخاص الذين يشعلون النيران في الكتب المقدسة مذنبين بالتحريض ضد مجموعة عرقية ، خاصة فيما يتعلق بحرق المصحف الشريف. خاصة اذا ثبت أنه قد تم الإدلاء بتصريحات وإيماءات تحريضية من قبل القائمين على هذه الغاليات ضد محموعة عرقية . الى الأن لم تقم المحاكم في مناقشة هذه المظالم  وهذا امر يستغربه الكثير حتى القانونيين.

نحن كمواطنين متضررين من هذه الممارسات الهمجية بحق ديننا ،  لا نعرف في الواقع ما هو المسموح وما هو غير المسموح به، في قانون حرية التعبير . لا ينبغي للمرء أن يستنتج أنه لمجرد أنه لم تتم إدانة أي شخص حتى الآن بالتحريض على مجموعة عرقية، من خلال هذه الغعاليات المشينة أن الساحة مفتوحة على من هب و دب ان يقدم على هذه الأفعال لإكتساب شهرة أو ليجني اموال من  خلال حرق المصاحف في أي وقت. لذلك يعتزم عدد من المحامين في رفع قضايا الى المحاكم السويدية  حول انتهاك قدسية المصحف الشريف من خلال القوانين الأخرى مثل حرق المصحف هو فعل ضد قانون السلوك الفاحش  lagen om förargelseväckande beteende. و يترك الأمر للمحاكم للحكم بأن هذه الأفعال جرائم قد توقف حرق المصحف، من خلال  التاكيد بأن هذا الفعل الشنيع له عواقب قانونية. ايضا هناك محامين يعتزموا رفع قضية لدى المحكمة اللأروبية العليا لأصدار قرار ملزم للدول الأعضاء حول منع جرائم الكراهية الدينية التي تنتشر في عدد من الدول الأعضاء بما فيها السويد.  من الممكن أن تكون هذه التحركات إشارة إجابية من قبل الحكومة و المؤسسات الأهلية والقانونية  لإرسالها إلى العالم الخارجي، بأن هذه الأفعال المستكرة قد تتوقف إذا تمت معاقبة الأشخاص الذين يهددون امن واستقرار السويد و اللحمة الشعبية بين جميع مكونات المجتمع.

د. محمود الدبعي

مستشار دولي للعلاقات

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت