- إبراهيم ابراش
الكيان الصهيوني يحرض واشنطن والغرب على الرئيس أبو مازن ويتهمه بمعاداة السامية ونكران المحرقة والتحريض على العنف بعد ثلاثين عاما من الشراكة في عملية تسوية سياسية تحت عنوان (اتفاق أوسلو) الذي كان الرئيس مهندسه وما زال يدافع عنه، مع أنه لم يرد في كلمة الرئيس أمام المجلس الثوري أو في أي من خطاباته بما في ذلك خطاب المانيا ما يدل على ذلك، وكل ما ذكره الرئيس حقائق تاريخية عن طبيعة اليهود وعلاقتهم بالمجتمعات التي كانوا يعيشون فيها موثقة بكل اللغات، بل إن دولة الكيان هي التي تمارس العنصرية والإرهاب، والعقيدة اليهودية والصهيونية مليئة بمفردات العنصرية وكراهية الأغيار والحض على قتلهم.
فلماذا تتصرف حكومة عنصرية يمينية هذا التصرف؟
مع أنه حسب رأينا ما كان من الضروري للرئيس التطرق للمسألة اليهودية في مؤتمر مخصص لمناقشة أوضاع حركة فتح والتحديات الكبيرة التي تواجه القضية الوطنية حتى لا تستغل إسرائيل الأمر وتبعد الأنظار عن جرائمها وارهابها، وأن يُترك الحديث والكتابة حول هذا الموضوع الهام الذي يكشف زيف كل الرواية والتاريخ اليهودي المزعوم للمثقفين والأدباء ومراكز البحث الفلسطينية ولمستشاري الرئيس والمحيطين به، ولكن وحيث إن الموضوع قد تم فتحه فمن المطلوب من كل وطني فلسطيني الوقوف إلى جانب الرئيس في مواجهة حملة الأكاذيب الصهيونية التي تساوقت معها للأسف حكومات غربية تعرف أن الرئيس أبو مازن يتكلم بحقائق إلا أنها دول لا تريد أن يتحدث أحد عن دورها التاريخي في مأساة اليهود حتى قبل ظهور النازية.
ما يقلق إسرائيل ويثير غضبها ويدفعها لمعاداة الرئيس هو عكس ما تزعمه، ما يثير قلق دولة الكيان إصرار الرئيس على السلام ونبذ العنف وتمسكه بالشرعية الدولية وقراراتها، صحيح ان التأكيد فقط على خطاب الشرعية الدولية والدعوة للسلام لن يعيدوا لنا حقوقنا المشروعة، ولكن هذا الخطاب يفضح عنصرية إسرائيل ومعاداتها للسلام وللشرعية الدولية وهو خطاب بدأ يؤثر على الرأي العام العالمي الذي بدأ يكتشف حقيقة هذا الكيان ويطالب بمقاطعته.
ما يجري مع أبو مازن جرى مع الرئيس أبو عمار عندما اتهمته إسرائيل بالإرهاب والتحريض على العنف فاقتحمت الضفة وحاصرت الرئيس في المقاطعة ثم قتلته بالسم.
صحيح أن أبو عمار كان يريد مزاوجة العمل الدبلوماسي مع المقاومة المسلحة، ولكن دولة الكيان قتلته ليس بسبب عودته للعمل المسلح فقط، بل لإصراره على السلام والتسوية السياسية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية واتفاق أوسلو، والصهيونية ترفض كل ذلك جملة وتفصيلا وهي التي اغتالت إسحق رابين أهم قائد سياسي وعسكري صهيوني لأنه وقع اتفاق أوسلو وبحث عن صيغة للسلام مع الفلسطينيين ولو كمناورة فرضتها الضغوط الأمريكية.
إن ما يهدد الكيان الصهيوني ويرعبه ليس العمل العسكري الفلسطيني فقط، بالرغم من أهميته فلسطينيا إن كان ضمن استراتيجية وطنية شمولية للحفاظ على حيوية القضية وابقاء العدو في حالة توتر وعدم استقرار، ولا محور المقاومة والنووي الايراني المزعوم، زلكن أيضا انكشاف زيف الرواية الصهيونية وانتشار الرواية الفلسطينية عبر العالم وفضح الممارسات الإرهابية والعنصرية لدولة تدعي إنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط والتأكيد على السلام العادل الذي يعيد للفلسطينيين حقوقهم.
بالنسبة لليهود وخصوصا للصهاينة واليمين المتطرف، الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت أما الحي فهو عدو سواء كان مقاتلا ومجاهدا أو مسالما. وطنيا او علمانيا أو اسلاميا، حيث اغتالت اسرائيل قيادات وعناصر من كل التوجهات السياسية فكلهم بالنسبة لها فلسطينيون أعداء، من أبو يوسف النجار وكمال عدوان وأبو جهاد وأبو عمار إلى غسان كنفاني وأبو علي مصطفى والشقاقي والرنتيسي وصيام والشيخ ياسين وأبو العطا الخ.
وعليه، بالرغم مما كان بين الزعيم أبو عمار والرئيس أبو مازن من خلافات وما كان يبدو من اختلاف النهج العرفاتي مع النهج العباسي في التعامل مع عملية التسوية السياسية، فمن غير المستبعد إن يكون مصير أبو ما مازن نفس مصير أبو عمار، ولكن بطريقة مختلفة، وقد تكون تصفية سياسية وليس جسدية.
ولأن ثقافة الشك وانعدام الثقة بالطبقة السياسية متفشية في المجتمع فقد يزعم البعض إن ما قاله الرئيس الظهور كبطل وطني ولفت الانتباه عن الانتقادات الموجهة له وللسلطة ونهجها الخ، ولو عدنا قليلا للماضي سنجد نفس نهج التشكيك، بل والاتهام بالخيانة والتفريط حتى إن البعض زعم أن أصوله يهودية! تم توجيهها للقائد أبو عمار حتى أثناء محاصرته في المقاطعة، وتقريبا من نفس الجهات المشككة الآن بالرئيس محمود عباس، ولم يغير المشككون بأبو عمار رأيهم إلا بعد أن اغتالته إسرائيل، فكانوا على رأس من مشوا في جنازته وما زالوا الى اليوم يخلدون ذكراه، ربما لأنهم لم يستطيعوا أن يعملوا للقضية الوطنية أكثر مما عمل الختيار رخمه الله.!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت