- بقلم /أ.مصطفى رضوان
- كاتب وخبير مالي واقتصادي
شاهدت باستغراب وصدمة الفيديو المنتشر على منصات التواصل الاجتماعي لتجار في قطاع غزة، والذي يروّج علنا لأحد أشكال "الربا"، وحث كل من متعاملي البنوك للحصول على مرابحات لشراء أجهزة كهربائية ومواد أخرى، ليس من باب الانتفاع بها وإنما لإعادة بيعها بغرض الحصول على المال.
تلك العملية تعرف بما يسمى " التكييش"، وتقوم فكرتها على تسييل البضاعة للمواطنين على شكل مال بسعر أقل من قيمة الشراء.
ما يدعو له التاجر بشكل علني وصريح على الرغم من محاربة "الحكومة في غزة" له ، ليس مجرد ممارسة اقتصادية فردية عابرة، بل هو نظام له تداعيات وآثار على الاقتصاد الوطني والشعب، وبهذه الطريقة، يتكبّد المواطن المغلوب على أمره خسارتان، الأولى تتمثل بالقيمة الإضافية على ثمن السلعة التي يدفعها المواطن للبنك كمرابحه وتصل في بعض المعاملات الى أكثر من 40%، والثانية بالخسارة الناتجة عن اعادة بيع السلعة للتاجر تصل أحيانا الى أكثر من 10%، وبذلك يدفع المواطن مبلغا إضافيا يفوق 50% عن سعر السلعة.
الضغط المالي الكبير والتكلفة المرتفعة التي يتكبدها المواطن جراء "التكييش"، يعرّضه لمخاطر التعثر وعدم القدرة على السداد وزيادة الديون ومن ثم السجن.
ولتقريب الصورة أكثر للأذهان نورد المثال التالي، لو افترضنا أن شخصا أراد أن يشتري أجهزة بمبلغ 10.000$ على أن تسدد على 7 سنوات فان البنك سيمنحه المرابحة مع زيادة 6% عن كل سنه بإجمالي 42% اضافية أي أن إجمالي المبلغ الذي سيدفعه المواطن مقابل استفادته من شراء أجهزه بقيمه 10.000$ هو مبلغ 14.200$ للبنك، وإذا ما أرد إعادة بيع الأجهزة لمحلات "التكييش" لن يشتروها بأحسن الأحوال بأكثر من 8000$ وبهذا يكون المواطن مطالب بدفع مبلغ 14200$ مقابل الانتفاع ب 8000$.
من الجدير بالذكر أن هذه الظاهرة لا تهدد فقط المتعاملين بها إنما تتجاوز ذلك لتصل الى الاقتصاد المحلي والمجتمع ككل، فانتشار الظاهرة يؤدي إلى تقليل القيمة الحقيقية للسلع، مما يضر بالتجار ويؤدي بهم إلى الإفلاس، كما أنه يعمل على زيادة غنى الغني، وفقر الفقير مما يتسبب في بروز الظواهر الاجتماعية السلبية في المجتمع مؤثرا بذلك على منظومة القيم العامة.
ولأجل ما سبق لابد من محاربة حقيقية "للتكييش" من الحكومة في غزة وذلك من خلال اتباع الإجراءات التالية:
سن قانون رادع يجرّم التعامل بالتكييش.
العمل على ضخ سيولة نقدية في القطاع من خلال رفع رواتب الموظفين وعدم المساس سلبا به بأي حال من الأحوال.
نشر الوعي للمواطنين بالمضار المترتبة على الأمر.
القيام بدور الرقابة الفاعلة على الشركات والمؤسسات ورصد التجاوزات والتعامل العاجل معها.
انشاء الصناديق التعاونية والتكافلية والتي تعني بالإقراض الحسن وتعزيزه بكل السبل.
وختاما نعي أن الظرف في غزة صعب واستثنائي وأن مستويات الفقر والبطالة بلغت أكثر من60% لكن هذا لا يبرر مطلقا الوقوع في الحرام، "فالتكييش" أحد أوجه بيع العينة التي نهى رسولنا الكريم عنها فقال عليه السلام (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت