بقلم : د. أماني القرم
تمتلئ صفحات المجلات والجرائد ووسائل الاعلام الامريكية هذه الأيام بأخبار وتداعيات فضيحة الرشوة المتهم بها عضو الكونجرس الامريكي الكوبي الاصل بوب مينينديز وزوجته نادية /لبنانية الاصل/ . مينينديز حسب لائحة الاتهام الفيدرالية متهم بتلقي رشاوي من ثلاثة رجال اعمال ذوي اصول مصرية عبارة عن اموال وسبائك ذهبية وسيارة مرسيدس مقابل استغلال منصبه لصالح الحكومة المصرية تحديدا فيما يتعلق بتقديم معلومات وتسهيلات حول مسألة المساعدات الامريكية والمبيعات العسكرية لمصر.. المعروف ان مصر تتلقى مساعدة مالية سنوية من امريكا يتم استخدامها كأداة ضغط في كثير من الاحيان على الدولة المصرية لتبني سياسات معينة، وقد تم حجب اجزاء كبيرة منها منذ العام 2013 لقضايا يدّعى انها تتعلق بملف حقوق الانسان في مصر.
مينينديز يدفع ببراءته امام هذه الاتهامات ويرفض المثول لطلب نصف اعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين يطالبونه بالاستقالة من منصبه كسيناتور رغم أنه تنحى عن رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بسبب الفضيحة ، وهو نفس المنصب الذي كان يشغله جو بايدن قبل ان يصبح نائبا للرئيس ومن ثم رئيسا للولايات المتحدة ..
الحقيقة أنها ليست المرة الاولى التي يواجه فيها منينديز اتهامات مثل هذا النوع، ففي العام 2015 واجه السيناتور الديمقراطي 14 تهمة بالفساد بما فيها الرشوة بحوالي مليون دولار على شكل هدايا ورحلات من احد اصدقائه، وتم اسقاط جميع التهم عنه بعد اثباته البراءة .
اعادت قضية مينينديز التفكير في تأثير قوة المال في النظام السياسي الامريكي . المال وحده في امريكا يقرر من هو المرشح وما هي فرص فوزه و برامجه وأولوياته. حيث يمكن اختصار سير العملية الانتخابية في الكونجرس بقول احد أعضائه : "اذا كان لديك فكرة جيدة وعشرة الاف دولار، وانا لدى فكرة لا تساوى شيئا ولكن فى حوزتى مليون دولار، فاننى سوف انجح فى إقناع الناس بان فكرتى هى الجيدة ".
والقانون الامريكي مليء بالثغرات التي يمكن النفاذ منها لتبرير الاموال التي يتلقاها المرشحون وأعضاء الكونجرس. وكما فعل مينينديز في المرة الاولى لإسقاط التهم عنه، دافع عن نفسه في مؤتمر صحفي بأن الاموال التي وجدوها في بيته سحبها من حساب التوفير الخاص به. لكن مشكلته التي يجب أن يحلها هذه المرة تكمن في وجود بصمات على الأظرف المملوءة بالنقود التي تم ضبطها في منزله تعود لرجال الاعمال المتهمين برشوته.
تداعيات القضية المدوية لن تقف عند اتهام عضو كونجرس بتلقي رشوة ، بل ستطال العلاقات المصرية الامريكية وتوجهات التصويت في الكونجرس ازاء مصرفي الايام المقبلة.. مصر لديها اعداء كثر داخل واشنطن استغلوا المسألة وبدءوا بالمطالبة باعتبارها قضية خيانة وطنية وتجسس، وتزيدات الاصوات التي تنادي بوقف المساعدة الامريكية لمصر أو حجب أجزاء كبيرة منها ، كان آخرها على لسان كبير الديمقراطيين بلجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الامريكي الذي طالب بتعليق 230 مليون دولار من قيمة المساعدات الامريكية للدولة المصرية بسبب ملف حقوق الانسان. حتى مينينديز نفسه طالب في بيانه الصحفي الاخير بالتركيز على حقوق الانسان في مصر.
في العام 2009 اسقطت الحكومة الامريكية اتهامات بالتجسس عن اثنين من اعضاء "الايباك" أقوى منظمات اللوبي الاسرائيلي المسئولين عن جمع التبرعات لأعضاء الكونجرس وذلك لتقديمهم اسرار امنية كبرى للسفارة الاسرائيلية تتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه ايران . وفي نفس القضية أيضاً تم اغلاق التحقيق ضد عضو الكونجرس "جين هارمان" التي أخبرت عميل اسرائيلي في مكالمة هاتفية تم تسجيلها بأنها ستضغط على وزارة العدل لتقليل اتهامات التجسس ضد اسرائيل. في المقابل وعدها العميل الاسرائيلي بالحصول على متبرع ثري في حملة "نانسي بيلوسي" زعيمة الديمقراطيين في الكونجرس للضغط عليها لتعيين هارمان في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب!
قصة بوب مينينديز ليست الاولى ولن تكون الاخيرة في كونجرس لا تدار معاركه الانتخابية في ساحة الناخبين، إنما في قوة استغلال الاموال والصفقات المشبوهة والتسويات السرية . ولا يوجد أبرع من اللوبي الاسرائيلي في هذا الامر. وصدق روبرت كينيدي حين قال ذات مرة: انه افضل كونجرس يمكن شراؤه بالمال. السؤال هو: من المتهم ، مصر ام مينينديز ؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت