تقرير عائلات بأكملها تحت الركام منذ شهر

من آثار القصف على المغازي. (تصوير وفا).jfif

لم يتوقف حاتم قيطة عن البحث عن طفلته الرضيعة "مَي" التي فقد أثرها ليلة أمس في قصف الطائرات الحربية لمربع سكني في مخيم المغازي في محافظة الوسطى جنوب مدينة غزة.

يتنقل حاتم بين أسرّة المرضى والمصابين تارة وفي خيمة الشهداء التي نصبت حديثا تارة، وأخرى المشرحة، لكنه لم يجد لها أثرا.

جاء إلى الركن الخاص بالصحفيين وسأل عنها وأعطاهم مواصفاتها "بنت صغيرة عمرها ستة أشهر في أذنيها حلق وترتدي لباسا أصفر"، هكذا قال.

أخرج صحفيون هواتفهم النقالة وكاميراتهم التي التقطوا فيها مشاهد لمجزرة المغازي يفتشون في صور الأطفال وهو يحملق في عشرات الصور لكنه لم يجدها.

وقصفت طائرات الاحتلال الحربية مربعا سكنيا مكتظا في قلب مخيم المغازي، السبت، مخلفة عشرات الشهداء والجرحى، ودمرت عشرات الوحدات السكنية.

وتعج أروقة مستشفى شهداء الأقصى بمواطنين يبحثون عن أبنائهم أو أقاربهم الذين فقدوهم خلال العدوان على قطاع غزة.

ولا يزال متطوعون وفرق إنقاذ يحاولون إنقاذ من تبقى من المواطنين الذين لا يزالون تحت أطنان من الركام في قلب المخيم.

ولا تستطيع فرق الإنقاذ بسبب قلة معداتها وبساطتها وبسبب الركام وحجم الدمار الكبير، وانقطاع الانترنت والاتصالات في كثير من الأحيان للقيام بعملها، ورفع الأنقاض.

وقال المواطن عرفات أبو مشايخ، ويقطن بالقرب من المربع المستهدف، إن سبعة عشر منزلا متعددة الطوابق قد تم تدميرها على قاطنيها.

"على الأقل هناك ربما 100 شخص تحت الأنقاض"، قال أبو مشايخ.

وأشار إلى أن هذه البيوت تأوي عائلات هربت من شمال غزة بحثا عن الأمن.

وتعرضت أكثر من 200 ألف وحدة سكنية لتدمير كلي أو جزئي، أي أكثر من 50% من الوحدات السكنية.

"هربوا من الموت من الشمال لكنهم قتلوا في الجنوب أيضا"، قال أبو مشايخ الذي يعمل حكيما.

ويأوي مخيم المغازي زهاء 35 ألف نسمة لكن مع موجات النزوح الاجباري بحثا عن قصف أقل وعن الماء والغذاء تضاعف عدد سكان المخيم بسبب لجوء عائلات من محافظتي غزة وشمالها.

ووفقا لآخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة، فإن نحو 1.5 مليون مواطن نزحوا من منازلهم في قطاع غزة، بحثا عن مكان آمن، سواء إلى المستشفيات أو لمدارس الأونروا أو لبيوت أقاربهم في الجنوب.

على عربة يجرها حمار وصل شابان يحملان جثة شاب مجهول الهوية التقطوه من بين عشرات المواطنين الذين قتلتهم غارات إسرائيلية جنوب مدينة غزة، قرب مفرق الشهداء الذي يربط بين شمال وجنوب القطاع.

وصل الشاب إلى مستشفى شهداء الأقصى لتسليمه للطواقم الطبية، وقال إنه خرج يبحث عن أخيه إبراهيم الشافعي الذي فقدت آثاره منذ عشرة أيام.

"لم أجد أخي فحملت جثة أحد الشهداء كي لا أعود فارغ اليدين"، قال الشافعي.

وأضاف أن "عشرات جثامين الشهداء ملقاة في المنطقة منذ عدة أيام، وكلما كنت أحاول أن أحمل أحدهم تسقط يده أو ساقه".

وأشار أنه رأى عائلة (14 فردا) كاملة قرب سيارة تم استهدافها.

ومنذ التاسع من تشرين أول/اكتوبر الماضي ترقد الطفلة ليلى (8 سنوات) وأختها سلمى (14عاما) وأبوهما عبد الفتاح الأطرش (43 عاما) وجدتهما رحمة (66 عاما) تحت ركام شقتهم في عمارة "الأحلام 2" بحي الرمال بمدينة غزة حتى اللحظة.

وتعرضت العمارة، وعشرات العمارات حولها، لقصف جوي إسرائيلي في التاسع من الشهر الماضي. انتشلت طواقم الدفاع المدني ما استطاعوا من شهداء وجرحى وتركوا ما عجزوا عنه، لينشغلوا في انتشال ضحايا آخرين من عمارات مجاورة، كما يعتقد إياد الأطرش عم الفتاتين.

وقال إن عائلة أخيه بصحبة أمه كانوا يعيشون في الطابق الخامس من العمارة التي كانت تتكون من 7 طوابق وأربع شقق في كل طابق.

وأشار إياد الأطرش في حديثه، الذي تلقته وكالة "وفا" عبر نظام الرسائل القصيرة "SMS" لسوء شبكة الاتصال بفعل القصف الإسرائيلي على غزة، أن زوجة أخيه (إلهام النجار) وابنهما (محمد) قد نجيا من القصف بمعجزة إلهية.

ويعمل الأطرش موظفا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر بغزة، وكان يعيش حياة مستقرة جدا، وتتلقى الفتاتان (ليلى وسلمى) تعليمهما في مدرسة "راهبات الوردية".

"أخي وزوجته كانا يعيشان حياة مستقرة بعيدة عن التجاذبات السياسية من أي طرف، يعيشون حياة مدنية بحتة ولا أعلم لم تم قصف البيت."

وترفض أم الطفلتين أي حديث حول الجريمة إلا بجملة واحدة: "لا أريد كلاما، أريد فعلا فقط، فلتتحرك فرق الدفاع المدني أو الأشغال أو غيرهم وليخرجوهم من تحت الركام، ما دون ذلك كلام فارغ."

وكان إياد الأطرش قد وجه نداء استغاثة في الحادي عشر من أكتوبر الماضي يناشد من يوصل خبر وجود أمه وأخيه والطفلتين تحت الركام منذ يومين راجيا من أي جهة إنقاذهم.

وتلقت وزارة الصحة أكثر من 2000 بلاغ عن وجود مفقودين، نصفهم من الأطفال، وفقا لمصادر طبية.

وفي الثامن من تشرين أول الماضي، منع وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي إدخال الوقود والماء والمواد الغذائية والطبية والصحية إلى القطاع، ورغم دخول عدد من شاحنات المساعدات عبر معبر رفح (جميع ما تم إدخاله من شاحنات منذ بدء العدوان، لم يتجاوز الشاحنات التي يحتاجها القطاع في يوم واحد)، إلا أن الوقود ما زال مادة ممنوعة من الدخول إلى غزة.

وحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة، فإن نحو 10 آلاف شهيد ارتقوا منذ السابع من تشرين أول في قطاع غزة والضفة الغربية بسبب العدوان الإسرائيلي الشامل.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - غزة - وفا - سامي أبو سالم