عائلة أبو قمر.. عندما يقف الموت في طريق النازحين

تناول الأطفال الأربعة طعام العشاء مع جدتهم "ابتسام" وأمهم "إيمان" في بيت جدتهم، احتضن خالهم حسن الطفلة "ألما"، قبّلها ودسها في الفراش الذي جهزته أمها، قبل أن يهبط صاروخ يفتك بالجدة والأطفال ووالديهم ويحول البيت إلى كومة من الخراب.

وتعرض منزل عائلة أبو الهنود في مخيم "يبنا" جنوب مدينة رفح لغارة جوية، مساء أول أمس الأربعاء، استشهد على أثرها إيمان أبو الهنود (31 عاما) وزوجها محمد أبو قمر (32 عاما) وأطفالهما "ألما" (عامين)، و"كرم" (5 أعوام)، و"لانا" (6 أعوام)، و"تالين" (8 أعوام)، وجدتهم (والدة إيمان) "ابتسام النيرب" (57 عاما)، زوجة سيد أبو الهنود الذي استشهد في انتفاضة كانون ثاني عام 1987.

يقول حسن أبو الهنود (33 عاما)، نجل ابتسام وشقيق إيمان، إنه كان متواجدا في البيت وشهد الجريمة ودفن الشهداء وهو يتساءل عن سبب استهداف الاحتلال لبيته الذي يؤوي أطفالا هاربين من الموت.

e63b8174-01c2-4d9c-ac09-012121a61212.jpg


"لا أفهم لماذا استهدفوا بيتنا فنحن عائلة كل همنا العيش بسلام وأختنا وأطفالها لجأوا إلينا من مخيم الشاطئ بغزة هربا من الموت، لماذا قصفوا بيتنا؟"  تساءل حسن مستغربا.

وكشف أبو الهنود أنه لاحظ وجود طائرات مُسيرة في المنطقة، لكنه لم يعرها اهتماما وهذا دليل أنهم لم يخشوها وإلا لهربوا.

سمع حسن أصوات جلبة كبيرة وأصوات مواطنين يصرخون وينادي بعضهم بعضا كي يغادروا منزلهم على عجل قبل قصف متوقع ثم سمع صوت طفل يبكي، وخرج ليتبين الأمر فوجد الشارع هادئا وبعض الشبان يجلسون على قارعة الطريق، ومصدر الأصوات هو طائرة صغيرة مُسيرة تُعرف باسم "كواد كابتر"، وفقا لما قال.

وقال مواطنون إن طائرة "الكواد كابتر" تصدر أصواتا تربك فيها المواطنين مثل أصوات أطفال يبكون أو يضحكون أو نباح كلاب أو مواطنون يستنجدون ويصرخون.

طمأن حسن أمه وتوجه لغرفته فسمع إطلاق نار "طلقة واحدة" لا يعرف مصدرها ولم يعرها اهتماما ثم وقع انفجار كبير.

"لم أعرف أن القصف على بيتنا اعتقدت أنه في مسجد الشيخ أبو الهنود المجاور لبيتنا سيما وأنهم قصفوه قبل شهرين ونجانا الله وقتها."

نهض حسن وزوجته من تحت الركام فاقدي السمع لدقائق، بعد أن خيمت عليهما أعمدة باطون فشكلت ساترا لهما، بحث عن أمه فوجدها ملقاة على ظهرها وحولها بعض الجيران وقد ألقوا عليها بطانية، أبلغها أنه وزوجته بخير فهزت رأسها، وحاولت أن تنهض ولم تستطع، وتوجه بعدها يبحث بين الركام عن أخته وأطفالها.

32a1a12b-2a7e-4fcd-8117-5ee7b626665a.jpg


وجد حسن النصف العلوي من إيمان وبالكاد تعرف على ملامحها بسبب الغبار والدماء، أما الأطفال فكانوا "مقطعين" إربا.

"بالكاد استطعت التعرف على الأطفال، كرم وتالين كانا أشلاء ولانا كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة أما والدهم محمد فلم أر منه سوى بقايا ملابسه".

لم يعرف حسن أن امه استشهدت إلا في المستشفى الكويتي برفح، وتم نقلها مع ابنتها وأحفادها إلى ثلاجة الموتى في مشفى أبو يوسف النجار، ويذكر والدته ابتسام التي ترملت وهي في سن ال 22 عاما بعد استشهاد زوجها حسن في الانتفاضة الأولى.

"رفضت أم الزواج وكرست حياتها لرعايتنا، لم يكن لديها هم سوى أن نحيا بكرامة ونكمل تعليمنا ونعيش كأي إنسان طبيعي".

إيمان أختي وصديقتي، لم تر أبي فقد تيتمت وهي في سن الثلاث شهور، وها هي ترحل وتتقطع مع أطفالها.

وكانت إيمان قد رحلت من مخيم الشاطئ بغزة إلى حي النصر غرب مدينة غزة هروبا من القصف الإسرائيلي على المخيم، توجهت لحي النصر وبعد يومين انطلقت إلى جنوب القطاع هي وزوجها وأطفالها.

وقالت دعاء أبو الهنود إنها تذكر اللحظات الأخيرة قبل المجزرة: "تناولنا الفلافل وصنعنا الشاي وشربه الأطفال مع بعض البسكويت، أخذتهم أمهم لقضاء حاجتهم قبل النوم كما تفعل كل ليلة، توجه الأطفال لفراشهم، جاء كرم وحضنني وقبلني قبل أن ينام".

وأضافت: "طار الهاتف من يدي عند الانفجار وانهارت الجدران وطارت الخزانة عند الجيران. نهضت أجري أبحث عن عمتي وسط الظلام والغبار، كان الجيران يفتشون عنا باستخدام إضاءة الهواتف النقالة التي بالكاد تشق الغبار."

وكشفت دعاء أن إيمان كانت قد جهزت أمتعتها للنزوح من رفح بعد سماع تهديدات الاحتلال باجتياح المدينة.

ولم تتمالك دعاء التي أصيبت برضوض، نفسها وهي تستذكر تالين "عاشقة التصوير" وكرم الذي يتخذها كأمه ويحب النوم بجانبها.

"كانوا أبرياء ككل الأطفال في العالم لكنهم لم يعيشوا كأطفال العالم أتمنى لو أعرف لماذا قتلتهم إسرائيل بعد أن نغصت عليهم حياتهم." قالت دعاء.

49472f42-4b7e-49fe-9d52-02029d576724.jpg


وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي غاراتها على مدينة رفح التي تؤوي زهاء 1.5 مليون نازح من مختلف أنحاء القطاع. واستشهد 8 مواطنين من عائلة عياد مساء أمس الخميس في غارة جوية استهدفت منزلا يؤوي نازحين في حي السلام شرق جنوب المدينة.

وقالت مصادر طبية إن الغارة قتلت 10 مواطنين بينهم 5 أطفال و 3 نساء وهم ليلى عياد (68 عاما)، وبهاء عياد (44 عاما)، وبشير عياد (40 عاما)، وحليمة زكي عياد (34 عاما)، وهشام عياد (24 عاما)، وجميل بشير عياد (15 عاما)، ويحيى بشير عياد (13 عاما)، وجنى بشير عياد (8 أعوام)، وزين الدين بشير عياد (6 أعوام)، وزكي بشير عياد (3أعوام).

ومساء الثلاثاء استشهد 5 مواطنين في غارة جوية استهدفت منزلا يعود لعائلة أبو لبدة يؤوي عائلة نازحة من بيت حانون في تل السلطان غرب المدينة.

وارتكبت قوات الاحتلال 3,002 مجزرة في قطاع غزة راح ضحيتها زهاء 15 ألف طفل و10 آلاف امرأة من مجمل زهاء 34 ألف شهيد.

وتواصل قوات الاحتلال تهديداتها بهجوم بري على مدينة رفح الأمر الذي يضع سكان المدينة والنازحين فيها في حالة من التوتر وعدم الاستقرار، حيث نزحت عشرات العائلات من رفح إلى منطقة وسط القطاع تجنبا للهجوم الإسرائيلي المتوقع فيما لا تزال بعض العائلات تنزح إلى رفح بسبب استمرار الغارات على منطقة وسط القطاع

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رفح - وفا - سامي أبو سالم