لم يخطر في بال الفلسطيني حسني محمد العطار (68 عاما) من مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، أن يعرض مكتبته العلمية الخاصة للبيع يومًا ما، بعد سنوات طويلة من العمل المضني لبنائها وتجميعها.
ودائما ما يخشى العطار أن تتعرض مكتبته العلمية للقصف أو التدمير أو الحرق في أي استهداف إسرائيلي مباشر أو غير مباشر، وهي نتاج سنوات من الكتابة والتأليف والتجميع، وهذا ما دفعه لبيعها في ظل الحرب الإسرائيلية على القطاع والمستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
كنز علمي
وتضم مكتبة العطار الموجودة داخل منزله في مدينة رفح جنوبي القطاع الآلاف من العناوين العلمية والأكاديمية القيمة، ما يجعلها كنزًا علميًا وثقافيًا مهمًا يبحث عنه الجميع، وفق قوله.
ويقول لمراسل وكالة الأناضول: "هذه المكتبة كانت نتاج ما قمت به من كتابة، إذ أثمرت عن ما يزيد عن 100 كتاب، ومن بينها 99 نسخة إلكترونية بصيغة (PDF) متوفرة على محرك البحث الشهير Google لمن يريد أن يتصفح أو يقرأ".
ويضيف: "وصلت الآن في هذه الأيام إلى نقطة اللاعودة في الخوف على هذه المكتبة، لذلك قررت عرضها للبيع على المؤسسات العملية والأكاديمية خارج قطاع غزة".
ووفق العطار، فإن سكان قطاع غزة الآن لا يملكون القدرة للمحافظة على شيء، حتى على أنفسهم وممتلكاتهم، بسبب الحرب الإسرائيلية، ما دفعه إلى البحث عن مؤسسات علمية وأكاديمية خارج قطاع غزة، متمنيًا أن يتم استثمارها والحفاظ عليها والاستفادة منها.
ودمر الجيش الإسرائيلي خلال الحرب المدمرة، مقار غالبية مؤسسات التعليم العالي، كالجامعة الإسلامية والأزهر والقدس المفتوحة والأقصى، ما أدى إلى إحراق وتدمير المكتبات بما تحتويه من مئات الآلاف من الكتب والعناوين.
وخلال السنوات الماضية، استفاد الكثير من طلبة الدراسات العليا من مكتبة العطار واستعانوا بما تحتويه من كتب في كتابة وإعداد رسائلهم العلمية، ويقول: "لم أمنعها عن أحد من طالبي البحث العلمي، ولها الفضل على العديد من الباحثين والمثقفين وخطباء المساجد في فلسطين وقطاع غزة ورفح بالتحديد".
الحفاظ عليها
ويشعر العطار أن هذه المكتبة أقرب إلى نفسه من أي شيء آخر، وخشيته من استهدافها هو الذي دفعه لعرضها للبيع، فعمرها يتجاوز 55 عامًا من البناء والترتيب والتكوين والاعتناء.
ويشدد على أن هدفه لم يكن في أي وقت من الأوقات رغبة في الحصول على المال، مشيرا إلى أنه "في هذا العمر لا أحتاج إلا للقليل من المال لقضاء احتياجاتي الأساسية".
وولد العطار الذي هُجرت عائلته عام 1948، من مدينة يبنا قضاء الرملة في الداخل المحتل، في مدينة رفح عام 1956 وانهى دراسته الابتدائية والاعدادية في المدينة، وتلقى تعليمه الثانوي في القدس المحتلة ثم الجامعي في مصر.
وعمل العطار معلماً وأكاديمياً قبل التوجه إلى البحث العلمي والأكاديمي.
ويؤكد أنه يسعى للحفاظ على هذه المكتبة وعلى هذا الكنز من الاندثار أو الحرق بصواريخ إسرائيل، "فهذا العدو مجرم ويفتقر للأخلاق والقيم".
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، دمر الجيش الإسرائيلي عشرات المعالم الحضارية والثقافية والتاريخية والتراثية في قطاع غزة، من بينها مكتبات عامة وأخرى تابعة لمؤسسات تعليمية.
وخلفت الحرب عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين معظمهم أطفال ونساء، وكارثة إنسانية ودمارا هائلا بالبنية التحتية ومجاعة بعدد من المناطق، ما أدى إلى مثول تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية بتهمة "الإبادة الجماعية".