تقرير "أزمة ثقة: التجارة بمعاناة غزة من يراقب أموال التبرعات "

بقلم: سامي يوسف عيسى

مخيمات النازحين.jpeg

منذ بدء الحرب على قطاع غزة تعيش آلاف العائلات تحت وطأة حصار خانق وظروف معيشية قاسية، وأصبحت التبرعات والمساعدات الإنسانية شريان الحياة للكثيرين منهم، ومؤخراً زادت بشكل كبير حملات التبرعات وجمع الأموال الذي ينظمها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لإغاثة النازحين في غزة بعد أن تقطعت بهم السبل.

وشهدنا خلال عيد الأضحى، العديد من المبادرات التي نفذها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لتوزيع لحوم الأضاحي على النازحين والمشردين في الخيام، وهنا تبرز تساؤلات حول مصير أموال التبرعات وشفافية توزيعها. هل تصل التبرعات بالفعل إلى مستحقيها؟ أم أن هناك من يستغلون معاناة الناس لتحقيق مكاسب شخصية؟.

وتقول النازحة آية يوسف تقيم في محيط مستشفى شهداء الأقصى "دير البلح"، تابعت على مواقع التواصل حملات لعدد من النشطاء حول توزيع لحوم الأضاحي وكنت أترقب وصول بعضهم ليوزع على منطقتنا لكن أصبنا بالخيبة بعد مرور اليوم الأول والثاني من العيد دون أن يصلنا أحد وبعد نهاية اليوم الثالث لعيد الأضحى فقدنا الأمل أن يصلنا أي مساعدة من لحوم الأضاحي ولا نعرف أين تم توزيعها إذا لم تصلنا ونحن بأمس الحاجة لها.

وتضيف استغرب أين يقوم هؤلاء النشطاء يتوزع مبادراتهم خاصة لحوم الاضاحي لأننا كنّا ننتظر ادخال الفرحة والبهجة على أطفالنا والقيام بتجهيز طعام غير "مُعّلب لهم" وطهي اللحم الطازج الذي لم نأكله منذ شهرين بسبب ارتفاع أسعاره الكبيرة جدا إذا وجد في السوق.

أما المواطن إسماعيل بشير من شمال قطاع غزة "بيت لاهيا" انا وعائلتي صمدنا في منازلنا ولم نخرج منه وبكل أسف تركنا وحدنا نواجه جشع التجار ولصوص الحرب بدون أي رعاية حكومية ورسمية، ونتابع يومياً العديد من المبادرين على مواقع التواصل يتحدثون عن توزيع مساعدات ولحوم اضاحي دون أن يصلنا أي شيء.

وتابع أبو عون اسرتي واطفالي الذين ينامون جوعاً دون مغيث، تأتي المساعدات على معاناتنا وبكل اسف يسرق المبادرون على اسمي ويلعب التجار بقوت رزقي وفي آخر المطاف لا أجد قوت يومي".

وتزايدت حملات الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي حيث أعرب الصحفي والناشط أحمد سعيد عن استيائه من نشطاء يجمعون الأموال بحجة عيد الأضحى واغاثة النازحين، مشيرًا إلى شكوكه حول مصير هذه الأموال. وقال سعيد في منشور له: "جمعيات ونشطاء جمعوا ملايين، وبكرة تفرجوا محدش حيصلوا اشي. تجارة رابحة وأسمى أمانيهم أن تستمر الحرب".

ويؤكد الناشط محمد نجيب من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة على ضرورة إجراء عمليات مراقبة وضبط دقيقة للأموال والمساعدات التي تدخل القطاع، والإفصاح عنها للحد من حالات السرقة والفوضى. وأوضح نجيب أن هناك أشخاصاً استطاعوا جمع آلاف أو حتى ملايين الدولارات لإيصالها للناس دون أن يتم ذلك.

تثير هذه التصريحات التساؤلات حول شفافية ونزاهة عملية جمع وتوزيع التبرعات في قطاع غزة، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها السكان.

سنحاسب كل من استغل حاجات الناس

بدوره قال أكرم الحافي، الوكيل المساعد لشؤون المحافظات الجنوبية في وزارة التنمية الاجتماعية، في اتصال هاتفي "إن وزارته تبذل جهودًا كبيرة لإغاثة العائلات النازحة، إلا أن السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح تسببت في شح كبير في وصول المساعدات. وأوضح الحافي أن الظروف المعقدة في غزة وصعوبة التنقل والاتصالات تجعل من الصعب إدارة والتحقق من دور نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد الحافي أن الجميع تحت طائلة المسؤولية، وأنه سيتم متابعة ومحاسبة جميع الحالات التي يتم رصدها وتوثيقها بعد انتهاء العدوان. وأضاف: "بعض المؤسسات تستغل الوضع الحالي وتعمل بشكل غير شفاف، مما يؤدي إلى استغلال المواطنين بطرق متعددة. رصدنا حالات لبيع بعض المساعدات، وهذه التجاوزات الحالية لا يمكن ضبطها الآن بسبب الظروف الصعبة، ولكن نعد بمحاسبة كل من يستغل حاجة الناس بعد انتهاء العدوان."

وشدد الحافي على أن الوزارة ستلاحق جميع الجهات التي تستغل حاجة الناس، واعتبر أن من يمارس هذا السلوك يعد خائنًا لوطنه وشعبه. وأضاف: "كل من تثبت عليه مخالفات واستغلال، سواء من خلال نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أو المؤسسات التي تدخل مساعدات بأسماء تجّار لبيعها في الأسواق بأسعار مرتفعة، سيتم محاسبته. كل من لم يكن أمينًا على المساعدات واستغلها بشكل أو بآخر سنعمل على محاسبته."

واختتم الحافي بقوله: "شعبنا يستحق منا خدمته وأن نكون خير من يسانده في هذه الأوقات العصيبة."

نحرص على أن تصل المساعدات إلى مستحقيها

وحول دور مؤسسات المجتمع المحلي في مراقبة توزيع المساعدات والتبرعات في ظل الغياب شبه الكامل من الجهات الرسمية في غزة، قال الأستاذ أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة،" أنّ المؤسسات الأهلية كانت المستجيب الأول لاحتياجات الناس منذ بداية العدوان على غزة. وأوضح أن دورها أساسيًا في تقديم مختلف أنواع الخدمات للنازحين.

وأضاف الشوا: "العدوان الإسرائيلي على غزة غير مسبوق من حيث حجم الهجمات وتداعياتها. على مدار الأشهر الأولى، كانت المنظمات الأهلية ملتصقة تماماً بجانب شعبنا."

وأوضح الشوا "نعمل الآن على استنهاض دور المؤسسات ومتابعة عملها من خلال جهد كبير يبذل لتعزيز عدالة توزيع المساعدات في ظل قلتها، وتفادي التداعيات الخطيرة لعدم وجود عدالة في التوزيع. نحرص دائمًا على أن تصل المساعدات إلى مستحقيها بناءً على الفئات الأكثر احتياجًا، وأن يشمل التوزيع مختلف المناطق، مع ضمان وصول المساعدات للفئات الأكثر هشاشة في المجتمع مثل النساء والأطفال والمسنين والمرضى والأشخاص ذوي الإعاقة."

وأشار الشوا أن ما يتم إدخاله من مساعدات لا يتجاوز 10% من احتياج غزة. وقال: "نقوم بمتابعة عمل المؤسسات الأهلية الفلسطينية والدولية، بما في ذلك الأونروا، لضمان وصول المساعدات وتوزيعها بشكل عادل على كافة المستحقين، مع الحرص على كرامة واحترام المواطنين الذين يتلقون المساعدات."

الخاتمة

في ظل غياب الرقابة الرسمية على توزيع المساعدات وأموال التبرعات، اقترح المواطنون الذي قمنا بالتواصل معهم تأسيس هيئة رقابية مستقلة تضم ممثلين عن المجتمع المدني ووزارة الشؤون الاجتماعية. تتابع جمع وتوزيع التبرعات، وتلزم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الإفصاح عن المبالغ وتفاصيل التوزيع بشكل دوري. كما اقترحوا إنشاء منصة إلكترونية لمتابعة التبرعات ونشر قوائم المستفيدين لضمان الشفافية.

المصدر: تقرير سامي عيسى - قطاع غزة