حولت إسرائيل شمال الضفة الغربية إلى ساحة حرب حقيقية بعد أن شنت عملية عسكرية واسعة النطاق فجر الأربعاء، استهدفت بشكل متزامن جنين وطولكرم وطوباس. تعتبر هذه العملية الأكبر منذ عملية "السور الواقي" عام 2002، وأجبرت الرئيس الفلسطيني محمود عباس على قطع زيارته إلى المملكة العربية السعودية.
ردود الفعل الفلسطينية وتصاعد المواجهات
حذرت الرئاسة الفلسطينية من أن تصعيد هذه الحرب الإسرائيلية سيتحمل الجميع عواقبها، في حين تعهدت "كتائب القسام" التابعة لحركة "حماس" بتوسيع المواجهات إلى وسط وجنوب الضفة الغربية.
في الساعات الأولى من العملية، أسفرت الغارات الجوية والاشتباكات المسلحة والمداهمات التي شارك فيها لواء "غفير" ووحدة القوات الخاصة "دوفدفان"، مدعومة بمدرعات وجرافات تحت غطاء جوي، عن مقتل 11 فلسطينياً. وادعت إسرائيل أن هذه العملية تستهدف البنية التحتية للفصائل الفلسطينية التي تتلقى دعماً من إيران.
اندلعت اشتباكات عنيفة بين المسلحين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في جنين ومخيمها وطولكرم ومخيماتها وطوباس. أظهرت مقاطع فيديو انتشار قوات إسرائيلية كبيرة في المناطق المستهدفة، حيث تصاعدت المواجهات المسلحة في الشوارع وبين المنازل، واستخدم المقاتلون الفلسطينيون عبوات ناسفة لاستهداف الآليات والجرافات الإسرائيلية.
مخاوف إسرائيلية من تصاعد العنف
أعلنت "كتائب القسام" و"سرايا القدس" و"كتائب الأقصى" أن مقاتليها يواجهون القوات الإسرائيلية في كل محاور التوغل، مما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي وتضرر آلياته.
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن القلق يتزايد داخل جهاز الأمن الإسرائيلي من احتمال اندلاع انتفاضة شاملة، وأعربت عن مخاوفها من هجوم منظم قد تنفذه الكتائب الفلسطينية في شمال الضفة على المستوطنات أو المزارع الفردية غير المحمية، بمشاركة أجهزة الأمن الفلسطينية. وتوقعت أن ينطلق مثل هذا الهجوم من طولكرم.
اتهامات لإيران و"حماس" بتأجيج الأوضاع
اتهم مسؤولون أمنيون إسرائيليون إيران وحركة "حماس" بالعمل على إشعال الأوضاع في الضفة الغربية بهدف منع هجوم إسرائيلي على إيران ولبنان، وتخفيف الضغط عن قطاع غزة. وفي الوقت ذاته، أعلن الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع جهاز الأمن العام "الشاباك" عن بدء حملة واسعة النطاق "لمكافحة الإرهاب" في جنين وطولكرم، شملت اقتحام مخيمات اللاجئين بمرافقة طائرات مروحية وطائرات بدون طيار.
محاولات لإخلاء السكان وتغيير الواقع في الضفة الغربية
أعلن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن العملية أسفرت عن قصف مسلحين من الجو، وقتل آخرين في مواجهات ميدانية، بالإضافة إلى إحباط عبوات ناسفة ومصادرة أسلحة. كما حاصر الجيش الإسرائيلي مستشفيات عدة بحثاً عن مطلوبين. وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون لوسائل إعلام محلية: "قررنا أن نفعل شيئاً يغير الواقع في الضفة".
تجسد "تغيير الواقع" الذي تحدث عنه المسؤولون الإسرائيليون في محاولات إخلاء السكان من مناطق "أ" التابعة للسلطة الفلسطينية. وصرحت مصادر في الجيش الإسرائيلي بأنه قد يتم إجلاء السكان بشكل منظم وفقاً لمناطق القتال المتوقعة، فيما أكدت مصادر فلسطينية أن الجيش طلب إخلاء سكان مخيم "نور شمس". ولكن متحدثاً باسم الجيش أوضح أنه لم تصدر أي تعليمات رسمية للإخلاء، بل تم السماح للسكان الذين يرغبون في الابتعاد عن مناطق القتال بالخروج بشكل آمن.
تدمير البنى التحتية وتصاعد الغضب الفلسطيني
استهدفت الهجمات الإسرائيلية المكثفة من الجو والأرض البنى التحتية في مخيمات شمال الضفة الغربية، حيث دمرت خطوط المياه والكهرباء. وأظهرت مشاهد من مخيم "نور شمس" في طولكرم تدميراً واسعاً شمل تجريف الشوارع وتخريب خط المياه الرئيسي، في عملية مشابهة لتكتيكات الجيش في قطاع غزة.
ردود الفعل الفلسطينية والعربية
ردت الرئاسة الفلسطينية على التصعيد الإسرائيلي ببيان شديد اللهجة، محذرة من أن الجميع سيدفع ثمن هذا العدوان. وأكد الناطق الرسمي باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة أن الحرب الإسرائيلية المتصاعدة في الضفة الغربية، إضافة إلى حرب الإبادة في قطاع غزة، ستؤدي إلى نتائج وخيمة وخطيرة يتحمل مسؤوليتها الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية التي توفر لها الدعم.
قطع الرئيس الفلسطيني محمود عباس زيارته إلى المملكة العربية السعودية على إثر الهجوم الإسرائيلي. وقال مسؤول في السلطة الفلسطينية لـ"الشرق الأوسط" إن العملية الإسرائيلية تستهدف السلطة الفلسطينية أيضاً، موضحاً أن الجيش الإسرائيلي يعمل على إضعاف السلطة وإهانتها أمام شعبها عبر هذه العمليات.
ردود الفصائل الفلسطينية وتصاعد العنف
أكدت حركة "فتح" أن "عدوان جيش الاحتلال الهمجي على قطاع غزة والضفة الغربية" لن يثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة نضاله من أجل الحرية والاستقلال. بينما توعدت "كتائب القسام" بأن الحملة العسكرية الإسرائيلية ستواجه بمقاومة شرسة من جنوب ووسط الضفة الغربية والداخل المحتل.
في ظل هذا التصعيد، طالبت "حماس" عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالانضمام إلى المعركة في الضفة الغربية.
وبمقتل 11 فلسطينياً في العملية، يرتفع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 642 منذ السابع من أكتوبر، بينما قُتل ما لا يقل عن 19 إسرائيلياً بينهم جنود في هجمات فلسطينية.