عملية الخليل: كرة المقاومة تتدحرج

بقلم: ثائر ابو عياش

مقتل-3-من-شرطة-كيان-العدو-في-عملية-بطولية-للمقاومة-الفلسطينية-غرب-الخليل-بالضفة.jpg

في مربع أمني ساخن، نفذت المقاومة بحرفية عالية عملية تُأخذ في سياق العمليات النوعية على الصعيد الاستراتيجي، إذ تمكنت المقاومة من اختراع الاستنفار الأمني للجيش الاحتلال، حيثُ وصول مركبات مفخخة لنواة العمل العسكري لجيش الاحتلال في جنوب الضفة الغربية هو بمثابة ضربة قاصمة لأمن الاحتلال، وهذا ما سنوضحه في السطور التالية، ولكن قبل ذلك يمكن اعتبار أنّ كرة الثلج الخاصة بظاهرة المقاومة تتدحرج بشكلٍ دقيق، وأكثر بشكلٍ مخطط، ومتناغم مع أهداف المقاومة، وبل وعبر العودة إلى التاريخ يمكن اعتبار أنّ عملية الخليل الأخيرة في مربع "غوش عتصيون" تُثبت من جديد أنّ القاسم المشترك بينها وبين العمليات السابقة هو فشل الاحتلال الذريع في منع ظاهرة المقاومة.

بشكل تفصيلي، وإذا جاز لي هنا أنّ أتحدث عن مربع "غوش عتصيون" بصفتي اسكن بالقرب من هذا المربع، يمكن القول، أنّ المقاومة تمكنت من الوصول إلى محطة الوقود التي توجد على مدخل مستوطنة "غوش عتصيون" هذا اولاً، أما ثانياً، بالقرب من هذه المحطة وعلى بعد أمتار قليلة يوجد دوار "غوش عتصيون" الذي شهد عدة عمليات نوعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن ذكر عملية خطف المستوطنين الثلاثة عام 2014، ويُعتبر هذا الدوار بمثابة دوار "الرعب"، إذ عليه ينتشر الجنود بشكلٍ مستمر سواء في حالة حرب من عدمها، بالإضافة إلى انتشار النقاط العسكرية، وأحد تلك النقاط على مدخل محطة الوقود تحديداً، بالإضافة إلى انتشار الشرطة "الإسرائيلية"، ودوريات جيش الاحتلال بشكلٍ مكثف على مدار الساعة في محيط محطة الوقود.

أما ثالثاُ، ليس غريباً أنّ يكون مسؤول لواء الجنوب، والذي أصيب في العملية في المكان، حيثُ على بعد أقل من كيلو متر من محطة الوقود يوجد معسكر تابع لجيش الاحتلال، ويُعرف بمعسكر "غوش عتصيون"، وفي داخل هذا المعسكر يوجد معتقل "غوش عتصيون"، والذي يقبع فيه الكثير من الأسرى الفلسطينيين، ويعانون ما بعد السابع من أكتوبر من ظروف سيئة بحسب منظمة "بتسليم"، وكنت قد مكثت في هذا المعتقل لمدة ثمانية أيام في ظروف صعبة معقدة عام 2009، ويُضاف إلى ما سبق، إنَّ هذا المعسكر يحتوي على مركز تحقيق تابع للشاباك "الإسرائيلي"، بالإضافة إلى وجود مركز رئيسي تابع للشرطة "الإسرائيلية"، والأهم يُعتبر هذا المعسكر، بمثابة المعسكر الرئيسي لمجمل عمليات جيش الاحتلال في جنوب الضفة الغربية.

في ذات السياق، لا تبعد مستوطنة "كرمي تسور" سوى أقل من 10 دقائق عن مكان تنفيذ عملية محطة الوقود، وفي سياق متصل يمكن اعتبار مستوطنة "كرمي تسور" من المستوطنات الصغيرة نسبياً، ولكن تشهد إجراءات امنية معتقدة، وعلى سبيل المثال يوجد على مدخلها برج عسكري تابع لجيش الاحتلال، يتواجد فيه الجنود على مدار الساعة، ومن جهة أخرى شهدت هذه المستوطنة عمليات اشتباك بين المقاومة، وجنود جيش الاحتلال ما بعد السابع من أكتوبر، وإذا جاز لي هنا من جديد، وبصفتي أسكن في بلدة بيت أمر، يمكن القول _إذ تقع مستوطنة "كرمي تسور" إلى الجنوب من هذه البلدة_ أنّ حي "الظهر في بلدة بين أمر" الملاصق لهذه المستوطنة قد شهد إجراءات أمنية صعبة على سكان هذا الحي ما بعد السابع من أكتوبر، وقد سقط شهيدين خلال هذا الإجراءات، وهم الشهيد عزيز أخليل، والشهيد أبراهيم الخطيب، بالإضافة بطبيعة الحال إلى العديد من الإصابات.

إذاً، هي عملية نوعية متناغمة مع الهدف، وأكثر في أسلوب التنفيذ، وفي سياق متصل أعتبر الاعلام العبري، أنّ عملية "غوش عتصيون" هي عملية من أيام الانتفاضة الثانية، حيثُ أسلوب عمليات التفجير كان بمثابة كابوس يؤرق المؤسسة الأمنية والعسكرية للكيان، ويقضُّ مضاجع الاحتلال، وفي هذا السياق تُعتبر مدينة الخليل بمثابة معقل للعميات الاستشهادية أبان الانتفاضة الثانية.

 ومن جديد هذه ليست العملية الأولى في مجمع "غوش عتصيون"، وعند الحديث عن بلدة بيت أمر والتي لها تاريخ طويل في الصراع مع الاحتلال على أراضي "عتصيون" منذ عام 1948، يمكن هنا ذكر وعلى سبيل المثال لا الحصر عملية الشهيدين القساميين "محمد ومحمود صبارنه"، إذ في الرابع والعشرون من كانون الثاني/ يناير لعام 2008، أقتحم الشهيدين مستوطنة "غوش عتصيون"، ونفذا عملية نوعية، أسفرت بحسب الاعلام العبري عن إصابة ستة ضباط من جيش الاحتلال، أما عن مستوطنة "كرمي تسور"، يمكن ذكر وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضاً، عملية الشهيد القسامي "أحمد المسالمة"، حيثُ في الثامن من حزيران/يوليو لعام 2002، تمكن مسالمة من اقتحام مستوطنة "كرمي تسور"، بعد أنّ تخفى بزي جندي عسكري كما الشهيدين صبارنه، وقام بتنفيذ عملية نوعية، أسفرت عن مقتل مستوطنين أثنين، وجندي صهيوني.

أخيراً وليس أخراً، تُعتبر عملية مجمع "غوش عتصيون" بمثابة صفعة لما تُسمى دولة "إسرائيل"، والتي وصمت نفسها بأنها دولة أمن، وبالفعل تمكنت المقاومة من إعادة جيش الاحتلال إلى كابوس العمليات الاستشهادية من جديد، وأكثر قامت المقاومة بفتح البوابة التي يعتقد الاحتلال أنه تمكن من إغلاقها، وبل أكدت المقاومة أنّ السيناريو الذي يُخيف الاحتلال بإمكانية اقتحام مستوطنات الضفة الغربية على غرار ما جرى في مستوطنات ما تُعرف بغلاف غزة أصبح قابل للتحقيق، وفي هذا السياق تُعتبر عملية مجمع "غوش عتصيون" ضربة نوعية لأنها تمكنت من نقل الصراع إلى مستوطنات الضفة الغربية، والقصد إلى حضن الاحتلال، وليس داخل المدن والمخيمات الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى تأكيد نهج وحدة الساحات.

وقبل الختام، يمكن بشكلٍ سريع التعريج على عملية الطريق الالتفافي، التي قامت بها المقاومة بالقرب من معبر "ترقوميا"، إذ لم تخرج هذه العملية من عباءة العمليات النوعية، حيثُ جرت هذه العملية في ذروة الاستنفار العسكري في الخليل، وأكثر جرت بالقرب من معبر "ترقوميا"، وهو معبر أمني تجاري، ويُعتبر من المعابر الرئيسية، والآمنة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت