ممّا لا شكّ فيه أن عمليّة السابع من أكتوبر سيكون لها تبعاتٌ في اتجاهاتٍ وعلى مستويات مختلفة داخل وخارج فلسطين، وبعض هذه التبعات سيكون مرئيا يسهل رصده وتعيينه، فيما سيكون البعض الآخر أكثر التباسا وغموضا وأقلّ مباشرة في تجليه. أعتقد أن البحر الأحمر، كمساحة تقليديّة قديمة لصراعات النفوذ السياسيّ والتجاريّ، سيكون من بين الساحات التي ستنطبع فيها الكثير من تبعات تلك العمليّة، خاصّة إذا أخذنا بعين الاعتبار ما قامت به جماعة أنصار الله اليمنيّة خلال العام الماضي، وتأثيراته على حركة الملاحة الدولية وعلى مصالح الدول المختلفة المُطلّة على هذا الممر المائي الهام. وممّا لا شك فيه أن إسرائيل ستراجع الكثير من سياساتها ومنظوراتها تجاه هذه المساحة الحيويّة بعد كلّ ما جرى منذ السابع من أكتوبر، وستسعى لأن تنسج علاقاتٍ جديدة وتعمّق حضورها فيها بأشكال مختلفة، وسيكون هنالك أطرافٌ على استعداد لأن يتلاقوا معها في هذه المساحة ضدّ ما يرونه تهديدا مشتركا. هذه ورقة أعدتها مجموعة من باحثي معهد الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب حول هذا الموضوع ونُشرت قبل أيام قليلة، وقد قمتُ بترجمتها لأنها توفر إطلالة على بعض جوانب التفكير الإسرائيليّ تجاه هذا الملف الهام.
مُلخص:
حظيت منطقة البحر الأحمر باهتمام متزايد في ضوء هجمات الحوثيين والأضرار التي تسببت بها لحرية الشحن العالمية بشكل عام، ولإسرائيل بشكل خاص. هذا بالإضافة إلى تأثير النزاعات المتصاعدة الأخرى في المنطقة، التي لا تشارك إسرائيل فيها بشكل مباشر، مثل تلك التي في السودان والصومال. تسلط كثافة هذه النزاعات الضوء على حقيقة بأنه لا يمكن معالجة التحديات ذات الصلة في البحر الأحمر إلا من خلال التعاون المتعدد الأطراف، الإقليمي والدولي. إن مثل هذا التعاون الأمني، إلى جانب التعاون في المجالات "الناعمة" بين إسرائيل والدول في المنطقة، يشكل الأساس لتعزيز المصالح طويلة الأجل لجميع الأطراف المعنية.
البحر الأحمر هو طريق شحن مهم للتجارة العالمية ويعمل كمنفذ بحري للعديد من الدول، سواء تلك التي تقع على شواطئه أو التي تستخدم موانئه لدعم اقتصادياتها. في الطرف الشمالي من البحر الأحمر يقع قناة السويس، وهي طريق إلى البحر الأبيض المتوسط، وتشكل الرسوم التي تُحصّل من السفن العابرة لها مصدرًا مهمًا للعملة الصعبة للاقتصاد المصري. في أكتوبر 2023، بدأت ميليشيا الحوثي بمهاجمة إسرائيل والشحن الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن، مع التركيز على مضيق باب المندب، وهو البوابة الجنوبية للبحر الأحمر. قبل هجمات الحوثيين، كان حجم حركة مرور السفن التجارية في البحر الأحمر يمثل حوالي 15% من حركة المرور التجارية العالمية وحوالي 30% من حركة مرور الحاويات التي تعبر البحار.
تقع إسرائيل في الطرف الشمالي من البحر الأحمر، وتتأثر بشكل مباشر بالوضع نتيجة إغلاق ميناء إيلات، الذي كان، حتى الحرب في غزة، يتعامل مع حوالي 2% من إجمالي حركة السفن التجارية التي ترسو في إسرائيل. وعلى الرغم من أن ميناء إيلات ليس الميناء الرئيسي لإسرائيل، إلا أنه ذو أهمية كبيرة باعتباره ميناء احتياطياً جنوبياً للشحن الإسرائيلي في حال تعرضت حركة السفن المتجهة من وإلى موانئ البحر المتوسط الإسرائيلية لأي تهديدات، وهو سيناريو تزداد احتماليته في حالة نشوب صراع واسع النطاق مع حزب الله وإيران. علاوة على ذلك، تسببت هجمات الحوثيين في إطالة طرق الشحن للسفن المتجهة من وإلى موانئ البحر المتوسط الشرقية إلى الشرق الأقصى، مما أثر سلباً على تجارة إسرائيل. والنتيجة الرئيسية لذلك هي الزيادة في تكاليف النقل البحري، الناجمة عن طول مدة الرحلات وارتفاع معدلات التأمين.
في الخلفية، تشعر إسرائيل بالقلق إزاء محاولات إيران لإقامة وجود في منطقة البحر الأحمر، وهو ما يتضح من نشر سفينة استخبارات إيرانية في المنطقة، والتشغيل المستمر للسفن الحربية الإيرانية في مياه البحر الأحمر، بالإضافة لأنشطة ميليشيا الحوثي، وكيل إيران في المنطقة. ومؤخرًا، جددت إيران اهتمامها بالموانئ السودانية، وهو ما يشكل تهديدًا لإسرائيل والدول الأخرى في المنطقة ويزيد من زعزعة استقرار منطقة البحر الأحمر. كما ترى مصر أن هجمات الحوثيين تمثل تهديدًا مباشرًا وخطيرًا لأمنها القومي، لكنها تسعى لإنهاء هذه الهجمات من خلال التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، الذي تدّعي أنه السبب الجذري للأزمة.
الأزمات الحالية والناشئة في المنطقة:
اليمن: يمثل الحوثيون التهديد الرئيسي في منطقة البحر الأحمر حالياً. فمنذ 19 تشرين أول/أكتوبر 2023، استهدف الحوثيون إسرائيل وحركة المرور البحرية، مع التركيز على جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب. تضمنت هذه الهجمات إطلاق حوالي 300 طائرة بدون طيار، و150 صاروخ مُجنّح (كروز)، و120 صاروخاً باليستياً، بالإضافة إلى استخدام 50 سفينة غير مأهولة محملة بالمتفجرات. ونتيجة لهذه الأنشطة، تعرضت خمس سفن لأضرار جسيمة (غرقت منهم سفينتان)، واُختطفت أربع سفن، وأصيبت حوالي 30 سفينة بأضرار طفيفة، لكنها واصلت رحلاتها. وانخفض حجم حركة المرور عبر مضيق باب المندب بحوالي 50%، من حوالي 80 سفينة يومياً إلى حوالي 35 سفينة. وبحلول أبريل 2024، انخفضت حركة المرور عبر قناة السويس بنحو 70%، مما أدى إلى انخفاض مماثل في إيرادات القناة، ,وهو ما يمثل خسارة مقداراها 600 مليون دولار شهريا للخزينة المصرية. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، من المتوقع أن تتسبب هذا الأزمة في خفض الناتج المحلي الإجمالي لمصر بنسبة تصل إلى 5.2% بين عامي 2023 و2025.
بسبب المخاوف من إيران ووكلائها، رفضت الدول العربية الانضمام علنًا إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البحر الأحمر، ولم تدن هجمات الحوثيين، مفضلةً بدلاً من ذلك الحلول الدبلوماسية. وتجادل بعض الدول العربية بأن جذور أزمة البحر الأحمر الحالية تكمن في غزة، وأن حلها يوجد هناك وليس في مواجهة مع إيران. كما أعادت هجمات الحوثيين على إسرائيل وحرية الملاحة في البحر الأحمر إحياء النقاش العربي حول ضرورة إنشاء إطار إقليمي-دولي فعال يضم السعودية ومصر، إلى جانب القوى الكبرى ذات المصلحة في الأمن البحري، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين. فكلاهما يستثمر بقوة في المناطق المتأثرة بأمن الملاحة في البحر الأحمر، مثل شرق إفريقيا ومصر، حيث يعد البحر الأحمر طريقًا حيويًا لسلاسل الإمداد العالمية.
إثيوبيا والصومال: في بداية عام 2024، اعترفت إثيوبيا، وهي دولة حبيسة تعتمد على جيبوتي للوصول إلى البحر، باستقلال أرض الصومال مقابل استئجار أراضٍ تمنحها وصولاً إلى البحر الأحمر واستخدام ميناء بربرة في أرض الصومال، الذي قامت الإمارات بتوسيعه في السنوات الأخيرة. وقد أدى هذا التحرك إلى توترات كبيرة بين إثيوبيا، التي تعد الدولة الحبيسة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، وجيرانها، مما زاد من مخاطر نشوب صراع عسكري. وفي المقابل، انحازت مصر، التي تجمعها بإثيوبيا علاقات متوترة منذ فترة طويلة بسبب سد النهضة الإثيوبي الكبير، إلى جانب الصومال، وأعلنت رفضها للاتفاقية، معتبرةً إياها انتهاكاً للسيادة الصومالية. كما أرسلت القاهرة قوات عسكرية وأسلحة إلى الصومال، لتحل محل قوات حفظ السلام الإثيوبية الموجودة هناك لمكافحة حركة الشباب، وفي الوقت نفسه زادت من التنسيق مع مقديشو لمواجهة القرصنة في منطقة القرن الأفريقي.
السودان: تهتم إسرائيل بتوسيع علاقات السلام مع دول منطقة البحر الأحمر، ومعظم هذه الدول لا تربطها بها علاقات دبلوماسية. يتجلى هذا الاهتمام في الجهود المبذولة لضم السودان إلى اتفاقيات أبراهام وإدماج السعودية في جهود التطبيع الإقليمي. ومع ذلك، يغرق السودان حاليًا في حرب أهلية دموية، مما يُضعف الدولة ويوفر أرضًا خصبة لإيران لإعادة بسط نفوذها هناك، كما فعلت خلال حكم عمر البشير. يمكن أن يعود السودان ليصبح مرة أخرى نقطة عبور لنقل الأسلحة الإيرانية إلى وكلائها في البحر الأبيض المتوسط، مثل حماس وحزب الله. ويُلاحظ أيضًا أن السيطرة على ميناء بورتسودان تشهد تنافساً بين عدة أطراف إقليمية ودولية، بما في ذلك روسيا والإمارات.
فرص عديدة إلى جانب مخاطر متعددة:
تعمل عدة منظمات وتحالفات في منطقة البحر الأحمر، منها: القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، التي تم دمج إسرائيل فيها منذ عام 2021؛ ومجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، الذي تأسس في عام 2020؛ ومركز البحر الأحمر الدولي للأبحاث، الذي تأسس في عام 2019؛ بالإضافة إلى تحالف غير رسمي يضم دولًا براغماتية، بما في ذلك إسرائيل، وقد توسع مع توقيع اتفاقيات أبراهام. ومع ذلك، كانت فعالية هذه الأطر محدودة جزئيًا بسبب المنافسة بين الدول الأعضاء على النفوذ والقيادة، والخلافات حول الأولويات، وغياب الآليات الفعالة. علاوة على ذلك، يبقى احتمال حدوث تعاون إقليمي كبير بين إسرائيل ودول البحر الأحمر ضمن هذه الأطر محدودًا. لذلك، يُوصى باستكشاف طرق بديلة لإنشاء شراكات إقليمية أو توسيع المنظمات الحالية بطريقة تتيح العمل بشكل أكثر فعالية.
إن محاولة إنشاء إطار للتعاون العربي في البحر الأحمر تسلط الضوء على الديناميكيات التنافسية بين أعضائه، حتى بين الدول العربية "البراغماتية". وبشكل عام، فإن التحديات العديدة في هذه الساحة، إلى جانب تدخل العديد من الدول، بعضها من خارج المنطقة، تتطلب الحذر لتجنب زيادة الاستقطاب الإقليمي أو الدولي والانجرار إلى صراعات أخرى. تساهم عدة دول فاشلة، على طول الساحل الغربي للبحر الأحمر، في تفاقم عدم الاستقرار في المنطقة وتوفر أرضًا خصبة للتدخلات الخارجية، لا سيما من قبل إيران وروسيا. فالصراعات في السودان والصومال، على سبيل المثال، تتداخل فيها المصالح، ويمكن أن تؤدي تطورات الصراعات المحلية إلى أزمات سياسية تتجاوز منطقة البحر الأحمر.
مع ذلك، فإن هجمات الحوثيين تمثل فرصة لتعزيز التعاون بين الدول ضد التهديد المشترك في البحر الأحمر، مما يمنح إسرائيل فرصة لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية البراغماتية وتقديم نفسها كقوة استقرار في المنطقة. وعلى الرغم من أن الحوثيين يدعون أن أفعالهم مرتبطة بالحرب بين إسرائيل وحماس، فإنهم قد يعطلون في المستقبل حرية الملاحة تحت ذرائع أخرى. وعلاوة على ذلك، حتى إذا تم التوصل إلى نوع من التسوية في اليمن وغزة، فإن الحوثيين سيظلون يشكلون تهديدًا دائمًا لمضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية الحيوية في العالم. وبالتالي، يجب على دول البحر الأحمر والمجتمع الدولي التعامل مع هذا التهديد، الذي يعرض التجارة العالمية للخطر، ويتسبب في أضرار بيئية هائلة، ويضر بالمصالح الاستراتيجية للدول المطلة على البحر الأحمر.
هناك وجاهة في الافتراض أن إسرائيل والدول العربية تتوقع من الولايات المتحدة إظهار التزام طويل الأمد بكبح الجماعات المتطرفة في المنطقة، حتى بعد انتهاء الحرب في غزة. ورغم أن النشاط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط قد يشجع الدول العربية، إلا أنها تتردد في الاضطلاع بدور ظاهر بسبب ارتباط ذلك بإسرائيل ومخاوفها من استفزاز إيران ووكلائها. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تكون هذه الدول قلقة بشأن عجز الولايات المتحدة عن ردع الحوثيين وإيقاف عدوانهم بعد ما يقرب من عام من الصراع. قد يكمن جزء من الحل في تعزيز القوات البحرية للدول الساعية للاستقرار في المنطقة، وتعزيز التعاون فيما بينها، وتحسين قدرتها على مواجهة التهديدات البحرية، إلى جانب زيادة التزام القوى العالمية بضمان حرية الملاحة وتطبيقها. يهدف هذا إلى موازنة التهديدات الإيرانية وغيرها في المنطقة، على الرغم من أنه قد يؤدي أيضًا إلى تصعيد سباق التسلح الإقليمي.
تؤكد الأزمة الحالية في البحر الأحمر على الفجوة بين محور المقاومة الراديكالي الذي تقوده إيران والدول العربية البراغماتية الساعية إلى الاستقرار والسلام والأمن. وتعمل هذه الدول على تحويل البحر الأحمر إلى فضاء للازدهار الاقتصادي المشترك من خلال تعزيز مشاريع التنمية الإقليمية في مجالات مثل التجارة والسياحة والبيئة والطاقة. كما تزداد هذه الدول قلقًا من زعزعة إيران للأمن ومن تصرفات الحوثيين في المنطقة. ينبغي أن تهدف التعاونات الإسرائيلية الأمريكية مع الدول الإقليمية إلى منع إيران من إعادة تأسيس وجودها في السودان، باستخدام وسائل اقتصادية وعسكرية. تمتلك دول البحر الأحمر ميزة على إيران، حيث إن الأخيرة بعيدة جغرافياً عن هذا المسرح، وبخلاف دول الخليج، تفتقر إلى القدرة على فرض قوة مباشرة في المنطقة.
يجب على إسرائيل تقييم ما إذا كانت سياساتها الحالية تخدم هذه المصالح الأمنية، ومدى إمكانية إشراك الدول الإقليمية في التعاون لتعزيز الأمن في هذه المنطقة الفرعية الحيوية. من المستحسن أن تُكيّف إسرائيل سياساتها لتتناسب مع الشركاء المحتملين في المنطقة، وتحديد المصالح المشتركة، وإزالة الحواجز التي تحول دون التعاون مع إسرائيل. في هذا السياق، ينبغي استكشاف آليات التعاون ضمن القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، خاصة في مجال منع تهريب الأسلحة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تساعد العلاقات الوثيقة لإسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة في تعزيز مصالحهم المشتركة في البحر الأحمر والقرن الأفريقي. على سبيل المثال، زادت الإمارات من انخراطها في الدول الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وستستفيد إسرائيل من الانخراط في حوار سري معها لتحقيق الأهداف المشتركة، خاصةً في ما يتعلق بإبعاد إيران عن هذه المنطقة.
تتمثل إحدى التحديات التي تواجه إسرائيل في الوقت الحالي في أن الدول العربية تفضل عمومًا اتباع سياسة التحوط وتُظهر ترددًا في مواجهة إيران مباشرة. فهي لا ترغب في تعريض عمليات التهدئة التي تطورت مع طهران في السنوات الأخيرة للخطر؛ بل ترى أن ضمان أمن الملاحة في البحر الأحمر هو المفتاح لتحسين العلاقات مع إيران. من وجهة نظرهم، يمكن لإيران ووكلائها أن يلحقوا أضرارًا مدمرة بأراضيهم، ولا يزالون غير متأكدين إلى أي مدى ستساعدهم الولايات المتحدة، كما فعلت لمساعدة إسرائيل في حرب "السيوف الحديدية". علاوة على ذلك، فإن هذه الدول ترى أن حرية الملاحة في البحر الأحمر هي مصلحة عالمية تتطلب استجابة دولية متعددة الأطراف، وهم غير مستعدين لأن يكونوا في مركز الصراع، على الرغم من أنه يتعلق بهم بشكل مباشر، إلا أنه ليس من مسؤوليتهم وحدهم معالجته.
إن إنهاء الحرب في غزة والتقدم نحو حل سياسي مع الفلسطينيين من شأنه أن يسهل المناورة الدبلوماسية لإسرائيل، مما يمهد الطريق لاستعادة مكانتها الإقليمية تدريجيًا ويسهل التعاون المفتوح مع الدول العربية البراغماتية، خصوصًا السعودية ومصر والأردن. ومع ذلك، في غياب اختراق سياسي، يمكن أن تتيح التهديدات المشتركة تشكيل تحالفات تحت السطح لمعالجة قضية تأمين حرية الملاحة، بالإضافة إلى منع التهريب والحد من التسلح العسكري للجيوش الإرهابية. يمكن أن توفر القوات البحرية، التي تكون عملياتها بطبيعتها أقل وضوحًا، فرصة لبدء التعاون بين الدول في وحول البحر الأحمر، مع إمكانية التوسع إلى مناطق أخرى في المستقبل.
إن تطوير البحر الأحمر يعد أمرًا بالغ الأهمية للدول الإقليمية، مثل السعودية، التي لديها رؤية اقتصادية طموحة لتحويل سواحلها الغربية الطويلة إلى مركز سياحي دولي. تعتمد هذه الخطة على على الاستقرار والأمن وحرية الملاحة. في السنوات الأخيرة، استثمرت المملكة في تطوير قدراتها البحرية في البحر الأحمر، إلى جانب جهودها لتعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة مسارات تهريب الأسلحة وتهديد الحوثيين، على الرغم من أن هذه الجهود ليست كافية. من وجهة نظر الدول العربية المُطلّة على ضفاف البحر الأحمر، فإن تكامل إسرائيل بشكل أعمق وأكثر علانية في النظام الإقليمي بشكل عام—وفي منطقة البحر الأحمر بشكل خاص—يتطلب إنشاء إطار سياسي لحل القضية الفلسطينية. من شأن هذا الإطار أن يسهل الأمن في البحر الأحمر، ووفقًا للسعودية، أن يمهد الطريق لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وخلق نوع من "الاندماج الإقليمي". ومع ذلك، حتى الآن، لا تزال إسرائيل لاعبًا ثانويًا أو مستبعدًا في معظم الأطر الإقليمية، على الرغم من رغبتها في زيادة مشاركتها لتحقيق مصالحها الأمنية والاقتصادية والبيئية بشكل أفضل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت