رغم الأوضاع القاسية التي يعيشها قطاع غزة بسبب الحرب المستمرة وما خلفته من دمار واسع في البنية التحتية ومنازل المدنيين، يواصل الطلبة الفلسطينيون كفاحهم من أجل التعليم. في جولة ميدانية أجراها مراسل وكالة قدس نت للأنباء، برزت قصص ملهمة تعكس إصرار الطلبة النازحين على التمسك بحقهم في التعلم، على الرغم من الأوضاع المأساوية التي يواجهونها يوميًا.
مدارس بديلة وسط الدمار
في الخيام المؤقتة والمباني المتضررة، انطلقت مبادرات تعليمية بدعم من مؤسسات متعددة وأخرى بمبادرات فردية، لاستيعاب الطلبة الذين نزحوا من منازلهم. في خان يونس، افتُتحت مدارس داخل خيام، وأخرى في ما تبقى من مباني المدارس التي لم تعد آمنة للتعليم. ورغم افتقارها إلى المقاعد واللوازم المدرسية، يجلس الطلبة على الأرض ويعتمدون على طرق تدريس بدائية مثل التلقين أو الكتابة على ألواح خشبية وجدران مهدمة.
تنظيم دراسي رغم التحديات
تُقسم المدارس المؤقتة اليوم الدراسي إلى أربع فترات، كل فترة تمتد لساعتين يتم خلالها تدريس المواد الأساسية كاللغة العربية والرياضيات. وتوزع الأيام بين الطلاب والطالبات لضمان استيعاب أكبر عدد ممكن. وتقول سائدة خليل، معلمة لغة عربية تعمل في هذه المبادرات: "التحقت بهذه المبادرات لإيصال رسالة العلم وبناء جيل متعلم رغم كل محاولات الاحتلال لتجهيل شعبنا من خلال قصف المدارس وحرمان الطلبة من حقهم في التعليم."
وأضافت خليل أن هذه المبادرات تقدم مواد مختصرة ومركزة، بهدف تمكين الطلبة من تجاوز عامين دراسيين في سنة واحدة، وتعويض ما فاتهم من تعليم بسبب الحرب.
أثر المبادرات على الطلبة
أشارت المرشدة النفسية آلاء أحمد إلى أهمية هذه المبادرات في إعادة تأهيل الطلبة نفسيًا وعقليًا بعد انقطاعهم عن الدراسة لأكثر من عام. وقالت: "خصص الأسبوع الأول للترفيه عن الطلبة وتهيئتهم للعودة إلى بيئة تعليمية، مع محاولة إعادة جزء من الحياة الطبيعية لهم وسط هذه الظروف الصعبة."
قصص إصرار لا تُنسى
قال يوسف هاني، طالب في الصف الثامن، إن التحاقه بالمبادرات التعليمية كان خيارًا مصيريًا رغم المخاطر. وأضاف: "سلاحنا ضد الاحتلال هو العلم، لأنه الطريق الأول لبناء دولتنا والتحرر من القهر."
أما خطاب نعيم، النازح مع عائلته المكونة من تسعة أفراد إلى غرفة صغيرة، فأكد أن التعليم يمثل أولوية لهم رغم انشغالهم بجمع الحطب والمياه. وأشار إلى أن شقيقتيه في الثانوية العامة يدرسان تحت ظروف قاسية، متمنيًا أن تتحسن البيئة التعليمية لتكون أكثر ملاءمة لهم.
أرقام مروعة وخسائر فادحة
أدت الحرب إلى حرمان أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم، إضافة إلى 58 ألفًا ممن يفترض أن يلتحقوا بالصف الأول، و39 ألفًا لم يتقدموا لامتحانات الثانوية العامة. وأسفرت الحرب عن استشهاد أكثر من 10 آلاف طالب، وتدمير 90% من المدارس الحكومية التي يبلغ عددها 307 مدارس.
عقبات مستمرة أمام التعليم
أصبحت معظم مدارس الأونروا مراكز إيواء للنازحين، حيث تعرض 70% منها للقصف، بينما تُركت مدارس أخرى مدمرة أو شبه مدمرة. وتشير الأرقام إلى أن أربعة من كل خمسة مبانٍ مدرسية في غزة تعرضت لأضرار مباشرة أو غير مباشرة جراء الحرب.
ورغم الجهود المبذولة، لم تتمكن المبادرات التعليمية من استيعاب الأعداد الهائلة من الطلبة بسبب نقص الأماكن الآمنة، وغياب البنية التحتية المناسبة، والتحديات اللوجستية المستمرة.
التعليم كأداة مقاومة
في مواجهة هذه الأوضاع، يبرز إصرار الطلبة الفلسطينيين كرمز للصمود في وجه الاحتلال، حيث يرون في التعليم أداة لتحرير عقولهم وبناء مستقبل أفضل رغم كل الصعاب.